فى معنى المشروع القومى - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى معنى المشروع القومى

نشر فى : الثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 8:05 ص

نجحت الحكومة المصرية فى إتمام مشروع حفر قناة السويس الجديدة فى سنة واحدة، طبقا للجدول الزمنى، وبددت بذلك الكثير من الشكوك حول القدرة الفعلية على تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم فى ثلث المدة، المقررة أصلا، ونجح الفريق الاقتصادى من قبل فى ابتداع وسيلة لتمويل المشروع من خلال إصدار شهادات/سندات لتعبئة المدخرات الخاصة من داخل وخارج الجهاز المصرفى بما يحقق تمويلا مباشرا للمشروع، ولا يلقى بالعبء الأكبر على الخزانة التى تنوء بعجز ضخم، وتماشى مع هذا النجاح فى الانتهاء من قناة السويس الجديدة قدرة وزارة الكهرباء والهيئة الهندسية للقوات المسلحة على إنجاز الخطة العاجلة التى وضعت لزيادة القدرة على توليد الكهرباء بما يقلل من الانقطاعات، ولوحظ تقدم كبير فى توفير الكهرباء الصيف الحالى.

تثبت المشاهدات السابقة أن لدى الحكومة مقدرة فى تنفيذ المشروعات التى تطلق عليها «قومية» والتى تستهدف تنشيط الاقتصاد بالاستثمار فى البنية الأساسية بما يدعم جهود التعافى الاقتصادى، ولكن يحضر هنا تساؤل جوهرى وهو هل لدى الحكومة بالفعل مشروع قومى للاقتصاد؟ أم أن مشروعها القومى هو مجرد تجميع لعدد كبير من المشروعات فى مجالات البنية الأساسية؟

ينطوى استخدام كلمة «مشروع» للتعبير عن برنامج سياسى أو عن خطة لإدارة السياسات العامة على استعارة من المفهوم التجارى للمشروع، والذى دوما ما كان يقصد به وضع استثمارات فى مدى زمنى معين لتحقيق عائد، وقد تمت استعارة هذا المصطلح من عالم التجارة والمال الذى يغلب على المشروعات الخاصة إلى عالم السياسة فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، خاصة فى العصر الناصرى، عندما شاع الحديث عن مشروع قومى فى إشارة للسد العالى أو برامج التصنيع من خلال القطاع الخاص أو برامج التمصير والتأميم أو المشروع العربى الذى كان يقصد به تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية، وكان المشروع هنا يقصد به اتجاه فى السياسات العامة يعبر عن مفهوم ما للصالح العام كما تعرفه السلطة السياسية، وكما تفترض أنه يعبر عن رغبة المجتمعات التى تحكمها وتمثلها.

***

واختصارا يمكن القول إن المشروع بمعناه السياسى ليس مشروعا ماديا بالمعنى التجارى أو المالى يتم من خلاله وضع استثمارات وانتظار تحقيق عائد، بقدر ما إنه حزمة من السياسات العامة التى تستهدف تغييرات مستقبلية فى مجالات كالاقتصاد (كاستهداف توزيع أكثر عدالة للدخل والثروة أو زيادة قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل أو رفع مستويات المعيشة.. إلخ) وفى مجالات كالسياسة والاجتماع والثقافة وغيرها. ومن هنا قد يشتمل المشروع السياسى على برامج وخطط وعلى مشروعات بالمعنى الاقتصادى والتجارى الضيق، أما أن يجرى اختزال المشروع السياسى فى المشروع بالمعنى الاقتصادى المباشر فهذا أمر محل إشكال كبير، وهو ما يبدو أنه حادث فى مصر فى الوقت الحاضر.

قد يكون بالفعل لدى الحكومة القدرة على تصميم ومتابعة وتنفيذ مشروعات اقتصادية معينة، كما هو الحال مع قناة السويس الجديدة، ومع توسيع شبكة الكهرباء، ولكن هذه الفعالية التنفيذية لا تعنى أن لدى الحكومة مشروعا محدد المعالم يتم بناء عليه توجيه التغييرات المستقبلية فى السياسات العامة للدولة، ووضع أهداف محل نقاش وقبول مجتمعى للكيفية التى يجب أن يكون عليها الاقتصاد والمجتمع والنظام السياسى فى مصر فى السنوات القادمة.

ولعل غياب المشروع القومى بالمعنى السياسى للكلمة هو ما قد يفسر التخبط فى وضع وتنفيذ السياسات العامة والتشريعات المنظمة للحياة الاقتصادية وغيرها فى مصر، فيتم فرض ضريبة البورصة ولا يصدر لهذا القانون لائحة تنفيذية طيلة شهور ثم يصدر قرار بتجميد العمل بالقانون لمدة سنتين، وهو أمر عجيب قانونا، كون قانون ضريبة البورصة لايزال ساريا ولم يلغ، ولكنه لا ينتج آثارا قانونية! وكذا الحال مع الحديث المتكرر عن تحصيل الضريبة العقارية بعد ١٥ سنة من صدور القانون الخاص بها، دون أن يترتب على هذا التوجه شىء يذكر على الرغم من حاجة الحكومة الماسة لزيادة إيراداتها الضريبية، وعلى الرغم من التزامات القيادة السياسية بتحقيق العدالة الاجتماعية، وثمة أمثلة كثيرة تنم عن غياب خط واضح يوجه التغييرات المستهدفة فى السياسات والمؤسسات العامة.

***

إن وجود قدرة على تنفيذ المشروعات الاقتصادية هو أمر مهم ويستحق الكثير من الإشادة والإكبار، ولا شك أنه يضيف لرصيد النظام السياسى الحالى فى محاولاته لانتشال الاقتصاد من التباطؤ والبلاد من الاضطراب السياسى والاجتماعى غير المسبوق الذى شهدته منذ ٢٠١١، ولكن لا يعوض هذا بحال عن الحاجة الضرورية لوجود مشروع بالمعنى السياسى للكلمة، لأن مهمة السلطة السياسية والدولة هى التعبير عن مفهوم ما للصالح العام يكون هو الموجه والمحدد للتغييرات المستهدفة على مستوى السياسات والقرارات والتشريعات فى الداخل والخارج، وإلا تساوت الدولة مع شركة مساهمة يقاس أدواؤها بأداء الأسهم ووضعها المالى أمام الجمعية العمومية. والدولة غير الشركة لأن الدولة تمثل العام وتمثل السياسى والشركة تمثل الخاص وتمثل التجارى أو الاستثمارى.

ولا يعنى ما سبق أن المشكلة الأساسية تكمن فى غياب خبراء وأساتذة جامعيين وتكنوقراط قادرين على وضع التصورات وصياغة مشروع سياسى، لأن مثل هذا الأمر لا يصاغ فى غرف مغلقة، ولا من خلال نقاشات بين الخبراء والمتخصصين مهما بلغت درجة علمهم وبلغ إخلاصهم، ولا يتحقق من خلال النوايا الطيبة مهما صدقت، إنما يتحقق من خلال وجود مجال عام يمكن من حدوث نقاش عام يخوض فى تحديد مفهوم الصالح العام محل الإجماع أو محل القبول الواسع، ويتحقق من خلال وجود نظام سياسى قائم على كيانات قادرة على تمثيل المصالح الاجتماعية والاقتصادية المختلفة والتوفيق بينها أو إدارة تنافسها لصياغة تصور عام يشمل أغلبها. وهذه هى السياسة التى تغيب عنا.

التعليقات