غسيل البنكنوت - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غسيل البنكنوت

نشر فى : السبت 4 أبريل 2020 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 4 أبريل 2020 - 9:15 م

عادة ما تتصدر الموضوعات الخاصة بالمال وكذا العلاقات بين الرجل والمرأة قائمة أولويات الكوكب. تعودنا أن يخشى الناس نقص الموارد المالية والوقوع في براثن الفقر، لكننا لم نشهد من قبل خوفا مشابها من النقود والعملات، ففي زمن الكورونا ما أن نلمسها حتى نغسل أيدينا ونطهرها عدة مرات. صار الوضع هيستيريا مضحكا، النقود التي كان البعض على استعداد لفعل أي شيء لكي يحظوا بها أصبحت مصدر قلق دائم، فهي بحكم تنقلها بين الأيدي تحمل العديد من البكتيريا والفيروسات، قَدرتها دراسة أوروبية أجريت على عملات اليورو الورقية، قبل ثماني سنوات، بحوالي 26 ألف نوع من البكتيريا. لم تحدد الدراسة تفاصيل تخص الفيروسات، ولم يؤكد المتخصصون حاليا درجة نقلها للعدوى بالكورونا، فالبعض يبسط الأمور والبعض يحذر من خطرها، مثلما هو الحال بالنسبة لأشياء كثيرة تتعلق بهذا الفيروس المستجد.
***
في دول مثل هولندا امتنعت محال السوبر ماركت عن التعامل نقدا، مقتصرة على الدفع بواسطة الكروت البنكية، كذلك قررت إدارة السكك الحديدية في بلجيكا عدم قبول الدفع النقدي لشراء التذاكر حتى اليوم الخامس من إبريل. أما في الصين حيث انتشرت الكورونا أول ما انتشرت فقد استغلت فرصة إجازة رأس السنة القمرية في نهاية شهر يناير الماضي لكي تقوم بعملية تعقيم كاملة لعملات الإقليم المصاب، ووضعتها في الحجر لمدة أربعة عشر يوما بعد خضوعها للأشعة فوق البنفسجية والحرارة العالية، كما استصدر البنك المركزي هناك نقود ورقية جديدة وصلت قيمتها إلى أربعة مليارات يوان أي ما يعادل 530 مليون يورو.
والطريف أن العملات الورقية أصلها صيني، وليس فقط الفيروس الشهير، إذ ظهرت العملات المعدنية في اليونان القديمة سنة 687 قبل الميلاد، بينما اخترع الصينيون العملة الورقية واستخدموها في نهاية القرن السابع الميلادي، بعدها بقرون انتشرت أوراق البنكنوت أو السندات الإذنية في إيطاليا مع نهاية القرن الرابع عشر، وتوالت التطورات بهذا الصدد حتى وصلنا إلى عصرنا الحالي الذي صار الصينيون أنفسهم يميلون أكثر إلى استخدام وسائط الدفع الإلكتروني خاصة برنامج "وي تشات" المحلي، بل ويكرهون ملامستها خشية الفيروس الغامض. والخوف عامة غير عقلاني.
***
في زمن الهلع من الفيروس صارت النقود أكثر من أي وقت مضى عنوانا لمخاوفنا. لاطالما خفنا من ألا نجد مأوى أو ألا يتوفر قوت يومنا أو ألا يحترمنا الناس لضيق اليد أو ألا نستطيع العلاج بسبب نقص الموارد أو انقطاعها المفاجىء بسبب ماضي كل واحد فينا، وتزايد هذا الشعور بسبب الكورونا فكل شيء على كف عفريت وموضع تساؤل. نسلك سلوك القطيع دون تفكير أو تخطيط أحيانا، ونلوذ بوحدتنا أحيانا لنعيد ترتيب أحوالنا. نفكر أيضا في تفاوت الفرص وعدم المساواة حتى فيما يتعلق بالكورونا، التجربة المريرة التي نجتازها جميعا: من يتمكن من إجراء الفحص أولاً؟ ومن ينجو؟ ومن يحظى بعلاجات أفضل حول العالم؟ من يخاف أكثر من "الفلوس" ويمسكها بأطراف أصابعه؟ من يعي أكثر خطورة ما يحدث بسبب ثقافته وجهل الآخرين؟ من لديه إمكانية الشغل من المنزل: الكوادر العليا أم العمال والأرزقية؟ تسطع الفروقات. هل هي نهاية عالم وبداية آخر؟ في عزلتنا قد يفكر البعض فيما هو أساسي بالنسبة له وما هو ثانوي أو غير مرغوب فيه. قد يراجع علاقته بالأشخاص والنقود والماديات أو قد يرجع كل شيء لقديمه بمجرد زوال الغمة ويغني مونولوج "الفلوس" لإسماعيل ياسين: "بالفلوس بالفلوس ح تبقى أكبر فيلسوف.. بالفلوس تنحنيلك النفوس".

التعليقات