هل يتآمر علينا الاتحاد الأفريقى؟ - راوية توفيق - بوابة الشروق
الأربعاء 16 يوليه 2025 8:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

هل يتآمر علينا الاتحاد الأفريقى؟

نشر فى : الإثنين 5 مايو 2014 - 6:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 مايو 2014 - 6:50 ص

يروق لبعض الإعلاميين والباحثين أن يصوروا موقف الاتحاد الأفريقى من نظام ما بعد الثالث من يوليو فى مصر باعتباره مكيدة تقودها القوى الإقليمية داخل القارة وخارجها لعزل مصر عن محيطها الأفريقى. وقد زادت نبرة الانتقاد للموقف الأفريقى بعد التصريحات الأخيرة للسفير النيجيرى «بول لولو بولس»، رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقى، بأن ترشح المشير عبدالفتاح السيسى للرئاسة يمثل «معضلة كبرى» للاتحاد، وأن الاتحاد يجب ألا يكافئ من يشارك فى تغيير النظم بشكل غير دستورى. وقد ذهبت الأصوات الناقمة على الاتحاد الأفريقى إلى أبعد من الانتقاد لتربط بين ما تعتبره ترصدا أفريقيا لمصر من ناحية وبين انضمام قطر منذ أسابيع قليلة إلى الاتحاد الأفريقى كعضو مراقب، وطلب إسرائيل الانضمام إلى المنظمة القارية بنفس الصفة، والذى قدمته تل أبيب إلى المنظمة رسميا فى يناير الماضى، وأيدته، وفقا لما جاء فى بعض التقارير الإعلامية، دول مثل نيجيريا وإثيوبيا وكينيا من ناحية أخرى. استمرار تجميد مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد هو إذن بالنسبة للبعض ضلع فى المؤامرة الكونية القطرية الإسرائيلية التركية الأمريكية لمحاصرة مصر الثورة والنيل من مكانتها الدولية والإقليمية.

•••

وفى الواقع فإن تصوير موقف الاتحاد ودوله الفاعلة، خصوصا نيجيريا وجنوب أفريقيا، باعتباره مؤامرة كبرى يحتاج إلى المراجعة لأكثر من سبب. السبب الأول أن المؤامرة، بحكم تعريفها، تدبر فى الخفاء. أما الدول الأفريقية، وعلى رأسها القوتان الإقليميتان، فقد أعلنت موقفها بشكل واضح من ترتيبات ما بعد الثالث من يوليو. فقد اعتبرت نيجيريا أن الإطاحة برئيس منتخب يعد ردة عن التقدم الملحوظ الذى حققته القارة فى مجال دعم ثقافة الديمقراطية. أما جنوب أفريقيا فكانت الأكثر هجوما على نظام ما بعد الثالث من يوليو، خصوصا بعد عمليات القتل الجماعى التى صاحبت فض اعتصامى رابعة والنهضة، ما أدى إلى تلاسن حاد بين القاهرة وبريتوريا.

وغنى عن البيان أن موقف الدولتين لم يأت إعلاء لقيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. فقد غضت هذه الدول الطرف عن انتهاكات فى دول أفريقية أخرى تحت دعاوى التضامن الأفريقى، بل ودافعت عن النظم التى ارتكبت تلك الانتهاكات، ناهيك عن أن النظم الحاكمة فى الدولتين ترتكب من الانتهاكات فى حق مواطنيها ما تنتقده المؤسسات الحقوقية الدولية. ويكفى فى هذا الإطار الإشارة إلى تقارير منظمة العفو الدولية عن انتهاكات الحكومة النيجيرية فى حربها ضد الجماعات المسلحة فى الشمال، وعن تعامل حكومة جنوب أفريقيا مع الاحتجاجات العمالية. غاية ما فى الأمر أن من مصلحة الدولتين استغلال نقاط الضعف والأخطاء التى يرتكبها النظام المصرى لتعظيم نقاط قوتهما فى أى منافسة محتملة مع مصر لتمثيل القارة الأفريقية، وهذا أمر طبيعى فى إدارة القوى الإقليمية لعلاقاتها الدولية. ولا يزال يخالج القوتان حلم الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن حال تنفيذ مقترحات إصلاحه المطروحة منذ سنوات.

•••

السبب الثانى لعدم الإنجرار وراء نظرية المؤامرة فى تفسير مسلك القوى الأفريقية تجاه تطورات الأحداث فى مصر هو أن هذه القوى تستند بالفعل إلى قواعد واضحة للاتحاد الأفريقى من المفترض أن تطبق على جميع الدول دون تمييز. وبغض النظر عن الجدل حول تكييف الاتحاد الأفريقى لما حدث فى مصر فى الثالث من يوليو، وهو جدل غير مجد لأن اعتبار الاتحاد لما حدث بأنه انقلاب عسكرى أصبح أمرا واقعا، فإن الشروط الواجب توافرها لعودة مصر إلى المشاركة فى أنشطة الاتحاد غير متوافرة. فوفقا لميثاق الديمقراطية والانتخابات والحكم الجيد الذى تم تبنيه فى قمة الاتحاد الأفريقى بأديس أبابا فى عام 2007، والذى دخل حيز النفاذ فى فبراير 2012، لا يحق لمن شارك فى تغيير النظام المنتخب بشكل غير دستورى الترشح للانتخابات التى يتم إجراؤها لعودة الديمقراطية أو تولى أى منصب حكومى فى النظام الجديد. وهذا النص هو ما يستند إليه رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقى فى الإشارة إلى المعضلة المصرية فى العودة للاتحاد. ومعنى ذلك أن عودة مصر إلى الاتحاد، وهى فى اعتقادى مجرد مسألة وقت، سوف تأتى خلافا لقواعد المنظمة الإقليمية. صحيح أن الاتحاد قد قبل خرق هذا الشرط من قبل فى حالات أخرى، أبرزها حالة موريتانيا، وإن كانت تلك الحالة جاءت قبل دخول الميثاق حيز النفاذ، إلا أنه كان الأجدر بمصر، المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية قبل أكثر من خمسين عاما والمساهمة فى إعادة هيكلة المنظمة لتأسيس الاتحاد الأفريقى فى أوائل العقد الماضى، أن تقدم نموذجا للالتزام بمبادئ الاتحاد.

•••

السبب الأخير لإعادة النظر فى المقولات التاَمرية هو أن الدول الأفريقية قد أبدت مؤخرا، وتحت ضغط الدبلوماسية المصرية فى القارة وخارجها، تقبلا للتعامل مع نظام ما بعد الثالث من يوليو كأمر واقع رغم أن هذا النظام غير معترف به أفريقيا من الناحية النظرية. وكان من مؤشرات ذلك زيارة وفد رسمى جنوب أفريقى على رأسه وزير الأمن الداخلى لمصر فى فبراير الماضى، واستقبال تنزانيا والكونغو الديمقراطية لوزير الخارجية نبيل فهمى فى نفس الشهر، ثم استقبال تشاد وتنزانيا لرئيس الوزراء إبراهيم محلب أواخر الشهر الماضى. وينطبق الأمر ذاته على الاتحاد الأفريقى الذى أرسل وفده للقاهرة فى السادس من أبريل لمتابعة التطورات فى مصر ومقابلة مرشحى الرئاسة.

ولهذا السبب الأخير فإن حدث الانتخابات الرئاسية هو ما يفصلنا عن عودة مصر للمشاركة فى أنشطة الاتحاد الأفريقى رغم تحفظات بعض الدول ووجود نصوص واضحة قد تمنع هذه العودة من الناحية النظرية. فالاتحاد الأفريقى لن يستمر كثيرا فى تعليق عضوية أحد أكبر المساهمين فى ميزانيته والداعمين لدوره. فليطمئن أصحاب التفسير التآمرى لأن المشكلة لم تعد فى عودتنا إلى الاتحاد من عدمها، وإنما فى المثال الذى نقدمه لأفريقيا والعالم بهذه الانتخابات وبهذه العودة. لا يتوقف أصحاب هذا التفسير المنشغلون بموقف الاتحاد الأفريقى كثيرا عند تحول نظرة العالم والأفارقة إلى المصريين من الانبهار بشعب قدم نموذجا فى التغيير السلمى إلى الحيرة من شعب ينتكس إلى تقديس الزعيم المخلص، وتحول التقارير المكتوبة عن أم الدنيا فى الصحافة العالمية والأفريقية من الصور الناصعة للثورة المصرية إلى التفجيرات الإرهابية وأحكام الإعدام الجماعى لمعارضى النظام الحالى. فليطمئن أصحاب التفسير التآمرى، فمصر لم تعد بحاجة إلى من يتآمر عليها بعد أن أصبحت تتآمر على نفسها.

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات