حلول صادقة للوضع النووى فى الشرق الأوسط - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الثلاثاء 8 يوليه 2025 6:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

حلول صادقة للوضع النووى فى الشرق الأوسط

نشر فى : الإثنين 7 يوليه 2025 - 8:40 م | آخر تحديث : الإثنين 7 يوليه 2025 - 8:40 م

الاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية على إيران واستهداف المرافق النووية لها تداعيات عديدة تصحبها احتمالات متعددة لسيناريوهات متباينة، حسب حجم الخسائر المادية فى البرامج النووية، وردود الأفعال الداخلية فى الدول الثلاث لنتائج الأحداث الأخيرة، بعدما تتضح وتظهر الأدلة والنتائج بعيدا عن المهاترات السياسية السريعة والتقديرات المبدئية.

 

لا خلاف على أن الخسائر الإيرانية كانت أكثر من الخسائر الإسرائيلية بكثير، علمًا بأن إسرائيل تخفى خسائرها عن عمد، لأن قدرتها على تحمل الضغوط المعنوية للحشد المجتمعى الكامل واستهداف مواقع داخل المدن الإسرائيلية لأول مرة قد تقل كثيرًا عن قدرة استيعاب المجتمع الإيرانى.
وأتوقع أن تستمر إسرائيل فى إثارة تساؤلات حول البرامج والسياسات الإيرانية، مع الاحتفاظ لنفسها بحق المبادرة عسكريًا واستهداف المواقع، وستعمل على خلق ساحات توتر محكومة مع إيران وفى الشرق الأوسط، بغرض الحفاظ على وحدة الصف الداخلى والدعم الغربى لمواقفها، وتركز على مسألة تخصيب اليورانيوم على وجه الخصوص، مع التطرق إلى القدرات العسكرية بمختلف جوانبها، تحتفظ بحقها فى استخدام القوة عبر الحدود، وهو من أهم الإنجازات الإسرائيلية فى الأشهر الأخيرة، خاصة ويتم دون محاسبة من المجتمع الدولى.
ولا تزال المواقف الأمريكية القادمة غير واضحة، فإذا انتفت مخاطر البرنامج النووى الإيرانى يفضل تجنب العمليات العسكرية المباشرة إلا فى أضيق الحدود، على أن تكون إسرائيل هى اليد الطولى والذراع الأمنية لها فى المنطقة، مع يقينها أن التحرك الإسرائيلى يحمل فى طياته دائمًا مخاطر سحب الولايات المتحدة إلى الساحة العسكرية، ومن العناصر المهمة فى حسم موقفها التأكد من حظر التخصيب النووى الإيرانى، وتوفير الشفافية للبرنامج النووى الإيرانى من خلال إجراءات موسعة للتفتيش والضمانات الدولية.
والمواقف الإيرانية لها العديد من الاحتمالات، ويفضل الغرب تنازلها عن برنامجها النووى وعلى وجه الخصوص تخصيب اليورانيوم، مع تسليم المواد عالية التخصيب، وهو ما تعتبره إيران استسلامًا سريعًا للولايات المتحدة، وتستبعده وفقًا لتصريحات المرشد العام، وإنما ليس من مصلحتها الدخول سريعًا مرة أخرى فى مواجهة عسكرية مباشرة، بعد الخسائر الإنسانية والمادية والسياسية الكبيرة، ويلاحظ أن تصريحات وزير الخارجية الإيرانى كانت أهدأ وأكثر واقعية، لذا أرجح أنها تسعى إلى إطالة مدة الحوار والتفاوض، لاعتبارات سياسية والحفاظ على ماء الوجه إذا اختارت سبيل المهادنة مع أمريكا أو حتى إذا سعت إلى إحياء البرنامج النووى والعسكرية الإيرانية تحت غطاء من السرية الشديدة.
ومن الطبيعى أن تقلق الدول العربية والخليجية من الأحداث الأخيرة، وأن تسعى لترتيب أوضاعها أمام مختلف السيناريوهات المحتملة وهى عديدة، منها احتمالات التسريبات النووية، أو البرامج النووية العسكرية الخفية، أو تجدد المعارك مع إسرائيل، وتأثيرها على أمن الخليج، وكلها مقلقة بالنسبة لها، لذا تعد العدة لتكون أكثر استعدادًا لمواجهة تلك الاحتمالات، من حيث تطوير إمكانيات الوقاية والأمن القومى والتكنولوجيا، ويمتد القلق والمراجعات إلى دول المشرق ومصر، لأن الصدام التكنولوجى العسكرى بين إيران فى الخليج وإسرائيل فى شمال غرب آسيا سيكون له تداعيات واسعة فى المشرق وشمال إفريقيا.
للأسف أرى صعوبة كبح جماح النظرة العدوانية الإقليمية للحكومة الإسرائيلية الحالية، فى ظل مواقف أمريكية متحيزة، وإنما لا بد من محاولة الحد من المخاطر وتداعيات الأحداث، بإخراج المعادلة النووية بقدر الإمكان من الاشتباك، مما يتطلب التعامل مع الحالة الإيرانية وتسليط الضوء على المعرقل الحقيقى لمعالجة المخاطر النووية فى الشرق الأوسط وهى إسرائيل، قبل أن تخرج الأمور كلية عن السيطرة ونشهد تنامى للبرامج النووية العسكرية الخفية.
رغم المماطلة الإيرانية المتوقعة، وبعضها مشروع فى ضوء الأحداث الأخيرة، وسوء أداء مدير عام وكالة الطاقة الذرية، لن تهدأ الأمور أو الضغوط على إيران دون استئناف التطبيق الكامل لضمانات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرامج النووية الإيرانية، والمزيد من الإيضاحات على الأسئلة التى وضعتها الوكالة حول الدراسات الإيرانية لعسكرة برامجها النووية، فضلًا عن توضيح مصير المواد النووية المخصبة إلى درجة ٦٠٪، ووقف التخصيب داخل الحدود الإيرانية أو تخفيضها إلى أقل النسب، وهناك مطالب إسرائيلية وأمريكية بأن تضع ضوابط أيضًا على القدرات الإيرانية الباليستية والعسكرية.
أعود وأكرر: إيران طرف فى معاهدة منع الانتشار النووى، وقبلت بإجراءات التفتيش الإضافية على مرافقها، وبكل صراحة من حقها قانونيًا تخصيب اليورانيوم فى الحدود الموضحة بالمعاهدة وآلياتها الخاصة بالضمانات والتفتيش، وليس من حق أى دولة استخدام القوة ضدها لمجرد وجود خلاف حول سياساتها.
وأعود وأكرر كذلك أن الدولة الشرق أوسطية الوحيدة الرافضة الانضمام إلى معاهدة الانتشار هى إسرائيل، ومرافقها النووية غير خاضعة للتفتيش، ولديها مرافق لتخصيب اليورانيوم، بل يرجح أن لديها العديد من الأسلحة النووية ووسائل إيصالها الجوية والباليستية، وهذا البرنامج هو الأخطر على أمن واستقرار المنطقة، من شأنه أن يخلق سباقًا لتطوير التكنولوجيا العسكرية فى الشرق الأوسط.
ومن ثم هناك حالة إيرانية يعطى لها المجتمع الدولى الأولية، ويجب إيجاد حلول مبتكرة لها، تأمينًا لاستقرار المنطقة رغم ازدواجية المعايير، وهناك حالة إسرائيلية تستثنى من كل القواعد والمعايير، ويتغاضى المجتمع الدولى عن تجاوزاتها، وهذا واقع مهين ومشين، ويجب عدم السكوت عنه وتصحيحه.
ومع صعوبة الموقف، يمكن التعامل مع الأمرين مع وضعهم فى سياق أوسع إقليميًا ودوليًا، من خلال إصدار قرار من مجلس الأمن الدولى، بالتأكيد على ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من كافة الأسلحة النووية خلال ١٢ شهرًا، وتطبيق ضمانات تفتيش دقيقة على جميع المرافق، وهى مبادرة تبنتها مصر منذ خمسين عامًا، على أن يتضمن القرار إجراءات تفتيش إضافية لكل المرافق النووية بالمنطقة دون استثناء، ويشمل إنشاء هيئة دولية لمراجعة وتأمين توريد المواد المخصبة المطلوبة بالمنطقة، والإشراف على التخصيب المصرح به وتوفير اليورانيوم لدول الشرق الأوسط بشكل منتظم، على أن يكون مقر الهيئة خارج الأراضى الإيرانية والإسرائيلية، وعلى أن تقبل إيران مكاشفة كاملة لبرنامجها النووية، مع انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم الانتشار النووى وقبول نظام التفتيش على مرافقها، فضلًا عن انضمام كل دول المنطقة إلى معاهدة حظر التجارب النووية، وأن تعطى الدول النووية دائمة العضوية فى مجلس الأمن ضمانات قانونية لدول المنطقة بعدم استخدام الأسلحة النووية ضدها.
بهذه الخطوة نكون قد وضعنا إطارًا مناسبًا لتجاوب إيران مع كل المطالب المرتبطة ببرنامجها النووى، ووضعنا أيضًا إطارًا للتعامل مع البرنامج النووى الإسرائيلى فى سياق صفقة كبرى وخطوات من قبل إيران وتطبيق منظومة تخصيب وتفتيش مفصلة، وبما يؤمن المنطقة من المخاطر النووية الحالية والمستقبلية وفقًا لمعايير ثابتة على الجميع.

 

نقلا عن إندبندنت عربية

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات