الصين وترامب والشرق الأوسط - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الثلاثاء 22 يوليه 2025 2:17 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

الصين وترامب والشرق الأوسط

نشر فى : الإثنين 21 يوليه 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 21 يوليه 2025 - 8:50 م

شاركت منذ أسبوع فى مؤتمر دولى بالصين نظمته جامعة تشانجوا ومركز الشئون الخارجية للصين الشعبية، وشارك فى بلورته مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية، وحضره أكثر من ١٥ مسئولا دوليا سابقا على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية السابقين، بالإضافة إلى مشاركة صينية عالية المستوى على رأسهم نائب رئيس الحزب الشيوعى، وتناول المؤتمر العديد من القضايا الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتكنولوجية بشكل منهجى وجذاب.

 


كانت تجربة ثرية ومفيدة لفهم الصين والاستماع إلى أصوات الآخرين، وإضفاء صوت ورواية عربية على النقاش فى بعض الجلسات، وخرجت من المؤتمر بملاحظات عديدة، تحتاج لاسترسال وتناول أوسع، وإنما على رأسها مجموعة من الملاحظات أرى من الأهمية تسجيلها والتنويه بها، دون الدخول فى التفاصيل والتى تحتاج لعرض متطور ومعالجة مستقلة.
أولى الملاحظات كانت هى أن دونالد ترامب كان الغائب الحاضر فى معظم الجلسات والمداخلات، مع تركيز كبير على شخصية ترامب حتى قبل السياسات الأمريكية، رغم أنه لا يمكن الفصل بينهما، حيث إن ثقل ووزن الولايات المتحدة هى الرادع والحافز الرئيسى للاهتمام الدولى بترامب، وأعتقد أن الرئيس الأمريكى نجح فى فرض شخصيته وما يرتبط بها من تساؤلات وتقلبات على الحسابات الدولية، وفقا لمنهجية سبق أن تباهى بها فى كتابه عن أسلوبه التفاوضى، وهو بذلك أضاف عنصرا شخصيا مهما فى حسابات الدول، بما يتجاوز مواقف المؤسسات الأمريكية المفترض أن يكون لها مواقف مستقلة وموضوعية فى الكثير من الأحيان، قبل أن يعين الرئيس الأمريكى قيادات لها صفتهم الأساسية الولاء الشخصى الفريد له شخصيا، وكان ملفتا للغاية الاهتمام سلبا وإيجابا بالـ Trumpism رغم أن عدد المشاركين الأمريكيين كان محدودا للغاية وبشكل ملفت للنظر.
والملاحظة الثانية البارزة فى المؤتمر كانت تنامى الثقة الصينية فى التعامل مع ترامب والولايات المتحدة والعالم، ومن أهم ملاحظاتهم أن المواقف الأمريكية تجاه الصين خلال ولاية ترامب الأولى وأثناء تولى بايدن الرئاسة كان لها توجه سلبى من الحزبين، حيث اعتبرت الصين أهم تحد استراتيجى للمصالح الأمريكية وخطر على أمنها القومى، وهى مجالات يصعب التوصل إلى حلول وسط بشأنها، أما فى الولاية الجديدة لترامب فالاهتمام الرئيسى يقع على الجانب التجارى والاقتصادى والذى يوفر فرصا أوسع للتفاهم، وأكد المسئولون الصينيون أنهم استعدوا لهذه المعادلة جيدا، لذا لن يتضرروا كثيرا من حرب الجمارك والضرائب.
واستطرد المسئولون الصينيون أن ممارسات إدارة ترامب الثانية بدأت بالعراك السياسى والتهديدات التجارية وفرض الجمارك، ثم انتقلت إلى مرحلة الحوار حول الموضوعات الاقتصادية والتجارية خلال اجتماعات المسئولين الأمريكيين والصينيين فى جنيف ولندن، ويتم الآن التمهيد للقاء قمة يتحمس ترامب لانعقاده فى بكين استجابة لدعوة الرئيس الصينى شى جين بينج.
وهناك شعور صينى عام بأن المحادثات الاقتصادية صعبة، إنما تتطور بإيجابية، ويلفتون النظر الى أن المختصين بقضايا الأمن القومى فى البلدين لم يجتمعا خلال الولاية الجديدة، مما يترك فجوة كبيرة فى العلاقات، ويطالبون ترامب خلال زيارته بتأكيد تأييده لسياسة الصين الواحدة، والقبول باستكمال وحدة الأراضى الصينية بالطرق السلمية، والإعلان عن اعتبار الصين أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة، وهى طلبات طموحة تعكس الثقة الصينية بالنسبة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وتحقيقا لذلك، من الاقتراحات الصينية المطروحة أيضا تنشيط الاتصالات بين مؤسسات الأمن القومى فى البلدين بالإضافة للتوسع فى الاتصالات والعلاقات الثقافية ومراكز البحث والمنظمات غير الحكومية والجامعات والطلبة.
أما الملحوظة المهمة الثالثة، والتى تستوجب اهتماما خاصامن العالم العربى، فكانت أن عامة الحضور من الصينيين والمؤيدين رسميا للسلام العربى الإسرائيلى، لم يكونوا على دراية كافية بعمق الخلاف الفلسطينى - الإسرائيلى، وخطورة التوجهات الإسرائيلية عامة، وخصوصا من الحكومة الحالية، رغم موقف الصين المؤيد للسلام العربى الإسرائيلى الشامل، بما يعنى إنهاء الاحتلال والسماح للفلسطينيين بتقرير مصيرهم فى دولة مستقلة.
واستلفت نظرى تكرار إشارة بعض الأكاديميين الصينيين إلى تجارب مجموعة الآسيان وحوارات دول تلك المجموعة لحل المنازعات بالطرق السلمية والحوار، وهذا جعلنى أوضح بجلاء وصراحة تامة أن العالم العربى قدم مبادرات سلام عديدة عبر السنين أغلبها من مصر والسعودية، فى حين لم تقدم إسرائيل مبادرة واحدة، بل لم تتجاوب مع المبادرات العربية، بعد أول اتفاق سلام أو مع قرارات القمة العربية لعام ٢٠٠٢ فى بيروت.
وأشرت إلى أن العالم العربى تعامل بإيجابية فى مناقشات عديدة حول الأمن الإقليمى، منذ المفاوضات متعددة الأطراف المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى، وإننى شخصيا ساهمت عبر السنين بكتابات واقتراحات عديدة حول مفاهيم ومتطلبات إنشاء منظمة أمن إقليمى فى الشرق الأوسط، وعليه فهناك خبرات وأفكار عربية متعددة ومتنوعة حول هذا الموضوع.
وإنما أوضحت أيضا وبصراحة شديدة أن من يدعو إلى تطبيق تجربة مجموعة الآسيان فى الشرق الأوسط وبين الإسرائيليين والفلسطينيين واهم وغير مقدر لجسامة الموقف الإسرائيلى، لأن دول الآسيان تقر بضرورة وأهمية التعايش معا، فى حين أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية رافضة الهوية الفلسطينية كاملة، وأوضح مسئولوها بجلاء أن الخيارات الفلسطينية بين الهجرة ومواجهة إعصار مثلما شهدنا فى غزة، أو الاستمرار تحت السيادة الإسرائيلية كمواطنين دون حقوق سياسية، وهى مواقف تعنى أن التنازع الإسرائيلى الفلسطينى وجودى ومحصلته صفرية، تجعل أى نقاش حول منظومة أمن إقليمى غير مجدية، بالغة الخطورة.
ومن المؤشرات المكررة لتأكيد ذلك، مطالبة بعضهم بضم الضفة الغربية لنهر الأردن، وما يتردد عن بلورة خطط بفرض سيادة إسرائيلية حول أغلب الضفة والقطاع، وبلورة منظومة أمنية شرق أوسطية من المنظور الإسرائيلى ستكون على حساب مصلحة الفلسطينيين والأمن القومى العربى، الأمر الذى يستدعى وقفة عربية قوية ورفضا واضحا وقاطعا.

 

نقلًا عن إندبندنت عربية

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات