كيف نحمى أبناءنا من التحرش الجنسى؟ - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نحمى أبناءنا من التحرش الجنسى؟

نشر فى : الأربعاء 7 أغسطس 2019 - 12:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 أغسطس 2019 - 12:15 ص

مسئوليتنا تجاه حماية أبنائنا تشاركية، لا يشترط أن نلدهم لنحميهم، فالمسئولية ممتدة لأى طفل يقع فى نطاق الأسرة أو الأصدقاء أو الجيران، الأطفال ثروة مجتمعنا وسلامتهم نُساءل عنها كمجتمع وليس كأفراد إذا أردنا مستقبلا أفضل لبلادنا.

العالم ملىء بالخير والجمال والحب، وهو أيضا به شر ومرض ومخاطر، وعلينا أن نربى أبناءنا على حماية أنفسهم دون أن نجرح براءتهم وثقتهم فى الآخرين ودون أن نزرع فيهم الخوف وسوء الظن. الانتهاك الجنسى للأطفال جريمة تندرج تحتها جرائم عدة، أفظعها الاغتصاب للطفل أو الطفلة، ثم تشمل كل ممارسات التحرش التى يتم فيها استخدام الطفل أو الطفلة دون الثامنة عشرة من العمر فى المتع الجنسية. تشمل لمس جسد الطفلة فى أماكن حساسة أو إرغامها على لمس جسد المنتهِك، أو مشاركة الطفل فى ألعاب جنسية أو إرغامه أو تشجيعه على مشاهدة صور أو أفلام إباحية أو سماع كلمات أو حديث فيه إيحاءات جنسية، بالإضافة إلى إرغام الطفل على التعرى أو تصويره وهو عارٍ سواء حدث فعليا أو عن طريق إقناعه عبر الإنترنت، حتى تنزيل ومشاهدة صور أو أفلام جنسية من الإنترنت يشارك فيها أطفال غرباء عنا مخالف للقانون ويعتبر مشاركة فى جريمة استخدام الأطفال فى تجارة الجنس (بيدوفيليا pedophilia ). كل ما ذكر جريمة مادام الطفل سنة تحت الثامنة عشرة حتى إذا تم بموافقته ورضاه.

التجريم يرتكز على كونها أفعال يستغل فيها شخص أكبر وأقوى من الطفل ضعفه الجسدى والفكرى والإرادى والمعرفى فى متع جنسية شخصية غير مناسبة لعمر الطفل، تترك فيه أمراض خطيرة تتراوح من كرب ما بعد الصدمة (PSTD) بكل ما يحمله هذا المرض من توتر وخوف وتردد وعدم القدرة على إقامة علاقات صحية فى المستقبل وفقد الثقة فى الآخرين والغضب وصعوبات التعلم والميل إلى الإدمان إلى آخر الأمراض النفسية التى تستمر على مدى حياة الطفل، بالإضافة إلى أمراض عضوية مثل نقل الأمراض المعدية مثل الإيدز والكبدى الوبائى والزهرى، أو تهتك الجهاز التناسلى لدى الفتيات أو الشرج لدى البنين أو حتى الحمل فى الفتيات إذا ما وصلت الجريمة إلى الاغتصاب.

***

نقرأ هذه الكلمات فنصاب بالرعب وننقل هذا الخوف لأبنائنا عن طريق المبالغة فى حمايتهم، وهو غير مجدٍ، فالخوف لا يمنع الكارثة من أن تحدث ولكن ما يقلل من احتمال حدوثها هى المهارات الحياتية التى نعلمها لهم عن طريق قواعد أسرية نرسيها ونشرح أهميتها ونصمم على احترامها حتى يحموا أنفسهم أيا كانت أعمارهم. وجدير بالذكر هنا أن نعلم أن الإحصاءات تقول إنه قبل سن ١٨ عاما تكون واحدة من كل ثلاث فتيات وواحد من كل أربعة بنين قد تعرضوا لمواقف فيها تحرش جنسى. أغلب هذه الانتهاكات (٩٣٪) تحدث من أفراد يعرفهم الطفل ويطمئن إليهم ونسب حدوثها من الأغراب ليست الأكبر فالجانى يكون عادة فردا داخل الأسرة (جد، عم، خال، ابن عم، أو حتى الأب)، شخصا مؤتمنا على العناية بالطفل (مدرس، مشرف اجتماعى، مدرب رياضة، سائق، عامل بالمنزل.. إلخ)، الأغلبية العظمى من الجناة من الرجال وليس لهم صفات نستطيع أن نتوقع فعلهم منها خصوصا أنهم قد يكونون أقرب الناس لنا وأكثرهم حصولا على ثقتنا، ومن هنا تأتى أهمية الاستماع إلى أبنائنا جيدا فهم بوصلتنا، هناك نسبة من النساء يتحرشن بالأطفال لكن تبقى الجريمة الأكبر للنساء أنهن فى كثير من الأحيان يكن شاهدات صامتات على فعل التحرش إما خوفا أو عدم تصديق. لأن الجريمة تقع على طفل صغير فى السن ولأن الجانى شخص نطمئن له فمن الصعب استيعاب ما حدث، وبالتالى يكون أول رد فعل لنا هو التهرب من مواجهة الحقيقة والتشكيك فيما يقوله الطفل على أساس أن «خياله واسع أو أنه لم يفهم جيدا ما حدث»، وهنا يكون خطؤنا الأكبر حيث إننا نخذل أبناءنا مرتين، مرة لأننا لم نحميهم فى الأساس ومرة أخرى لأننا لم نستجب لهم عند طلب النجدة.

فكيف إذن نحميهم؟
• لابد أن نمكن أبناءنا ونقوى لديهم حاسة الأمان، فإذا أحسوا بالخوف أو القلق من شخص فلا ينبغى ألا يتجاهلوا هذا الإحساس ويجب أن يعبروا عن هذا الخوف بوضوح، «مش عيب إنك تقول لحد كبير ما تعملش كده إذا عمل حاجة تخوف أو تضايق، لو مسمعش كلامك قوليلى ولو أنا مش موجودة زعقى وصرخى، إنك تحافظين على نفسك أهم من إنك تكونى لطيفة ومؤدبة».
• خصوصية الجسد أمر نتعلمه من الصغر «محدش يلمسك ولا حتى هزار، ولا يدخل معاك الحمام غير ماما أو بابا أو فى وجودهم والأماكن اللى المايوه بيغطيها دى مش مفروض حد يشوفها ولا يلمسها» ــ «يعنى ولا دادا ولا جدو ولا الدكتورة؟» ــ «أيوه ولا أى حد إلا لو ماما موجودة، وإنتى كمان متهزريش بالإيدين مع أى حد الهزار بالإيدين بايخ ومش كل الناس بتحب الهزار ده».
• «لازم قبل ما حد يحط إيده على أى مكان فى جسمك يستأذن، يعنى لما الدكتورة أو الممرضة أو الدادة تلمسك لازم الأول تقول ممكن من فضلك أغيرلك ملابسك أو أكشف عليك؟ وإنت كمان لما تيجى تلعب مع أصحابك وتزغزغهم مثلا لازم تسألهم أو على الأقل تاخد بالك لو مش مبسوطين توقف على طول، لأن جسم الإنسان بتاعه هو بس».
• «مش صح إن حد كبير ماتعرفهوش يسألك سؤال أو يتكلم معاك ولا يديك حاجة حلوه تاكلها لو ماما أو بابا مش موجودين، ده غلط والناس الكبيرة الكويسة عارفة إن ده غلط، فلما حد يعمل كده قول شكرا وامشى على طول».
• «لو كنتى لوحدك وحسيتى بخوف من حد ابحثى عن أى ماما ومعاها أولادها أو واحدة ست شكلها طيب واجرى قوليلها أنا مش لاقية ماما أو بابا من فضلك ساعدينى، بلاش تطلبى مساعدة من أى راجل ما تعرفيهوش».
• «لما تروحوا تشتروا حاجة أو تروحوا الحمام من غيرنا تروحوا دايما اثنين أو أكثر، مفيش حاجة اسمها نروح مكان مقفول لوحدنا، إحنا مانعرفش هندخل المكان ده نلاقى مين هناك، صح؟».
• هناك إصدار رائع لمؤسسة «أمان Safe» وهى مؤسسة مصرية معنية بالعمل على حماية الأطفال المصريين من الانتهاك الجنسى ورفع الوعى لدى المجتمع به. هذه المؤسسة أصدرت فيلما متاحا على الإنترنت اسمه «إزاى تحمى ابنك/ بنتك من التحرش الجنسى؟» يشرح ببساطة للأبوين كيفية التعامل مع طفل نشك فى تعرضه للتحرش. كما أن نفس هذه المؤسسة أصدرت كتابا جميلا نستطيع أن نقرأه مع أبنائنا اسمه «أنا غالى» ومتوافر فى معظم المكتبات الكبيرة يشرح أهمية حماية الطفل لنفسه دون أن نخيفه.
• الإنترنت مجال يزداد خطورة على أبنائنا، حيث يتواصلون مع أغراب عن طريق الألعاب الإلكترونية والتشات، قد ينتحلون شخصية طفل فى سنهم ويبنون قنوات تواصل تسمح لهم بأن يطلبوا منه معلومات شخصية مثل عنوانه أو اسم مدرسته أو ناديه، وقد يطلبون منه صورا له أو يفتحون الفيديو أثناء المحادثة، وقد يتطور الأمر إلى أن يخلع ملابسه أو أن يجعلوه يشاهدهم وهم يخلعون ملابسهم (هذا واقع فى مجتمعنا يحدث يوميا لكن لا أحد يتحدث عنه). مثل هذه المخاطر يجب أن نحذر أبناءنا منها وكل شاشة متصلة بالإنترنت يجب أن تكون فى مكان عام فى البيت حتى نلاحظ إذا كان الطفل يرغب فى حجبها عنا عندما نمر بها، وإذا أمضى وقتا أطول من المنطقى أمامها وبدأ يتفادى قضاء وقت مع الأسرة مفضلا لعبة فيها تواصل عبر الإنترنت مع آخرين لابد أن نقلق.
• الانتهاك يحدث فى أى سن من الرضع وحتى المراهقة والسبب فى عدم لجوء الطفل لنا مباشرة يرجع إلى أن الجانى فى هذه الجريمة سواء كان بالغا أو طفلا أكبر سنا عادة ما يكون قريبا من الأسرة فالطفل مطمئن له ويستخدم خليطا من الضغوط العاطفية عليه، فهو يهدده بالأذى البدنى إذا ما أبلغ والديه، أو أنهم لن يصدقوه أو أنه سيتم عقابه لأنه أخطأ، كما أنه يصعب على الطفل بسبب سنه التعبير عن الحدث.

لهذا نحتاج إلى أن نكون واعين لمؤشرات الإنذار التالية:
إذا استخدم الطفل ألفاظا للتعبير عن أعضائه التناسلية لا تتناسب مع سنه أو ما يسمعه داخل الأسرة، أو إذا استخدم العرائس أو الحيوانات فى ألعاب فيها إيحاءات أو ألفاظ جنسية.. وإذا حدثت له أحلام مزعجة أو شعر بصعوبة فى النوم، أو أحس بالخوف الزائد من الغريب أو من شخص بعينه، بالإضافة إلى الانطواء والكذب، وعدم الثقة بالنفس، العودة إلى تصرفات أقل من سنه مثل التبول اللاإرادى، وتغيير فى الشهية سواء فقدانها أو الشراهة فى الأكل، وظهور أصدقاء جدد سنهم أكبر كثيرا من عمر الطفل، ثم عودة الطفل بهدايا أو مال غير معلوم مصدرهم. بالطبع كثير من هذه الأعراض هى نفسها تحدث مع ضغوط نفسية أخرى يواجهها الطفل مثل الطلاق أو الخلافات الأسرية أو وفاة شخص قريب من الطفل وبالتالى فهى علامات تستوجب الحذر وليست مؤكدة لحدوث انتهاك. هذا بالإضافة إلى أعراض عضوية مثل وجود كدمات أو جروح قطعية أو التهابات فى مناطق حساسة أو على الفخذين أو إفرازات أو دم من المهبل أو الشرج أو ألم مع التبول أو التبرز غير مبرر طبيا.

إذا تأكدنا من واقعة تحرش أو شككنا فيها علينا أولا أن نتعامل مع الأمر بهدوء حتى لا ننقل قلقنا وخوفنا للطفل، وأول خطوة هى الحديث مع الطفلة بشكل ليس فيه سمة التحقيق أو اللوم، وإنما أن نفتح قناة تواصل تسمح لها أن تعبر عما حدث بكلمات تتناسب مع سنها وفهمها وتخرج ما بداخلها من خوف وغضب وإحساس بالذنب والحيرة، اختاروا المكان والزمان جيدا وتأكدوا من عدم وجود آخرين حتى نوفر جوا آمنا لتفتح قلبها، استخدموا نبرة هادئة مطمئنة وكلمات بسيطة لفتح الحديث ثم انتظروا لتحكى ما لديها بطريقتها، قاوموا قلقكم حتى لا تقاطعوها وتعطوها فرصة للتعبير. من المهم جدا ألا نلومها مهما كانت أخطأت فى عدم الالتزام بتعليماتنا أو فى عدم إبلاغنا مسبقا، ثم طمئنوها أنها لم تخطئ وأنها لن تعاقب وأنكم ستحمونها وأن ما فعله هذا الشخص خطأ كبير وأنه سيعاقب عليه. «أنا مبسوطة منك إنك حكيتيلى، عارفة إنك خايفة بس إنتى مش غلطانة، الناس الكبيرة اللى بتعمل كده بتكون ناس مش كويسة وأنا هاتصرف وهو عمره ما هيئذيكى تانى، عايزاكى دايما تحكيلى عن كل حاجة بتخوفك أو بتقلقك. إيه رأيك نروح نتكلم مع حد شاطر قوى يقولنا إزاى نحل المشكلة دى؟» ويكون هذا مدخلنا لزيارة طبيب أو أخصائى نفسى وطبيب أطفال لتقييم حجم المشكلة ووضع خطة لعلاج الطفل، فتجاهل أن هذه المشكلة ستؤثر عليها مستقبلا حتى لو بدت الطفلة طبيعية هو أمر بنفس خطورة الحدث نفسه، فأى انتهاك جنسى لابد أن يعامل بجدية شديدة حتى لا يترك أثرا فى المستقبل على الطفلة أو الطفل.

بالتأكيد التعامل مع الجانى لابد أن يكون صارما وحماية الطفل من التواجد فى وجوده مهم جدا ومسئوليتنا الأولى، يتبعها إبلاغ مكان عمل الشخص والتصميم على عقابه وإبعاده عن التعامل مع أطفال آخرين أمر أخلاقى حتى نحمى أطفالا آخرين قد يقعون فريسة له، وإذا شككنا فى وقوع انتهاك لطفل خارج نطاق حمايتنا مثلا فى نطاق الجيرة أو فى الشارع نبلغ خط نجدة الطفل ١٦٠٠٠ حتى يرسلوا فريقا للتحقيق فى الأمر.
الإنسان فى العموم خَيّر ومُسالِم ومَحب للآخرين، والغرض مما سبق ذكره ليس بث الخوف فى نفوس الآباء والأطفال، لكنه محاولة لمنع جريمة موجودة فى مجتمعنا علينا حمايتهم منها قدر استطاعتنا وفى حدود إمكانيتنا وفى النهاية يبقى يقيننا بالله «فالله خير حافظا».

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات