«تموز» حياة وممات العراقيين - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تموز» حياة وممات العراقيين

نشر فى : الجمعة 3 أغسطس 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 3 أغسطس 2018 - 10:20 م

«كل ما يمكن تخيله حقيقى». قال ذلك الفنان «بيكاسو»، وليس فى الدنيا خيال يتحقق مثل «تموز» وهو اسم شهر «يوليو» فى العراق والمشرق العربى. وأبكانى خيال بضع عشرات من عراقيين مغتربين يُشَيعون «الرفيقة» و«الحبيبة» و«الأم» «نضال وصفى طاهر» إلى مثواها المكلل بالزهور فى مقبرة «إنجريد» فى مدينة «يوتوبورى» بالسويد أقصى شمال الكرة الأرضية. غادَرَتْ «نضال» الحياة فجأة منتصف «تموز»، الشهر الذى ولد فيه عام 1918 أبوها العقيد وصفى طاهر، أحد أبرز قادة ثورة «14 تموز» عام 1958. آنذاك اقترب العراقيون أكثر من أى وقت فى تاريخهم إلى «بلاد ما بين النهرين»، حيث استوحوا رسم الشمس السومرية رمزا للجمهورية، وأطلقوا العنان لأحلامهم فى بناء جمهورية مستقلة عن الشرق والغرب، ومالكة لثرواتها النفطية، وينعم مواطنوها بالمساواة أمام القانون. «قانون الأحوال الشخصية» الذى صدر فى العام التالى للثورة فى 94 مادة يعكس مستوى متقدما فكريا وسياسيا وأخلاقيا على الزمن الحالى.
وفى العراق، الأول فى كل شىء، ولدت أولى الحضارات فى التاريخ، وأقيمت أول المدن، وأول المدارس، وأول مجلسين تشريعيين، وأول شريعة قانونية، وأول أدوية صيدلانية، وأول تقويم زراعى. يذكر تفاصيل ذلك كتاب «التاريخ يبدأ فى سومر» ومؤلفه «صاموئيل نوح كريمر» وهو أحد أبرز علماء الآثار فى القرن الماضى، يوردُ اقتباسات مدونة فى الألواح الطينية. وتدهشنا الروح الوطنية والفخر بالانتماء فى فصل «أول فلسفة كونية وفلكية» التى ترسم صورة الكون ومكان «سومر» فيه: «آه يا سومر أيتها الأرض العظيمة، يا ذراع الكون الراسخة بالضوء، المنتشر من شروق الشمس حتى غروبها، قوانينك المقدسة سامية على جميع الناس، وقلبك عميق لا يُسبر غوره، والتعليم الحق الذى جلبتِه كالسماء لا يُمس».
و«تموز» «إله المراعى» وزوجته «إنانا» وتُسمى أيضا «عشتار» أولى «إلهات الحب»، وقصة حياتهما الزوجية ملحمة بالغة التعقيد، يختلط فيها التاريخ البشرى وتاريخ الطبيعة. تقاعسُ «تموز» عن رثاء زوجته عندما انتقلت إلى العالم السفلى جعلها تحكم عليه بقضاء حياته فى العالم السفلى، لكن قلب الزوجة المُحبة رحيم، فاستعطفت عائلتها التى تضمُ كبار آلهة الكون فاستبدلوا العقوبة بقضاء نصف عام فى العالم السفلى، ونصف فوق الأرض. وهكذا ولدت الفصول، و«تموز» شهر الحصاد وفيه، تتكرر حتى اليوم أساطير وفاة «تموز» بتسميات أخرى، حيث المناحات الدينية العامة تقطع مسافات شاسعة مشيا على الأقدام. وقال لى عالم الآثار العراقى الراحل «محمد على مصطفى» تحت كل ضريح دينى يؤمه العراقيون ضريح يعود زمنه إلى عصور سومر وبابل.
وكما لو قامت من ضريح «تموز» مظاهرات البصرة، وامتدت عبر مدن الجنوب إلى كربلاء، والنجف، وواسط، والحلة حتى بغداد. ويستحيل معرفة ما إذا كانت الأحداث الحالية تستأنف «ثورة تموز». «فنحن نحتاج التاريخ بكامله، لا لنرتمى فيه بل لنرى ما إذا كان بالإمكان الهرب منه»، قال ذلك الفيلسوف الإسبانى «خوزيه غارسيا غاسيت» فى كتابه «ثورة الجماهير».
«والآن ما بإمكانى فعله، وماذا سيحدث فى حياتى، وكل هؤلاء الناس الذين لا يهتمون بشأنى، والآن برحيلكِ، كل تلك الليالى، لماذا ولمن؟». بهذه الأبيات للمغنى الشاعر الفرنسى «غلبرت بيكاود» نَعَت «سارة الحسنى» خالتها «نضال وصفى طاهر». و«سارة» الجزائرية من ناحية أبيها، حفيد الأمير عبدالقادر الجزائرى، لم تذرف دمعة واحدة، وهى تتلو القصيدة كمُسارة شخصية بالفرنسية ثم بالإنجليزية: «سيكون صباحى دائما من دون أى معنى، وذلك القلب الذى يخفق لمن ولماذا، يخفق بسرعة وبسرعة، ونحو أى منعطف حياتى ستنزلق؟ لقد تركتِ لى الحياة بأكملها، ولكن الحياة صغيرة جدا بدونك، أصدقائى كونوا لطفاء، أنتم تعلمون أنه ليس بمقدورنا فعل أى شىء».

الاتحاد ــ الإمارات
محمد عارف

التعليقات