الميليشياوية الشرق أوسطية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 22 يوليه 2025 2:16 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

الميليشياوية الشرق أوسطية

نشر فى : الإثنين 21 يوليه 2025 - 8:40 م | آخر تحديث : الإثنين 21 يوليه 2025 - 8:40 م

طيلة عقود خلت، دأبت كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة على الاستثمار الاستراتيجى فيما اصطلح على تسميته «الفواعل العنيفة دون الدولة» فى منطقة الشرق الأوسط. وعلى وقع فاجعة «طوفان الأقصى»، يوم السابع من أكتوبر 2023، انبرى نتنياهو فى التبشير بما أسماه «الشرق الأوسط الجديد»، ذلكم الذى ينطوى على تغيير موازين القوى فى الإقليم، توطئةً لإعادة هندسته وفقًا للمخطط الإسرائيلى-الإسرائيلى، مع رسم خريطة مغايرة للأمن الإقليمى، وطَى صفحة الفواعل المناوئة لهذا المخطط.

 


أكدت نتائج تحقيقٍ أجراه جهاز "الشاباك" خطأ استراتيجية حكومة نتنياهو المتمثلة فى إضعاف السلطة الفلسطينية، مقابل تمكين حركة حماس، والسماح بتدفق الأموال القطرية إليها، والرهان على تعظيم نفوذ الحركة باعتباره ضمانًا للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية موحدة. أما الآن، فتتمثل الأولوية الاستراتيجية لدى إسرائيل فى التماس السبل الكفيلة بمنع أى تهديد من لدن الجماعات المسلحة فى غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، العراق، واليمن.
وبموازاة دعمها مساعى إسرائيل لتحييد أذرع إيران الولائية المسلحة، رفضت واشنطن مطالب قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بإنشاء كيان مستقل للأكراد فى سوريا. كما هددت لبنان بعدم إيقاف الهجمات الإسرائيلية، وتعليق الدعم الاقتصادى، بل مواجهة خطر وجودى يتمثل فى الذوبان داخل سوريا أو بلاد الشام، ما لم تُنجز حكومة بيروت مهمة نزع سلاح حزب الله.
فلسطينيًّا، يفتأ الرئيس أبومازن يشدد على استبعاد أيّ دور لحركة حماس فى حكم قطاع غزة مستقبلًا، مؤكدًا ضرورة التزامها تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، والانخراط فى العمل السياسى استنادًا إلى ميثاق منظمة التحرير، والشرعية الدولية، ومبادئ النظام الواحد، حتى يتسنى إنجاح المصالحة الفلسطينية على قاعدة «سلاح واحد وقانون واحد».
وفى العراق، وجَّه السفير الأمريكى لدى بغداد، رسالة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السودانى، دعاه فيها إلى ضرورة تفكيك الفصائل المسلحة التى ما زالت تمارس نفوذًا واسعًا خارج مؤسسات الدولة، ونزع سلاحها، والإسراع فى دمج هيئة الحشد الشعبى بالكامل ضمن وزارتى الدفاع أو الداخلية، وذلك فى إطار مساعى إعادة هيكلة المنظومة الأمنية على أسس وطنية غير فصائلية.
فى يونيو الماضى، حمل توم باراك، السفير الأمريكى لدى تركيا، ومبعوث ترامب الخاص إلى سوريا، ورقة شروط سياسية وأمنية إلى بيروت، تشمل: ضمانات دولية بوقف العدوان الإسرائيلى، إطلاق سراح الأسرى، والإفراج عن أموال إعادة الإعمار؛ شريطة التزام لبنان الكامل بنزع سلاح حزب الله بعموم البلاد.
وفى تصريحات لصحيفة "ذا ناشيونال"، استحضر باراك تهديدات ترامب للبنان بمواجهة تهديد وجودى، بحيث يعود إقليمًا ضمن ما كان يُعرف فيما مضى بسوريا الكبرى أو بلاد الشام.
أما عن سوريا، فتدعم واشنطن موقف نظام دمشق الراهن الرافض لمطالب "قسد" بالحكم الذاتى، إذ أكد باراك أن "الفيدرالية لا تعمل فى سوريا"، وأن الحكومة السورية أبدت حماسًا غير مسبوق لضم "قسد" إلى مؤسساتها، ضمن مبدأ: "دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، وحكومة واحدة".
وقد بدأت واشنطن تخفيض ميزانيتها السنوية لتمويل "قسد" من 500 مليون دولار عام 2018 إلى ما دون 130 مليون حاليًا. كما تعمل على تطبيق الاتفاق الذى وقّعه قائد "قسد"، مظلوم عبدى، مع الرئيس السورى أحمد الشرع فى مارس الماضى. وتؤكد لـ"قسد" أن الطريق الوحيد أمامها هو الاندماج فى الدولة السورية، إذ لن تدعم واشنطن أى توجه انفصالى.
وقد صادف هذا الموقف الأمريكى إلحاحًا تركيًّا على ضرورة أن يتضمن نزع سلاح "حزب العمال الكردستاني" بشمال العراق، سحبًا لسلاح "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" بسوريا، والتى تشكل العمود الفقرى لقوات "قسد".
لقد ساهم حلّ حزب العمال الكردستانى ونزع سلاحه فى فقدان «قسد» بعض أوراق قوتها، بسبب الترابط الوثيق بين الجهتين؛ سواء لناحية وجود قوات رديفة للحزب بشمال شرق سوريا تتبع له مباشرة مثل "الشبيبة الثورية" التى تم حلها معه، أو لجهة وجود قيادات من الحزب ضمن تركيبة «قسد».
ويبدو أن «قسد» فقدت، بعد عام 2019، دورها الوظيفى الذى كانت تؤديه برعاية واشنطن لمحاربة «داعش»، إذ انحصر فى منع عودة التنظيم، وحراسة السجون التى تضم مقاتليه، والمخيمات التى تأوى عائلاتهم، وهى المهام التى عهدت بها واشنطن إلى السلطات السورية، بحسب اتفاق مارس الماضى، الذى ينص على بسط الحكومة السورية سلطتها على منطقة شمال وشرق البلاد، وتوليها تلك المهام، مع إدماج «قسد» فى الجيش السورى الجديد.
وقد استدعى تعثر تنفيذ الاتفاق تدخل باراك، الذى وضع خلال اجتماعه مع الشرع وعبدى، يوم التاسع من يوليو الجارى، خارطة طريق لتطبيقه، قائلًا: «إنّ ما تدين به واشنطن لقوات «قسد» ليس دعم نزعتها الاستقلالية، وإنما احتواؤها فى حكومة سورية موحدة، انطلاقًا من مبدأ الاعتراف بالدول القائمة ذات الشخصية القانونية».
وبرغم تأخره، تلاقى الشجب الأمريكى لاستثمار إسرائيل اضطرابات دروز السويداء السورية مع هذا التوجه.
تجاوبًا مع «نداء السلام والمجتمع الديمقراطى»، الذى أطلقه زعيمه عبدالله أوجلان من محبسه فى 27 فبراير الماضى، أعلن حزب العمال الكردستانى، يوم 12 مايو الماضى، حلّ نفسه وإنهاء صراع مسلح مع الدولة التركية ناهز أربعين عامًا، وخلف قرابة خمسين ألف قتيل، وأودى بعشرات البلدات.
وفى بيان لمنظومة المجتمع الكردستانى، وهى الهيئة السياسية والإدارية للحزب التى أشرفت على هذه المبادرة، اعتُبرت الخطوة جزءًا من "مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي"، لتسريع التحول الديمقراطى، مجددة التزامها بنهج أوجلان القائم على قوة السياسة والسلام بدلًا من السلاح، ومطالبة بإطلاق سراحه وإيجاد حل عادل للقضية الكردية.
تصطدم عملية نزع أسلحة الفواعل العنيفة دون الدولة فى الشرق الأوسط بتحديات شتى، أبرزها: اكتساء جلها سمتًا طائفيًّا ومذهبيًّا، بما يزيد من مخاطر الاقتتال بين مكونات المجتمع الواحد. كما تتغلغل تلك الفواعل فى هياكل السلطة القائمة، عبر الاندماج فى بعض المؤسسات الأمنية والعسكرية.
حتى إن رئيس الوزراء العراقى الأسبق، حيدر العبادى، كان يعتبر ميليشيا "الحشد الشعبى" ركنًا ركينًا من أركان القوات المسلحة العراقية.
فى حين تحوّل "حزب الله" فى لبنان إلى فاعل رئيسٍ ومهيمنٍ على صنع القرار السياسى، وفرض أمرًا واقعًا بقوة السلاح، حتى تجاوز دوره النطاق الداخلى ليشمل السياق الإقليمى بعد دعمه نظام الأسد، وتوافقه مع أجندة طهران، الأمر الذى أدى إلى إثارة مشكلات حادة مع دول الجوار.
ولم تتورع تلك الفواعل عن التكالب لإحكام السيطرة على الموارد الاقتصادية.
وفى البصرة، الغنية بالنفط جنوب العراق، أدى هذا التكالب، خلال شهرى أغسطس وسبتمبر 2017، إلى تهديد نشاطات شركات الطاقة الأجنبية العاملة هناك.
ترتهن عملية تحييد الفواعل العنيفة دون الدولة بنجاح جهود إعادة التأهيل والدمج لمقاتليها وأسلحتها فى المنظومات الأمنية، عبر تطبيق برامج مدروسة، بمساعدة مؤسسات دولية، مع الاستفادة من خبرات دول عديدة ضمن سياق إعادة البناء الوطنى.
فقد تفضى عدم جهوزية بعض الدول للاضطلاع بوظيفتها الأمنية إلى تعطيل طَيّ صفحة الفواعل العنيفة.
ففى سوريا، يرفض الدروز تسليم أسلحتهم، بجريرة عجز السلطات عن معالجة مخاوفهم، خصوصًا بعد الأحداث الدامية التى شهدتها محافظة السويداء، وتسببت فى سقوط مئات القتلى والجرحى، كما عززت مخطط إسرائيل لاستغلال الورقة الدرزية لبلوغ مآربها التوسعية، فيما أرجعته الحكومة السورية إلى غياب مؤسسات الدولة، خصوصًا العسكرية والأمنية منها.
وبالتزامن، شهد العراق اشتباكات مسلحة بين ميليشيات «سرايا السلام» التابعة للتيار الصدرى، و«عصائب أهل الحق» المنضوية تحت لواء الحشد الشعبى.
بينما يتعيّن إعادة تأهيل عناصر تلك الفواعل سياسيًّا وفكريًّا، توطئةً لاستيعابها ديمقراطيًّا، يستعصى هذا الأمر على العديد من دول المنطقة.
ففى تركيا، يستوجب نجاح عملية حلّ حزب العمال الكردستانى ونزع سلاحه تحرّكًا إصلاحيًّا من الحكومة على مسارات متوازية: أمنيًّا: يجب متابعة التزام الحزب بتعهداته. تنمويًّا: يجدر بها إعادة تأهيل المناطق الكردية. سياسيًّا: يتطلب الأمر إصلاحًا سياسيًّا ودستوريًّا ينهى تهميش الأكراد ويستوعب الحزب الكردستانى ضمن عملية ديمقراطية حقيقية.
لا سيما أن التجربة تبقى أسيرة خبرات الماضى المؤلمة، التى شهدت مبادرات مماثلة لكنها لم تكتمل، بسبب انعدام الثقة بين أنقرة والعمال الكردستانى.
ولا تزال الخطوة الحالية تفتقد الإجماع الوطنى، فبينما ترفضها أجنحة كردية، يمانع رئيس حزب الجيد مشاركة حزبه فيها، معتبرًا إياها «مشروع خيانة للجمهورية التركية».

التعليقات