من الواضح أن لإسرائيل خطة تطهير عرقي بعيدة المدى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الثلاثاء 22 يوليه 2025 2:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟


من الواضح أن لإسرائيل خطة تطهير عرقي بعيدة المدى

نشر فى : الإثنين 21 يوليه 2025 - 8:45 م | آخر تحديث : الإثنين 21 يوليه 2025 - 8:45 م

بدأ أدولف آيخمان مسيرته النازية فى منصب «رئيس مكتب شئون اليهود والإجلاء» فى وزارة أمن الرايخ. وكان يوسف برونر، والد رئيس الموساد الحالى دافيد برنيع، فى الثالثة من عمره عندما فرّ مع والدَيه من ألمانيا النازية، قبل بدء برنامج الإجلاء. وقد زار، الأسبوع الماضى، الحفيد برنيع واشنطن لمناقشة «إجلاء» سكان غزة، ونشر باراك رافيد فى «القناة 12» أن برنيع قال لمحدّثيه إن إسرائيل بدأت فعلا محادثات مع ثلاث دول فى هذا الشأن. إنها سخرية تاريخية مخزية؛ حفيد أحد الناجين من التطهير العرقى فى ألمانيا يفاوض اليوم على تطهير عرقى، ولا شىء يعود إلى ذاكرته.

 


من أجل «إجلاء» مليونَى إنسان من وطنهم، لا بد من وجود خطة، وإسرائيل تعمل عليها؛ فالمرحلة الأولى هى نقل عدد كبير من السكان إلى معسكر اعتقال لتمكين تنفيذ عملية الترحيل بفاعلية. وفى الأسبوع الماضى، نشرت الـ«BBC» تحقيقا مدعوما بصور أقمار صناعية عن الدمار المنهجى الذى يقوم به الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة، والبلدة تلو الأُخرى تُمحى عن وجه الأرض، والأرض تُسوّى لإقامة معسكر الاعتقال، وأيضا كى لا تتاح عودة الحياة من جديد إلى غزة. إن الأرض يجرى تجهيزها لأول معسكر اعتقال إسرائيلى، ومع هذا الأمر تتم عمليات تدمير منهجية فى كل أنحاء القطاع، كى لا يبقى مكان يمكن العودة إليه، سوى معسكر الاعتقال.
ولتنفيذ الأعمال، فإن هناك حاجة إلى سائقى جرافات. ويعرض تقرير «BBC» إعلانين لوظائف: الأول يقول «لمشروع هدْم مبانٍ فى غزة، مطلوب سائقو جرافات (40 طنا). الراتب 1200 شيكل يوميا، يشمل السكن والطعام، وخيار سيارة خاصة». والثانى يقول: «العمل من الأحد إلى الخميس، من الساعة 7:00 صباحا حتى 4:45 مساء. شروط العمل ممتازة».
إسرائيل تنفذ ببرود جريمة ضد الإنسانية؛ فهى لا تهدم بيتاً هنا أو هناك من أجل «حاجات عملياتية»، إنما تقوم بإبادة ممنهجة لكل إمكان للحياة، وتحضّر للبنية التحتية لتجميع السكان فى «مدينة إنسانية»، يُفترض بها أن تكون معسكر عبور قبل الترحيل إلى ليبيا، أو إثيوبيا، أو إندونيسيا — الدول المستهدَفة بحسب تقرير «القناة 12». هذه خطة لتطهير عرقى لغزة، خطّط لها شخص ما، ودار حولها نقاش، ووُضعت بدائل: إمّا تطهير كامل وإمّا متدرج. وكل ذلك فى غرف اجتماعات مكيفة، مع بروتوكولات وقرارات.
لم تعد هذه حربا متدحرجة، ولا يمكن بعد الآن اتهام بنيامين نتنياهو بشن حرب بلا هدف؛ فلهذه الحرب هدف، وهو إجرامى. ولم يعد فى الإمكان اتهام قادة الجيش بأن جنودهم يُقتلون عبثاً، إنما يُقتلون فى حرب تهدف إلى التطهير العرقى. والأرض باتت مهيأة، ويمكن الانتقال إلى مرحلة نقل السكان؛ فالمناقصات، وإعلانات الوظائف فى الطريق. وبعد استكمال عملية النقل، وعندما يشتاق سكان «المدينة الإنسانية» إلى حياتهم، وسط الأنقاض، وفى الجوع والأمراض والقصف، سيكون فى الإمكان الانتقال إلى المرحلة النهائية: تحميلهم بالقوة إلى الشاحنات والطائرات نحو وطنهم الجديد والموعود؛ ليبيا أو إندونيسيا أو إثيوبيا. وإذا كانت عملية المساعدة الإنسانية قد أدت إلى سقوط مئات القتلى، فإن عملية الترحيل ستؤدى إلى مقتل عشرات الآلاف، لكن لا شىء سيقف فى طريق إسرائيل لتنفيذ خطتها.
نعم، هناك خطة، وهى أكثر شيطانية مما يُظَن. وفى وقتٍ ما، جلس بشر وخططوا لهذه المؤامرة فى الخفاء، ومن السذاجة اعتقاد أن كل ذلك حدث من تلقاء نفسه. بعد خمسين عاما، ستُفتح محاضر الجلسات، وسنعرف مَن كان مع الخطة ومَن كان ضدها، ومَن فكّر ربما فى الإبقاء على مستشفى واحد قائما. وإلى جانب الضباط والساسة، فقد حضر أيضا مهندسون، ومعماريو مدن، وديموغرافيون، ومسئولون من شعبة الميزانية، وربما أيضا ممثلون لوزارة الصحة. سنعرف كل شىء بعد خمسين عاما.
وفى هذه الأثناء، فقد نفّذ رئيس مكتب إجلاء الفلسطينيين، دافيد برنيع، خطوة أُخرى. إنه موظف رفيع المستوى، ومطيع ورمادي، ولم يتسبب بأى احتكاك مع رؤسائه. يبدو أنه مألوف، وهو بطل عملية بتر الأعضاء الجماعية عبر اللاسلكى. وإذا أرسلوه لإنقاذ رهائن، فسيذهب. وماذا إذا طلبوا منه ترحيل ملايين البشر؟ لا بأس بالنسبة إليه، فهو فقط ينفذ الأوامر.

 


جدعون ليفى

هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات