أن تكون مرسى.. هذا أفضل دائمـًا - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أن تكون مرسى.. هذا أفضل دائمـًا

نشر فى : الأحد 5 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 5 مايو 2013 - 8:00 ص

لا أعرف ما سر ترحيب بعض النخب بما قاله الرئيس محمد مرسى أثناء حديثه فى احتفالات عيد العمال بأنه يسير على خطى عبدالناصر. وأعتقد أن من كتب له كلمته فى هذا اليوم لم يخلص له النصح، ومن أخرج له مشهد الاحتفالية لم يحسن له الإخراج. فكان الأولى بالناصح أن يشدد فى القول بضرورة الإبتعاد عن سيرة عبد الناصر تمامًا وعدم الإقتراب من تلك المنطقة الشائكة. وكان يستوجب على مخرج المشهد الاحتفالى أن يخرج مشهدا مغايرا تماما لما أخرجه فى مساء يوم الثلاثاء الماضى فى قصر القبة.

 

فمن المؤكد ان عبد الناصر لم يكن ليوافق يوما على اقتراح من أحد مساعديه مهما ألح عليه أن يلم العمال فى عيدهم ليقيم لهم حفلا أشبه بالاحتفالات الملكية، وكان سيفضل بالتأكيد أن يذهب هو إليهم فى ميدان المنشية بالإسكندرية أو ميدان الجمهورية فى وسط القاهرة أو فى ميدان الشونة بمدينة المحلة كما أعتاد دوما. ولم يكن عبدالناصر قطعا يقبل أن توجه الدعوة فى عيد العمال لبعض رجال الأعمال الذى أغلقوا مصانعهم وتركوا عمالهم مشردين بدون أى حقوق، ولم يكن ليسمح لأحدهم ممن غرف مليارات من فلوس البنوك وهرب بها للخارج دون أن يسدد باقى ما أقترضه حتى الان أن يشارك العمال فى عيدهم ويجلس على مقاعدهم. وهو ما فات على مخرج الحفل.

 

فلو كان الرئيس مرسى يريد فعلا أن يهتدى بعبدالناصر لم يكن لينهى زيارته لمصنع الحديد والصلب يوم الثلاثاء الماضى قبل أن يجد مخرجا لتلك القلعة الصناعية التى كانت قبل عدة سنوات تحقق أرباحا وهى الان تحقق خسارة تبلغ  675  مليون جنيه خلال التسعة شهور الأخيرة فقط. ولو كان فى مقام عبدالناصر لما ترك وزير الاستثمار الذى كان فى صحبته يخرج من المصنع قبل أن يعرف لماذا زادت خسائر هذه القلعة الصناعية بنسبة 70% بدءا من السنة المالية الحالية وحتى نهاية مارس الماضى. ولو كان الرئيس يريد أن يستكمل ما بدأه الرئيس الراحل لكان قد اصدر قرارا فوريا بالعمل على حل مشاكل شركة الكوك التى تورد احتياجات مصنع الحديد. ونتيجة لانخفاض إنتاج شركة الكوك بنسبة 25% توقفت ثلاثة أفران من أربعة فى مصنع الحديد، والفرن الوحيد الذى يعمل ينتج نصف طاقته.

 

●●●

 

ولو كان الرئيس مرسى يسير على خطى عبدالناصر لكان قد أصدر قرارا على الفور فى عيد العمال بتنفيذ حكم المحكمة التى قضت بحبس هشام قنديل رئيس الوزراء لعدم تنفيذ الحكم القضائى بإسترداد شركة طنطا للكتان، التى صدر لها حكم باستعادتها بعد أن ثبت للمحكمة فساد عملية خصخصتها. وكان قد أسرع بإقالة كل مسئول فى الشركات القابضة سمح لنفسه أن يطعن على الأحكام القضائية التى أرجعت للدولة ست من شركات القطاع العام التى تم بيعها بفعل الفساد فى عهد ما قبل الثورة. فى محاولة للتملص من تسلم تلك الشركات. لو كان مرسى يريد أن يتشبه بناصر لكان قد استجاب لطلب القاضى الجليل الذى اصدر هذه الأحكام وأصر فى نهايه الحيثيات أن يطلب من كل مسئول يهمه المال العام أن يتقدم للنائب العام للتحقيق مع كل من شارك فى عمليات بيع هذه الشركات لإثبات تهمة الفساد عليهم. وهو مايجنب مصر دفع أية مبالغ مالية كتعويضات فى حال لجوء المستثمرين الذين اشتروا الشركات إلى التحكيم الدولى.

 

لو كان «مرسى» يسلك طريق ناصر لكان قد وقف طويلا عند خريطة توزيع الدخل فى مصر. ولم يكن ليقبل أن تستمر على ما هى عليه قبل الثورة. لم يكن ليوافق على أن يكون أغنى 20% من المصريين يستهلكون أكثر مما يستهلكه الـ60% الأكثر فقرا فى نفس البلد وتحت نفس السماء. 

 

وكان سيقرأ بعناية القائد المسئول تفاصيل موازنة الدولة للعام المقبل. ولم يكن ليكتفى باللغو فى ديباجة الموازنة حول العدل والمساواة ولا يرتكن إلى المؤشرات التى كانت تخرج من بعض المراكز البحثية، والتى كانت تؤكد حتى العام السابق قبل الثورة على أن هناك تحسنا فى مؤشر العدالة فى توزيع الدخل. ولكنه كان سيبحث بنفسه ليعرف أن هذا التحسن سببه أن الفقر أدى إلى انخفاض المتوسط العام لإنفاق الفرد فى مصر فى نفس الوقت الذى لم تستطع فيه الفئات التى تنتمى إلى شرائح الإنفاق الدنيا تخفيض أنفاقها بدرجة كبيرة مما هى عليه. بحكم أن هذه الفئات قد وصلت إلى الحد الأدنى من الإنفاق الذى لا تستطيع أن تنزل عنه إلا فى حدود ضيقة. فى حين أن ميسورى الحال ممن ينتمون إلى الشرائح العليا تأثروا بالتدهور الذى لحق بالاقتصاد قبل الثورة. وبالتالى تراجع انفاقهم بدرجة أكبر من تراجع إنفاق الفقراء. فأقتربت المسافة بينهما. وبذلك تحسن مؤشر المساواة فعلا على مائدة الباحثين. ولكن دون أن يكون الفقراء قد التقطوا حتى أنفاسهم.

 

●●●

 

ولو وضع «مرسى» نفسه مكان «ناصر» لم يكن ليكتفى بالاستماع إلى وزير المالية يقول «تسعى الحكومة إلى ادراج حزمة اصلاحات تسهم فى تحقيق النمو بما يضمن أن تصل ثمار النمو إلى مختلف فئات المواطنين بشكل أكثر عدالة. ولتحقيق العدل فى توزيع الثروات سيتم الأخذ ببرنامج اصلاحى مبنى على ترشيد دعم الطاقة. وتفعيل منظومة الكروت الذكية لتوزيع السولار والبنزين. واستكمال خفض الدعم الموجة للصناعة». ولكنه كان سيسأل السيد الوزير ما إذا كان رجال الأعمال من أصحاب المصانع كثيفة الطاقة قد إلتزموا بالأسعار الجديدة للغاز. خاصة أنهم يبيعون إنتاجهم بأكثر من الأسعار العالمية حتى فى السوق المحلية ويصدرون للخارج. فى وقت كانوا يحصلون على سعر مدعم للطاقة. خاصة أنهم كانوا سبق لهم أن التزموا وسددوا فروق أسعار الغاز أثناء حكومة نظيف بلغت فى عام 2009/2010 ما يقرب من مليار و200 مليون جنيه طبقا للبرنامج الحكومى فى ذلك الوقت. بينما لم يلتزم أصحاب هذه المصانع بدفع فروق الأسعار منذ عام 2010. كما لم تتضمن الموازنة المقبلة أية أرقام عن هذه الاستحقاقات.

 

لو فعلا أراد الرئيس مرسى أن يختار مسلك رئيس كان معاديا له حتى وقت قريب لايزيد عن شهور. عندما كان يخطب فى ميدان التحرير مذكرا المحتشدين  ببشاعة سياسات الستينات. لو فعلا أراد ذلك لكان قد أختلف مع وزير ماليته الذى أورد فى مشروع بيانه المالى للعام المقبل تخفيضا فى  كميات الزيت المدعم بمقدار 127 ألف طن لتصل إلى 728 ألف طن، وهذا بالطبع استلزم تخفيضا فى قيمة الدعم بمقدار 871 مليون جنيه . وهذا التخفيض لا يرصد تأثيره  إلا من عرف قيمة بطاقة التموين فى حياة قطاع واسع من المصريين. وياليت التخفيض طال فقط الزيت، ولكن الشاى فى العام المقبل لم تقدر له الموازنة أية دعومات.

 

لو أن الرئيس «المنتخب» حقا كان يريد أن يسير على خطى الرئيس «المستفتى عليه شعبيا» لكان قد سأل وزير المالية هل من العدل أن يتم إعفاء أصحاب مشروعات التعليم الخاص (التى تدفع مصاريفها بالدولار والإسترلينى) والمستشفيات الاستثمارية من الضرائب فى الموازنة الجديدة على أساس أنهم يقدمون خدمات اجتماعية، فى نفس الوقت الذى تنتقص فيه الموازنة من كميات الزيت التى تقدم للملايين من حاملى البطاقات التموينية بسبب عجز الموارد؟

 

ولأن الرئيس مرسى لم يقم احتفال عيد العمال فى ميدان من ميادين مصر ولم يحل مشاكل مجمع الحديد والصلب. ولأنه لم يسترد الشركات التى تم خصخصتها. ولم يحبس وزير الوزراء. ولم يعد رسم خريطة توزيع الدخل فى مصر. وكذلك لم يلتفت إلى ما فى موازنة الدولة المقبلة من ظلم واقع على الطبقات الدنيا وتحيز فج لصالح الميسورين، باختصار لأن الرئيس «المنتخب بالصندوق» لم يفعل كل ما كان سيفعله عبدالناصر. لذلك الأفضل له أن يظل كما هو ولا يتشبه بأحد لأنه لن يستطيع إلا أن يكن مرسى.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات