عمارة ما بعد الوباء - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمارة ما بعد الوباء

نشر فى : الجمعة 5 يونيو 2020 - 7:10 م | آخر تحديث : الجمعة 5 يونيو 2020 - 7:10 م

نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب محمد عارف، تناول فيه التأثير السلبى للجائحة حيث ألغيت الكثير من المعارض العالمية التى تحدث نقلة نوعية فى العمارة العالمية، إلا أن مع كل محنة أملا، فها هم الناس فى العزل ينشأون عمارة ما بعد الوباء بإقامة ورش العمل والصفوف الدراسية والملاعب فى المنزل... جاء فيه ما يلى:
المستقبل مع وقف التنفيذ، يحدث فى العمارة والتصميم أيضا، وهى أكثر الفنون المعنية بالمستقبل، وفى أوضاعها الحالية تظهر قوة الجائحة، التى أعلنتها «منظمة الصحة العالمية»، وتجتاح الآن تصاميم ما لا حصر له من عمارات، ومبانٍ، وملاعب، ومسارح، ومتنزهات، وشوارع، ودور عبادة، وسرادقات، ومتاحف، ومحطات، ومطارات، ومدن بالكامل. آلاف المعارض المعمارية أُلغيت، أو تأجّل عقدها، بينها ما كان يتوقع أن يحدِث نقلة فى العمارة العالمية، مثل «جاليرى سربنتاين» فى لندن، وسرادق «متحف الفنون الحديثة» (MoMA) فى نيويورك، ومهرجان «كوتشيلا» للفنون فى كاليفورنيا الذى يحضره عادة ربع مليون مشاهد، والمعرض الدولى «إكسبو دبى» الذى تغيّر موعده من أكتوبر العام الحالى إلى أكتوبر من العام المقبل.
وبانتظار أن يحدد الخبراء ومديرو الأعمال رأيهم ويقيِّموا ما يحدث، يجعل التاريخُ المأزقَ الميئوس منه لحظةً ثوريةً، تُحوّل الخسارة المعمارية الفادحة إلى تغيرات كبرى، تلجُ علينا حتى بيوتنا، حيث تقضى الحاجات الطارئة على أنماط تصميم غرف مستقلة للنوم، والأكل، والضيوف، والمكتبة، وتجعل الغرف مساحات منفتحة بعضها على بعض، ومتعددة الوظائف. والناس، كما فى الثورات الكبرى، ضحية الأحداث وأبطالها، وها هم يقيمون فى منازلهم مكاتبَ، وورش عمل، ومستودعات، وملاعب رياضية، واستوديوهات، ويقيمون مستبشرين صفوفا مدرسية، حيث يلتقى الأطفال بمدرسيهم عبر الأونلاين، وتعقد لهم الامتحانات عبره أيضا. وترتجل المدارس التى أعيد فتحها تصاميم الصفوف، وفق مفاهيم التباعد الاجتماعى، كذلك تفعل المطاعم، وحتى المستشفيات، ودور المسنين التى تُعتبر أوضاعها الصحية وتصاميمها السيئة مسئولة عن المعدلات المفجعة للوفيات.
وتغيُّرات عمارة ما بعد الوباء أوسع وأعمق من تغيُّرات عمارة ما بعد الحداثة، المعنية بالمظاهر. وكما أعادت الكمامات وأردية الوقاية الطبية الاعتبار للكمامات الشرقية، والملايات المستخدمة فى بعض أقطار آسيا، والبلدان العربية، يستعيد المنظرون المعماريون التصاميم التقليدية للمنازل العربية القديمة، التى تفصل ما بين «الحرم» حيث تعيش الأسرة، و«الديوان» الذى يستقبل الضيوف، ومدخل المنزل الذى يسميه العراقيون «مجاز» وفيه تُنزع الأحذية، وتُفرّغُ سلال المشتريات. و«المجاز» كالطوق يفصل ما بين خارج المنزل وداخله، ويملك أهمية صحية ووظيفية، تجعله بهوا يحتوى على مرفق وخزانة.
وكل من عاصر تغيّرَ تصميم مكاتب الصحف من غرف منفصلة إلى مساحات واسعة مفتوحة يعرف أنها لا تربك عمل الصحفيين، بل العكس تقيم حيّزا افتراضيا يعزز عمل الكاتب، الذى عليه أن يركزّ أكثر. وتغيُرات أعمق وأشمل تقيمها الآن الجائحة، التى تقضى على الحدود المكانية والجغرافية. يبدو ذلك فى الفضائيات، حيث إعلاميون عرب مخضرمون يبدون أكثر راحة وحيوية؛ إذ يعقدون من منازلهم لقاءات عبر الأونلاين، حتى مع العلماء، حول موضوع «فيروس كورونا» البالغ التعقيد.
وستفرض الجائحة تحقيق اتفاقات ومشاريع الدفاع عن المناخ والبيئة ومكافحة التلوث، وتعزز مفاهيم وتقنيات المبانى البارعة أو الذكية، التى تحتوى على مكيفات هوائية تقضى على الجراثيم والفيروسات. والعمارة أعلى أشكال الأمل بحياة آمنة وسعيدة لمليارات الناس تتطور ما بعد الوباء، كما تطورت على امتداد القرن الماضى، الذى شهد جائحات كبرى. وشجاعة الناس وقدراتهم الفذة مكّنتهم من التأقلم والتعايش مع أوبئة التدرن الرئوى، والإنفلونزا الإسبانية، وإنشاء المنتجعات الصحية، والمنازل المضيئة، بشرفاتها المنفتحة على الطبيعة، حيث يتداخل المنزل والحديقة على غرار البيوت التقليدية فى سوريا والعراق، وبلدان عربية أخرى. وفى مواجهة هذا الوقت الصعب أعيد افتتاح «مركز جميل للفنون» فى مدينة دبى، مع بداية افتتاح المتاحف والجاليريهات فى الإمارات العربية المتحدة، حيث تقضى التعليمات الرسمية حجز تذاكر الدخول قبيل ساعتين، لضمان مساحة مناسبة للتباعد الاجتماعى، وارتداء الزوار والموظفين كمامات، وقياس درجة حرارتهم عند المدخل.

التعليقات