بين المطرقة والسندان (٢) «المعادلة الصفرية» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين المطرقة والسندان (٢) «المعادلة الصفرية»

نشر فى : الأحد 5 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 5 يناير 2014 - 9:01 ص

من الظواهر الأخرى للمرحلة الصعبة تلك التي يحاول فيها هؤلاء وأولئك حصرَ المصريين «بين المطرقة والسندان»، أن بعض ما بات يحكم الصراع "الذي لم يعد سياسيًا للأسف" هو تلك القواعد الحَدِّية المتطرفة لما يُطلق عليه المعادلة الصفرية zero-sum game

والمصطلح القديم، يعرفه الاقتصاديون ومتخصصو نظرية المباريات Game Theory، ويعنون به، إن أردنا تبسيطا: أن يرتبط مكسبك بالضرورة بخسارة الطرف الآخر. والأدْهَى، أو الأسوأ حين تعتقد أن ذلك لابد أن يكون مطْلَقًا؛ مكسبًا كاملا مقابل خسارةٍ كاملة. والأَمَرُّ أو الأشد سؤًا حين لا يكون هذا الطرف الآخر عدوًا بل «الدولة»، أو جماعة من «مواطنيها».

شيء من هذا يحدث في مصر.

والشواهد على هذا للأسف تبدو واضحة جلية منذ اليوم الأول. بداية من رفض الجماعة نداء أخيهم ورفيقهم القديم عبد المنعم أبو الفتوح في هذا اليوم البعيد من يناير ٢٠١٣، وليس نهاية بقرار تنتقل به الجماعة من وصفها «إعلاميا» بالمحظورة، لتوصف «رسميا» بالإرهابية. (راجعوا السجل الطويل لمبادرات أُجهضت، وهناك من تمنى ذلك. وكان بعضُها، للتاريخ قبل أن تُراقَ نقطة دم واحدة: «الشروق» ١٥ سبتمبر ٢٠١٣).

ولعلي من الذين يعتقدون أن مشكلةَ جماعة تنزلق «أو تُستدرَج» هكذا من اليوم الأول الى خيار أن تكون معركتها صفرية، هي مشكلةٌ فكريةٌ، وثقافيةٌ، وتربويةٌ أكبر بكثير من أن تحلها إجراءات أمنية مهما قست أو تجاوزت، أو لوحت بهراوتها. كما أنها بالتأكيد أكثر تعقيدًا مما يظن أصحابُ قرار / أو بيان وصفها بالإرهابية. بل لعلي أرجو ألا يكون من بعض ذلك؛ «إجراءات وقرارات» ما يزيدها تعقيدًا.

•••

معادلة صفرية، هي ككل المعادلات الصفرية تفتقر الى الحكمة، وتبدو وكأنها لا تكترث بالدماء.

معادلة مجنونة لا تقرأ في أرقامها غير أعداد الضحايا؛ ضباطًا وجنودًا «بسطاء»، تستهدفهم تفجيراتٌ، ودعواتُ تحريض هنا وهناك، أو متظاهرين «بسطاء أيضًا» تدور بهم يوميا عبثيةُ المطالب وعنفُ الصدامات. وتسمع تعدادَ ضحاياهم مساء كل جمعة.

ونعرف جميعًا أن هؤلاء وأولئك سيتساوون «يوم الحساب» في حرمة الدماء... ولكنه جنون «المعادلة الصفرية».

•••

عندما طالعت قبل أيام على موقع التواصل الاجتماعي twitter ماكان من جدال «تجاوز السخونة» بين الداعية الكويتي الشهير الشيخ مشاري راشد العفاسي وأصوات تقف في مربع الإخوان المسلمين، أدركت إلى أي مدى وصلت «صفرية المعادلة».

كان الشيخ الكويتي الذي يتجاوز عدد متابعيه على تويتر الثلاثة ملايين قد انتقد في تغريداته ما اعتبره موقفًا إخوانيًا رافضا للإصلاح والمصالحة بين المصريين، محملا المسؤولية بوضوح عن قتل المسلمين «لمن أمرهم بالمكوث في الميادين» (راجع الرابط). ولا يعنيني هنا في الجدل الذي احتدت ألفاظه وتطرق في بعضه لما ورد في كتب لسيد قطب، إلا ما كشف عنه وبدا لي مقلقا من إنعدام لإمكانية الحوار، أو بالأحرى إمكانية الخروج من صندوق «صفرية المعادلة» الأصم المصمت. خاصة وأن جدلهم في هذه الحالة لم يكن مع أطراف ذات صلة أو متهمة مسبقًا بانحيازها مع هذا أو ضد ذاك، أو من ما يمكن "رجمها" ابتداء بكراهية الاسلام أو «المشروع».

•••

«السياسة نسبية، والدين مطلق»، هكذا نعرف. وهكذا بدا من "حوار التغريدات" وما استدعاه أن من الروافد الرئيسة لصفرية معادلة الصراع في مصر، وربما في المنطقة كلها ما استُحضر اليه قسرًا من مقولات دينية نقلته من مربع الصراع السياسي الذي يحتمل بطبيعته «النسبية» الاختلاف في الرأي، والبحث عن المشترك، الى مربع «المطلق» والمقدس بطبيعته. فكان أن اقتنع البعض للأسف بفكرة مريضة جرى ترويجها وترديدها كل ساعة بأنها «معركة الاسلام ضد كارهيه». وكان أن اعتبر البعض أنفسهم «هم الأحرار»، وبقية المصريين «عبيد»، فاعتبرهم المصريون بالتالي «خوارج» عنهم. زايد البعض على أغنية تتحدث عن «شعبين»، ولو تدبروا كلماتها جيدا، وكذلك كلمات الأغنية التي ردوا بها عليها، لاكتشفوا الحقيقة الموجعة.

•••

هل يعني ذلك أن الوقتَ مبكرٌ للبحث عن المشترك؟ لم أكن أرغب أبدًا في إجابة تبدو يائسة على هذا السؤال. ولذلك عدت الى أوراق دونتها كحصيلة لجلسات مطولة مع متخصصين وخبراء في مركز العدالة الانتقالية بنيويورك ICTJ قبل حوالي الشهر، ومن بينهم أصحاب تجربة عملية في مراحل التغيير والتحول الديموقراطي «الصعبة»، وبعضهم طلب مني بوضوح ألا أقلق فالمصالحة أو الوفاق الوطني لا تأتي بكبسة زر، بل هي نتاج لطريق طويل لم نخط فيه بعد. وما أسمته علوم السياسة بالعدالة الانتقالية Transitional Justice هو «عملية مستمرة» تستغرق إجراءاتها وتدابيرها وقتا قصر أو طال. المهم أن نبدأ.. والقاعدة الذهبية هنا هي «أن تأتي متأخرا خيرٌ من ألا تأتي أبدًا»

•••

في أجواء المعادلة الصفرية وفيما «بين المطرقة والسندان»، تبحث مصر / الوطن عن طريقها «الذي تستحق» الى المستقبل. إلا أن الحاصل أن «الاغتيال المعنوي» طال للأسف كل من حاول أن يتلمس الطريق وأن يقول «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء». سبَّه هؤلاء متهمينه بالخنوع، وتثبيط همم المجاهدين، وشحذ الآخرون كل أسلحتهم آملين اصطياده، أو على الأقل تجريسه وتأديبه حتى لا يشغلهم عن «تنظيف البلد».

«تبحث عن المشترك»؛ قاربا يحمل الوطن بجميع أبنائه الى بر الأمان والسلام والمستقبل، فيردون عليك ردا قاطعا وباترا: «لا مشترك بيننا وبينكم».

تدعو الى طاولة يجلس حولها الجميع باحثين عن المستقبل، فتُوأَد المبادرة تلو الأخرى. ويكتفي البعض بما يسمعونه من موفدي الغرب ناسين حكاية صدام الشهيرة مع السفيرة الامريكية April Glaspie (٢٥ يوليو ١٩٩٠).

تُذكر بقولة مالك أن «كُلٌ يُؤخَذُ منه ويُرد» فلا يعجب كلامك أولئك الذين خدعوا بسطاءهم في رابعة بأن الملائكة يحرسونها، أو بأن النبي ﷺ قدم رئيسهم ليؤمه في الصلاة.

تُذكر بأن لا استقرار إلا إذا شعر الناس بالعدل وسيادة حقيقية لقانون تحترمه الدولة قبل مواطنيها، فيُضرب بكلامك عرض الحائط. ويتجاوز البعضُ استقواء بسطوته .. وسلطته.

يحتد عليك نفرٌ من هؤلاء وهؤلاء، طالبا منك الصمت أو الابتعاد حتى لا تشغله عن مهمته المقدسة؛ انتحارًا، أو نحرًا.

وينصحك آخرون بألا تشغل بالك، وأن تدعهم وشأنهم، فهم اختاروا أن تكون «المعركة صفرية».. والمعارك الصفرية لا تنتهي هكذا بين عشية وضحاها. «ولن يجني المُخَلِّص غير تمزيق ملابسه». أما البحث عن المشترك.. وخلاص الوطن، فلم يحن وقته بعد.

يقولون أن «الدائرة الجهنمية» لا بد أن تكتمل حتى يتصل طرفاها. وأنه عندما يختار هؤلاء أو أولئك أن تكون معركتهم صفرية، فلابد للأسف أن تكتمل الدائرة، ونشهد ما شهدناه من «انتقام وانفلات» بعد جنازات المنصورة.

من قرر واعيًا أو مغيبًا أن يسير نحو حتفه، لن تستطيع له مهما حاولت إنقاذا.

ها قد ارتطمت العربة بالحائط. أو تبدو كذلك...

تثبت خبرة السنوات الثلاث، للأسف صحة ما يذهب اليه الناصحون. ولكني أراهن على جيل جديد. وأظن أن مصر «ومستقبلها» تستحق المحاولة .. والأمل.

كما أني أظن أن «لسة الأغاني ممكنة».

•••

وبعد..

أعرف أن هناك من قادته حساباته الخاطئة لأن يقرر في البداية أن تكون «معركته صفرية»، وأتفهم أن لذلك تبعاته وثمنه. وأن كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أنني أدرك أيضًا أن القارب واحد، وإن اشتَّط، أو غفل عن ذلك يوما بعض راكبيه. كما أدرك، ككل طبيبٍ أن جرعة زائدة من الدواء قد لا تقضي على جرثومة المرض وحدها، بل قد تودي بحياة المريض. كما أعلم أن الواجب يقتضي أن تبذل كل جهد ممكن لتمنع من يحاول الانتحار أن يكمل جريمته، فما بالك بمن بدا وكأنه اختار أن يرتدي حزامًا ناسفًا ولسان حاله يقول: «عليّ .. وعلى الجميع»، حتى ولو كان هذا الجميع هو «الوطن» أو المستقبل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

إذا كان هؤلاء وأولئك قد اختاروا أن تكون معركتهم / معادلاتهم «صفرية»، فهذا شأنهم، ولكن أرجو أن يعرفوا جميعًا، أن هذه ليست معركتنا.

كنا نرجو الله حكمة تحول دون وصولنا الى هنا. ولكن قدر الله وما شاء فعل. نسأله سبحانه «الأمنَ» للبلاد، «والعدلَ» للعباد .. واللطفَ فيما قدر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

سجل المبادرات المُجهضَة

مطالبة أبو الفتوح بانتخابات مبكرة

تغريدات مشاري راشد العفاسي حول الإخوان

عن العدالة الانتقالية

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات