هجوم بالذهب على الثورة من ليبيا إلى اليمن مرورًا بمصر وتونس - طلال سلمان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هجوم بالذهب على الثورة من ليبيا إلى اليمن مرورًا بمصر وتونس

نشر فى : الأربعاء 5 أكتوبر 2011 - 9:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 5 أكتوبر 2011 - 9:45 ص

لم تدم طويلا إغماءة الخوف التى أصابت أهل السلطان فى تلك البقاع الصحراوية الجرداء التى جعلها النفط دولا ذات حصانة. لقد تقدم منهم بعض أصدقائهم الكبار بنصيحة لا ترد مفادها: على مر التاريخ كان الهجوم هو أفضل وسائل الدفاع، وأنتم قادرون ومؤهلون على التحرك لوقف المد الذى تتخوفون منه، وربما نجحتم، أيضا فى احتوائه ومن ثم توجيهه إلى ما يفيدكم فيطمئنكم وينقل الذعر أو الرعب إلى معسكر الخصوم.

 

قال لهم الناصحون: لو أنكم دققتم فى أسباب الانتفاضات، لانتبهتم إلى أنها قد وقعت جميعا فى الدول الفقيرة بمواردها، أو المحروم فيها رعاياها من الدخل حافظ الكرامة الإنسانية.. وهذا ليس حالكم، فدخولكم القومية تفوق أى تقدير، وأعداد رعاياكم فى معظم الحالات متواضع بل إن مجموع الرعايا فى مجلس التعاون الخليجى لا يزيد كثيرا على عدد سكان مدينة كالقاهرة، فلماذا تخافون؟!

 

وقال لهم الناصحون، أنتم محصنون بالذهب، لا تأتيكم رياح التغيير لا من خلفكم ولا من قدامكم، إذا أنتم أحسنتم التصرف وفتحتم صناديقكم فنثرتم بعض ذهبها على رعاياكم. إن الثروة تصد عنكم الدهماء وأبناء السبيل أمثال الملايين الذين تجمعوا فى الميدان فى القاهرة أو فى تونس أو فى صنعاء وتعز، أو الآلاف الذى خرجوا أو يخرجون كل يوم جمعة فى مختلف المدن السورية للمطالبة بإسقاط النظام.

 

هكذا فتح السلاطين الصناديق ورموا بعض الذهب فى الداخل: ضاعفوا رواتب كبار الموظفين وصغارهم فى القطاعين العام والخاص، وأقروا منحا للطلاب، ذكورا وإناثا، ثم خصصوا مكافآت للعاطلين عن العمل وأبناء السبيل!

 

●●●

 

ثم كانت النصيحة الثانية: أن الذهب يشترى كل الناس. تصرفوا! فحيثما وقعت الثورات العربية وجد الثوار أن خزينة بلادهم خاوية، لقد نهبها أهل النظام، وهكذا فإن تلك الدول بحاجة إليكم. لا تتهيبوا ولا تخافوا! هيا تقدموا! لوحوا لهذه الدول بالذهب، أبهروا قياداتها المؤقتة، وقبل أن يستتب الأمر للثوار الذين ما زالوا تائهين فى قلب الميدان عن الطريق إلى السلطة، ثم ماذا يمنعكم من شراء الرأى العام والتحكم فى توجهاته؟ اعرضوا عليهم قروضا هم بأمس الحاجة إليها، وإذا لزم الأمر قدموا بعض الهبات المدللة على تعاطفكم وحسن نواياكم تجاه الإخوة الفقراء. والخطوة الثالثة الضرورية تقدموا، مادام الأمر متاحا، للتوغل فى مجال الأعمال وركزوا على الإعلام. كم تتكلف الفضائية؟! ثلاثين من الفضة؟! هيا، أطلقوا عشرات الفضائيات، ولا بأس ان يجرى تمويهها لتبدو وكأنها تنطق باسم الثورة. لا تخافوا من هذه الكلمة ما دمتم قادرين على إفراغها من مضمونها بالثروة!.

 

ولقد صدع أهل السلطان فاندفعوا يعرضون التسهيلات حينا، وشطب الديون حينا آخر، ويظهرون استعدادهم لتمويل بعض المشروعات الحيوية، بشرط الحصول على ضمانات بأن لا تأميم بعد اليوم.

 

تلك وقائع يعرفها تفصيلا بعض من وضعتهم الانتفاضات العربية فى مركز القرار فى كل من مصر وتونس..

 

وإذا كان المسئولون فى مصر قد أصروا على إعادة بناء العلاقات على قاعدة من الوضوح والصراحة، مما عطل التنفيذ أو أرجأه، فإن بعض المسئولين فى تونس كانوا أعظم ليونة واستعدادا للبحث فى الأمر.

 

●●●

 

أما المفاجأة الصاعقة، والتى جاءت من خارج التوقع، فهى إقدام بعض الطموحين من أهل السلطان المذهب على إعلان الاستعداد، ثم على المشاركة فى العمليات العسكرية التى قادها الحلف الأطلسى لتحرير ليبيا من قائدها الأبدى معمر القذافى وكتائب أنجاله.

 

ليس الأمر سرا، فأمير الدوحة أعلن بلسانه أن بعض طيرانه الحربى قد شارك فى قصف «أهداف معادية» فى طرابلس وسرت وبنى وليد ومناطق أخرى فى ليبيا، مقدما نفسه كشريك فى القدرة للحلف الأطلسى جميعا، الذى يضم إلى الولايات المتحدة الأمريكية معظم دول أوروبا الصناعية وتلتحق به تركيا، وإن لم تكن فى صلب القرار لعيب فى تكوينها الإسلامى.

 

أما فى البحرين حيث كانت الغلبة الشعبية للمعارضة الوطنية فكان لا بد من الهجوم الصاعق للقضاء على الفتنة فى مهدها، فلو تركت نار الاعتراض تتمدد فى الهشيم لأحرقت الأرض جميعا، وهكذا أوفدت قوات درع الجزيرة بقيادتها السعودية لقمع الانتفاضة، حتى لو كان الثمن أن تسيل دماء نساء وأطفال وشيوخ، وأن تسقط العضوية عن نواب منتخبين، وأن يتم اعتقال المئات، حتى تكون المعارضة الشعبية فى البحرين عبرة لمن تسول له نفسه الانتفاض أو رفع الصوت بالاعتراض فى تلك البقعة من الأرض التى رملها ذهب أسود وأمواج خليجها من الذهب الأبيض.

 

فى اليمن كان الوضع دقيقا جدا: فالسلطة ممثلة بالرئيس على عبدالله صالح ومن معه فى حزبه وفى القبائل، وكذلك المعارضة بأحزابها وقبائلها، جميعهم من «الأصدقاء».. ومن تعذرت استمالته بالسياسة وجد نفسه أمام إغراءات لا تقاوم إذ هى تمتد لتشمل الذهب والسلطان.

 

على هذا كان لا بد من موازنة دقيقة فى المواقف بحيث لا تكون خسارة مهما تعددت الاحتمالات. فالأهداف واضحة: دعوا الصراع ينهك الأطراف جميعا، وكلما ضعف طرف فكاد يخرج من الميدان تتم المبادرة إلى إنعاشه حتى لا يسقط.

 

وحين وقعت المفاجأة بتفجير مصلى قصر الرئاسة بأمل القضاء على الرئيس وكبار معاونيه من القادة العسكريين والوجاهات القبلية والرموز السياسيين، كان من الضرورى غسل اليدين جيدا، واستنكار هذه العملية الإجرامية، والمبادرة إلى نقل ضحايا التفجير جميعا إلى مستشفيات فى الرياض ورعايتهم حتى تكتب الحياة لمن إصابته قابلة للعلاج فإذا ما داهم الموت بعضهم تم تشييعهم بمنتهى الإكرام.

 

الطريف أن الناجى الأهم من بين ضحايا التفجير كان: المبادرة الخليجية.. لكن الدم غيّر المواقف، وعزز النزعة إلى الثأر عند الرئيس ومن ومعه ضد من يتهمهم بالمسئولية عن التفجير.

 

وهكذا تعطلت المبادرة الخليجية، مخلية الساحة لمزيد من الإنهاك المزدوج: للرئيس ومن معه كما للمعارضة ومن معها.

 

فالمهم، أولا وأخيرا، تعطيل اليمن عن الفعل وإشغالها بهمومها الثقيلة.. حتى لو كانت هذه الهموم تهدد بانفراط هذا البلد العريق وعودته إلى واقعه المزرى قبل الثورة (1962) التى أخرجته من الجاهلية إلى العصر، ثم عززته الوحدة بين شماله والجنوب فصار مشروع دولة قابلة للحياة إذا ساسته الحكمة اليمانية.

 

●●●

 

كانت النصيحة التى قدمت لأهل السلطان المذهب: اشتروا الثورات قبل أن تتكامل قدراتها وتستعيد المبادرة على الصعيد العربى والدولى، فإن تعذر الشراء فلا أقل من تعطيلها بتعزيز خصومها والمتضررين منها، بدءا بخوض معركة الدفاع عن عهد مبارك وتعطيل عملية وصول الثوار إلى السلطة ببرنامجهم للتغيير مرورا بمحاولة اختراق المجتمع سياسيا باستخدام الدين والحركات السلفية والإعلام المضلل، وانتهاء بالضغوط الاقتصادية، كإطلاق الوعود عن الاستعداد للمساهمة فى إعادة بناء الدولة المعطوبة فى مؤسساتها، وبناء جبهة إعلامية مضادة «تنطق» باسم الداخل، وتحاول تخريب «الداخل»، تارة بمحاولات لإثارة الفتنة الطائفية (استغلال حالة القلق عند الأقباط).. وطورا باللعب على الفروق بين الجماعات الإسلامية، أو محاولة تجميعها فى مواجهة الثورة، أو بكل ذلك معا.

 

فى هذه الحالة من أين نأتى بالوقت ثم بالجهد الذى تحتاجه قضية فلسطين؟!

 

فالمطلوب فى هذه اللحظة الحصول على الدعم الأمريكى المطلوب لعملية تدجين الثورات.. ولا بد من الذهب العربى مع النفوذ الأمريكى والإفادة من الطمع الغربى باستعادة أمجاده فى شمال أفريقيا بداية (وتونس هى المثال)، ثم فى المشرق العربى (وسوريا ومعها لبنان هما المثال الثانى)... هناك يكون للاقتصاد دوره الفاعل، أما فى سوريا، تحديدا، فلا بد من تجميع المعارضين (على اختلاف أنواعهم وانتماءاتهم) لإعداد البديل الشعبى عن النظام الذى لا يتعب الرئيس ساركوزى من الطعن فى شرعيته.

 

أما بالنسبة للبنان فقد بلغ الأمر بالرئيس الفرنسى حد التصادم مع البطريرك المارونى بشاره الراعى، قافزا من فوق موجبات المضيف، ليطالبه بالجهر بالدعوة لإسقاط النظام السورى، بينما البطريرك يعيش ــ كما الأكثرية الساحقة من اللبنانيين ــ حالة من القلق الممض حول كيف تكون سوريا ما بعد إسقاط النظام، وهل تذهب وحدتها فى حريق الحرب الأهلية، وكيف تكون حالة لبنان اذا اتخذت تلك الحرب طابعا طائفيا ومذهبيا.

 

وهواجس البطريرك تتصل بالمسيحيين أساسا فى حين ان اللبنانيين، بمختلف طوائفهم ومذاهبهم، يعيشون هذا القلق فى غياب من يستطيع أن يطمئنهم إلى المستقبل.

 

ولسوف يظل هذا القلق فى حالة تفاقم حتى تستعيد سوريا حياتها ويختفى شبح الحرب الأهلية، التى مدخلها التدخل الخارجى، من الأفق.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات