فى 3 يوليو العام الماضى، أدى وزير التربية والتعليم الفنى، محمد عبد اللطيف اليمين الدستورية، وبعدها بأيام شارك فى مناقشات اللجنة البرلمانية الخاصة بدراسة برنامج الحكومة، لاستعراض الجانب الخاص بالتعليم قبل الجامعى والرد على تساؤلات النواب بشأنه، وخلا البرنامج من أى أطروحات لتغيير نظام الثانوية العامة.
بعد عام واحد، جاء عبد اللطيف إلى البرلمان لاستعراض مشروع تعديل قانون التعليم حاملًا معه عددا من التغييرات الجوهرية التى لم يتضمنها برنامج الحكومة، معتبرًا أن مشروعه يحقق نقلة نوعية فى التعليم العام.
وافق مجلس النواب على المشروع الذى ينشئ نظامًا موازيًا اختياريًا للثانوية العامة تحت اسم البكالوريا، يكرر تجربة وزير التربية والتعليم الأسبق حسين كامل بهاء الدين فى منتصف التسعينيات عندما كانت الدراسة لمدة عامين يتخللها فرص إعادة الامتحان لتحسين الدرجات وهو النظام الذى لم يستمر أكثر من ثلاث سنوات، بعدما أصبحت الدراسة الثانوية تشكل ضغطًا أكبر على البيوت المصرية وأصبح الطالب يدرس عامين كاملين متصلين والدروس الخصوصية لا تنقطع طوال العام بحثا عن فرص التحسين، وتجاوزت مجاميع المتفوقين حينها 100%.
تعديلات بلا حوار
قدمت الحكومة مشروعها فى الأيام الأخيرة لعمل البرلمان قبل فض دور الانعقاد الخامس، وهو ما انتقده رئيس مجلس النواب، المستشار الدكتور حنفى جبالى، وتساءل خلال إحدى الجلسات عن سبب تقديم المشروع فى الأيام الأخيرة لدور الانعقاد، وأوضح وزير الشئون النيابية المستشار محمود فوزى رغبة الحكومة فى الإقدام على هذه التغييرات فى العام الدراسى الجديد.
وجه جبالى لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب بدراسة مشروع القانون «بسرعة وتأنٍ» وعقد حوار مجتمعى، لكن المناقشات التى تخص مشروع القانون تمت جميعها فى اجتماعات مع النواب فقط ولم تدع اللجنة أى من خبراء التعليم أو المناهج إلى المناقشات، بل أن رئيسها النائب سامى هاشم منع الصحفيين من حضور مناقشات المشروع فى اللجنة.
ناقشت اللجنة المشروع الذى يهم ملايين المصريين دون حوار مجتمعى، لم تستمع سوى لأعضاء المجلس ولم تسمح بنقل ما يجرى عبر المحررين البرلمانيين، فكانت الجلسة العامة التى تناقش التعديلات أول محطة معلنة للتعرف تفصيلًا على تعديل القانون وبنوده وموقف النواب منه.
يعيد عبد اللطيف نظام التحسين مرة أخرى بعد نحو 28 عامًا على إلغائه، لم يفسر لنا السبب؟ فى التسعينيات، تم إلغاء النظام الذى أرهق ميزانية الأسر المصرية فما الذى اختلف اليوم؟ هل أصبحت الموارد أو العدالة التعليمية أكثر وفرة؟
أسئلة بلا إجابات
لم يقدم الوزير خطة تنفيذية واضحة للبكالوريا التى تمتد الدراسة فيها ثلاث سنوات بحيث يكون الصف الأول الثانوى سنة تمهيدية، والصف الثانى والثالث دراسة الشهادة. يقسم الوزير أقسام البكالوريا إلى مسارات تعتمد على التخصص ورؤية فى دراسة أكثر تطورًا فيضع البرمجة مادة أساسية فى مسار التعليم الهندسى والحاسبات، لكنه لم يقدم أى رؤية عن عدد المدرسين الذين يحتاجهم لتدريس البرمجة، والميزانيات المطلوبة لهم خاصة.
الأمر نفسه فى دراسات المستوى الرفيع لمواد الكيمياء والفيزياء والأحياء، فهذه المواد مقررة على الطلاب فى الشهادة البريطانية، ويدرسها متخصصون من خريجى الصيدلة والطب والهندسة، لكن الوزير الذى يرغب فى تدريس هذه المواد مستوى رفيع للطلاب المصريين لم يطرح من سيدرسها؟ وكم عددهم والميزانيات المطلوبة.
كما استحدث الوزير مسارًا لدراسة إدارة الأعمال يدرس فيه الطلاب مواد تتشابه أيضًا مع مقررات الشهادة البريطانية لراغبى هذا التخصص، وتتضمن الدراسة فى هذا المسار المحاسبة وإدارة الأعمال والاقتصاد مادة مستوى رفيع، ولا نعرف من هم المدرسون المؤهلون لتدريس هذه المواد فى هذا التخصص الجديد.
لم يقدم الوزير أى خطط تنفيذية، لم يتحدث عن أرقام وميزانيات تحتاجها الوزارة لتطبيق رؤيته أو عن تأهيل وتدريب مدرسين على هذه التخصصات، وسط استمرار أزمة عجز المعلمين ولجوء الوزير منذ العام الدراسى المنتهى لحلول مؤقتة غير ناجعة مثل الاعتماد على المعلمين بالحصة.
تعد كلمة النائبة إيرين سعيد، عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح والتنمية خلال مناقشة مشروع القانون فى الجلسة العامة من أصدق وأهم الكلمات التى واجهت الوزير بأزمة مشروعه وعدم جاهزية تطبيقه على الأرض.
من أجل الخطط الاستراتيجية
فى ديسمبر 2024، صدق الرئيس عبد الفتاح السيسى على قانون المجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار، الذى ينشأ بموجبه مجلس وطنى يتبع رئيس الجمهورية، بهدف وضع السياسات العليا للدولة فى مجال التعليم بجميع أنواعه وجميع مراحله وتحقيق التكامل بينها.
لكن حتى اليوم لم يتم تفعيل عمل هذا المجلس الذى يتكون من يرأسه رئيس مجلس الوزراء ويضم فى عضويته وزراء الدفاع والمالية والصناعة والتربية والتعليم والتعليم الفنى والتعليم العالى والاتصالات والصحة والعمل والثقافة، ووكيل الأزهر الشريف، ورئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، والمدير التنفيذى للأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، فضلأ عن 8 خبراء متخصصين فى عمل المجلس، و4 رجال أعمال يرشحهم رئيس مجلس الوزراء.
غاب المجلس الوطنى عن المشهد كغيره من الهيئات والجهات المختصة بالتعليم، واستمر الوزير قائدًا للمسار الجديد الذى قرر البدء فيه بمعزل عن التخطيط الاستراتيجى والحوار المجتمعى المطلوب، فعدنا لنقطة الصفر حيث الوزير هو من يخطط ويجرب فى مصير ملايين الطلاب.
عندما تغيب الاستراتيجيات يكون هوى الوزراء هو السياسة العامة، كل منهم حسب رؤيته، أحدهم يغرقنا فى صفقات «تابلت» أثبتت فشلها، وآخر يفرض الرياضيات على طلاب القسم الأدبى، ووزير يبتدع الثانوية العامة عامين، ثم يقرر آخر أن تكون عامًا واحدًا فقط، وهكذا ندور فى فلك عشرات القرارات المتخبطة التى تدفع الأجيال المختلفة ثمنها.