قبول نتائج الصندوق - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبول نتائج الصندوق

نشر فى : السبت 3 ديسمبر 2011 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 3 ديسمبر 2011 - 8:05 ص

لو أردنا أن نرد الفضل لأهله فى تفسير الإقبال الكثيف غير المسبوق على التصويت من فئات وطبقات واسعة من الشعب، لم يكن لها عهد بالانتخابات على النحو الذى شهدناه أخيرا، فلابد أن نعترف بأن الكتل التصويتية التى أقبلت فى صفوف طويلة لتقف بالساعات أمام صناديق الاقتراع، هى من هذه الفئات البسيطة غير المسيسة التى تتلقى ثقافتها ومعلوماتها من المسجد، والتى فتحت الانتخابات أمامها أبوابا واسعة من الأمل والتحدى. بينما بقيت النخب الحزبية والتنسيقيات الشبابية موزعة.. لم تتوحد فيما بينها حول مرشح أو مرشحين بعينهم ممن ينتمون إلى الأحزاب التقليدية.. اللهم إلا فيما يتعلق بكتلتين رئيسيتين من الاتجاه الدينى هما: حزب الحرية والعدالة من ناحية وحزب النور السلفى من ناحية أخرى.

 

تكشف الأرقام والنتائج الأولى للانتخابات الفردية عن هذه المؤشرات دون مواربة. وهى لا تمثل غير نتائج المرحلة الأولى للتصويت الفردى، تعبر عن 108 مرشحين من الأحزاب والمستقلين. أما نتائج القوائم فلن تظهر غير دفعة واحدة بعد المرحلة الثالثة لـ199 قائمة حزبية.. يمكنها حينئذ أن تكشف عن تفاصيل المشهد السياسى كاملة.

 

وقد يكون من السابق لأوانه أن نعرف الشخصيات التى برزت فى الانتخابات الفردية، وكيف سيشكل مجلس الشعب حين تنتهى المراحل الثلاث. ولكن ما يهمنا أن نشير إليه هو أن الهدف من الانتخابات كان وضع اللبنة الأولى فى البناء الدستورى البرلمانى، والخروج من دائرة الحكم السلطوى الذى وجد المجلس العسكرى نفسه مرغما أو راضيا على القيام به، وتسليم السلطة إلى المدنيين بعد شهور من التردد والنكوص وعدم وضوح الرؤية.

 

وهنا فلابد أن يقال إن إنجاز هذه الخطوة الأولى فى البناء الدستورى، كان لابد أن يتم بمشاركة شعبية شاملة، يقول فيها الشعب كلمته، تعبيرا عن روح الثورة والأهداف التى ناضلت من أجلها منذ سقوط النظام السابق. ولم يكن من الممكن أن تتم هذه الخطوة اعتمادا على تنظيمات شبابية متفرقة، تدعى كل واحدة منها أنها المتحدثة بلسان التحرير.. ولا على أساس سيطرة حزب أو فصيل معين شارك فى الثورة فى مرحلة من مراحلها ويريد الآن أن يفرض فلسفته وتوجهاته.. ولكن على أساس اختيار شعبى يحقق التوازن السياسى بين الأحزاب والقوى السياسية.

 

لقد طلب الجنزورى وهو بصدد تشكيل وزارته أن يلتقى بممثلين عن شباب الثورة من التحرير، ليستطلع مواقفهم وربما ليختار من يصلح منهم للمشاركة.. فجىء له بـ17 تحالفا شبابيا تحدث معهم ساعات، ليكتشف بعد ذلك أنهم لا يمثلون ميدان التحرير ولا يتحدثون باسمه.

 

وهذا هو وجه النقص فى تشكيل الحكومة الجديدة، التى كان يرجى أن يمثل فيها الشباب بأفكارهم وحماسهم. ولكننا فوجئنا بأن معظم المشاورات التى عقدها المجلس العسكرى مع السياسيين لتشكيل الحكومة الجديدة والمجلس الاستشارى، هم من المرشحين المحتملين للرياسة ممن تجاوزوا السبعين.. ومع ذلك فقد أعلن الجنزورى أن وزارته ستضم 40٪ من الشباب أى ما يزيد على عشرة وزراء.

 

وخلال أسابيع قليلة سوف يكون المشهد الانتخابى قد بلغ مرحلته الأخيرة. وتحددت ملامح القوى السياسية الممثلة فى مجلس الشعب. وهو ما يحتم على شباب الثورة. سواء منهم من شارك فى المسئولية أو بقى فى موقعه فى ميدان التحرير، أن يعيد النظر فى مستقبل العمل الثورى. وقد يكون من الأفضل فى هذه الظروف أن تتلاحم التشكيلات الشبابية الثورية ويكون لها كيان سياسى واحد يمكن تطويره وتصعيده، ليكون عنصرا فاعلا فى الحياة السياسية وتفاعلاتها الداخلية، بطريقة إيجابية تؤكد دور الشباب وروح الثورة.

 

من المتوقع أن تثير نتائج الانتخابات وفوز التيار الإسلامى فيها بأغلبية المقاعد مخاوف كثير من الليبراليين ودعاة الدولة المدنية، على نحو قد يؤدى إلى تشكيل مجلس نيابى غير متوازن لا تمثل فيه جميع الاتجاهات، ويؤدى إلى غلبة الإسلاميين وإثارة منازعات مع التيارات الأخرى.. وهذه هى المشكلة التى يتحتم التوافق حولها منذ الآن، لتبديد مخاوف كل فريق من الآخر، وخلق جو من الثقة يسمح بالبحث والوصول إلى حلول وسط. تتدرب القوى السياسية من خلالها على فضيلة التسامح السياسى والسعى إلى الحلول التى تستجيب لحاجات المجتمع وتطوره، وقبول ما يسفر عنه صندوق الانتخابات من نتائج أيا كانت!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات