إعلاميا من أهم الخطوات السياسية التى خرجت عن جولة دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات هى ترتيب لقاء مع أحمد الشرع بحضور سعودى ومع اتصال تركى، لما يحمله من معانٍ سياسية وما يتبعه من ترتيبات اقتصادية وأمنية، وقد استقبل اللقاء بترحيب محكوم وكياسة من قبل كُثر فى العالم العربى والشرق الأوسط، مع التطلع لانفراجة اقتصادية فى سوريا بمختلف توجهاتها، والتى يعانى شعبها من ويلات حرب أهلية امتدّت لأكثر من عقد من الزمن، أهدرت فيها الأرواح واستنزفت فيها الموارد والخيرات.
واللقاء السياسى مع القيادة السورية له مغزاه وقيمته وأهميته، لاعتبارات توازن إقليمى شرق أوسطى ترتبط بدور إيران، وفى ظل ما نشر بعد ذلك عن مفاوضات سورية إسرائيلية مباشرة بغية التوصل إلى اتفاق سياسى بين البلدين. ومن يتجول فى الساحات السورية الآن يجد مزيجا من التفاؤل المحسوب والمرتبط ببدء مرحلة ما بعد الأسد والتغيير السياسى الداخلى، مع استمرار الترقب للتوجهات السياسية للبلاد، على أمل أن تكون الحصيلة السياسية الجمع المجتمعى ولم الشمل، حتى إذا تعرضت المسيرة إلى بعض التعثرات الطبيعية على طريق توفيق الأوضاع والاستقرار فى ظل المواقف المتباينة واختلاف التوجهات.
إنما اللافت للنظر وبوضوح أن الكل فى سوريا عدا استثناءات محدودة، يعانى من ضائقة مالية شديدة، تمنعهم حتى من الاستفادة من وفرة بعض السلع الأساسية المتوافرة خاصة من دولة الجوار تركيا، لذا يظل التركيز الأساسى للمواطنين على إعلان ترامب أنه وجه برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وهى خطوة جديدة إنما يجب أن ينظر إليها بقدر من التفصيل والدقة، لتقدير حجم ومصدر الانفراجة، ومعدلاتها المتوقعة، وتحديد أفضل سبل توفير المساعدات ووصولها للمواطنين والمحتاجين.
أهم وأكثر العقوبات المتبقية والأكثر تأثيرا على سوريا بعد انهيار نظام الأسد كانت العقوبات الأمريكية والبريطانية والمرتبطة بالاتحاد الأوروبى، وذلك لما تفرضه من ضغوط مباشرة على حكومات تلك الدول، وكذلك أثرها الانكماشى على دول أخرى وعلى القطاع الخاص عامة، خشية تأثير نشاطهم فى سوريا على نشاطات أوسع وأكبر فى دول أخرى.
وقبل زيارة ترامب للخليج انصبّت الضغوطات والعقوبات الأمريكية على ما يسمى الداعمين للإرهاب SST، وهم أعضاء نظام الأسد والمرتبطون به، وعقوبات على الأجهزة الأمنية والمخابراتية السورية، وأخرى اقتصادية شاملة خارج إطار الاستثناءات الإنسانية، وحظر التعامل مع المؤسسات الروسية، علما بأنه لم تكن الولايات المتحدة قد رفعت سوريا ورئيسها الحالى عن قائمة الإرهاب، ووضعت ضوابط شديدة على تصدير تكنولوجيا المعلومات، وتفرض عقوبات على أطراف ودول أخرى لها علاقات اقتصادية كبيرة مع سوريا، فى حين كانت قد اتخذت إجراءات ـــــ النظر حالة بحالة ـــــ فى السماح ببعض التعاقدات المرتبطة بالطاقة والخدمات العامة والإنسانية وتقديم الخدمات الإدارية الحكومية للنصف الأول من عام ٢٠٢٥.
بعد انهيار نظام الأسد كانت بريطانيا قد علقت عقوباتها على ٢٤ مؤسسة سورية بما فى ذلك البنك المركزى والطيران السورى وعدد من شركات الطاقة وإعادة التعمير، إنما ظلت عقوباتها على عدد من الشخصيات المرتبطة بنظام الأسد وضد نشاطات ترتبط بالتهريب، وكذلك بالتكنولوجيا مزدوجة الاستخدام والاستمرار فى فرض إجراءات خاصة بحماية الأصول الحضارية.
من ناحية أخرى، رفع الاتحاد الأوروبى العقوبات فى مجالات الطاقة والنقل والمؤسسات المالية، ومن ضمنها على أربعة بنوك وشركة الطيران السورية، مع السماح بتمويل المساعدات الإنسانية وإعادة التعمير، فى حين تمسك الاتحاد الأوروبى باستمرار العقوبات والحظر على أعضاء نظام الأسد وأعوانه، وحظر توفير الأسلحة ووضع قواعد وحدود لتصدير التكنولوجية التى يمكن أن يكون لها استخدام مزدوج مدنى وأمنى.
ستوضح الأسابيع القادمة طبيعة العقوبات المرفوعة وحجمها، ويتوقع استمرار العقوبات على أعضاء نظام الأسد، وأن ترفع عن بعض مسئولى النظام الجديد المسجلين على قائمة الإرهاب عند نفس هذه الدول، وستكون هناك بعض التناقضات والمؤامرات المتوقعة والضرورية الناتجة عن غياب الحكم الرشيد فى سوريا لأعوام طويلة وهو السبب الرئيسى فى انهيار النظام السابق وتمكين الغير من التدخل فى الأمور.
وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية والحاجة إلى وقت كاف لاستقرار الأمور سياسيا فإن من الأهمية بل من الضرورة النظر فى أفضل وأسرع السبل لتوفير الدعم الاقتصادى والإنسانى لمواطنى سوريا، من خلال عدد من الخطوات مثل تغيير منهجية فرض العقوبات والاستثناءات المعطاة وأسلوب وشروط تلقيها، والتمسك بمنهجية تفرض وتشترط بشكل إيجابى التزام الداعم والمتلقى بالشفافية والمحاسبة وتأمين تنوع الخيارات والمصادر فى جميع التعاملات المرتبطة بالمساعدات، وهى قواعد وشروط يجب أن تطبق على الداعم والمتلقى لأن تجارب الماضى تشوبها الكثير من التجاوزات على الجانبين.
وعمليا هذا يتطلب تغيير الأدوات العقابية وتطويرها، من أجل تسهيل وتأمين المساعدات والاستثمارات فى الخدمات العامة والبنية الأساسية والتنمية الاقتصادية، مع الإقلال بقدر الإمكان من التعامل الاستثنائى لكل حالة لتسهيل، واستقرار العمليات الاقتصادية والاستثمار وتوفير الفرص المتساوية والحد من الفساد بين الداعمين والمتلقى.
كما يجب توحيد وتوضيح إجراءات المصارحة والمكاشفة والمراجعة المطلوبة من المؤسسات المالية باعتبارها الركيزة الأساسية لأية منظومة اقتصادية، وتمكين وتأهيل المؤسسات السورية بما فى ذلك القطاع الخاص لتطبيقها بنمطية مستقرة.
ومن الأهمية بمكان ضمان توفير الإجراءات والآليات اللازمة لضمان التوزيع العادل للمساعدات فى مختلف أنحاء البلاد دون تمييز أو تفرقة، من خلال مؤسسات حكومية أو بدعم من المجتمع المدنى، مع تركيز خاص على برنامج دعم قدرات المحليات وتوفير الغذاء والخدمات الصحية.
هناك حاجة ملحة للدعم العاجل للمجتمع السورى إنسانيا واقتصاديا، وستزداد الطلبات والاحتياجات مع زيادة أعداد العائدين بمشيئة الله، وأعتقد أن علينا جميعا التزام إنسانى فى هذا الصدد، فى نفس الوقت الذى نتابع فيه السلطات السورية بالالتزام بمنهجية جامعة للشعب السورى دون تفرقة أو تمييز حفاظا على الهوية السورية العربية.
نقلا عن إندبندنت عربية