أنت مخلوق فريد - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنت مخلوق فريد

نشر فى : الثلاثاء 12 أكتوبر 2021 - 9:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أكتوبر 2021 - 9:40 م
هل تعرف أنك «فريد»؟ فريد بمعنى أنه عبر التاريخ منذ الخليقة لم يمش على الأرض مثيل لك؟ فكل خلية فى جسمنا تحمل كودا جينيا خاصا بكل واحد فينا، تحدد صفاتنا: لون شعرنا وأعيننا، طولنا وحجم قدمنا، ميولنا العلمية والفنية، طبيعتنا الإنسانية.. بالتأكيد تتأثر كل هذه الصفات بظروف طفولتنا وأسلوب تربية أبوينا لنا والتحديات التى نواجهها فى حياتنا، وبالطبع نتطور إنسانيا ونسمو (أو العكس) خلال رحلة الحياة وتتحسن قدرتنا على فهم أنفسنا خصوصا إذا وعينا أن هذه هى إحدى مسئولياتنا فى الحياة، واجتهدنا فيها. كلٌ منا لم ولن توجد مثله نسخة أخرى، وهذه معجزة حقيقية، فهناك ترتيب لا نهائى لمجموعة محدودة من الأحماض الأمينية داخل جيناتنا تجعل فردية كل مخلوق (ليس فقط بنى الإنسان) مؤكدة. ومن هنا تظهر الحكمة فى أهمية الدور الذى يلعبه كل منا ويؤثر به، ليس فقط على أسرته أو عمله، وإنما على «البشرية» كلها، حتى إذا كان بشكل غير مباشر أو تراكمى، وهنا أيضا تكمن الفرصة بل الضرورة فى أن تكون حياة كل إنسان لها معنى ووزن وثمن غال.
فهل يُسمَح لنا أن نكتشف دورنا هذا؟ وهل كانت خياراتنا ستكون مختلفة بعيدا عن القوالب الاجتماعية والمفهوم العصرى عن النجاح والسعادة؟ هل كانت أقدارنا تغيرت إذا لم تحظ مهن بعينها بتقدير معنوى ومادى أكبر من المجتمع وبالتالى جذبتنا إلى مهنة دون أخرى؟ لو تربينا بعيدا عن تأثير المجتمع على مفهومنا لأدوارنا الاجتماعية والمهنية كنساء ورجال فهل كان هذا يغير من طبيعة علاقتنا بأبنائنا وعلى اختيارنا للطريق الذى نسلكه فى عملنا؟ وهل كان أبناؤنا سيحظون بطفولة أكثر ثراء لو كنا تركنا لممارسة هذا الدور الغريزى بدون برمجة مجتمعية؟
سؤال آخر مُلِّح هو الثقل الذى يضعه العالم على القدرة المالية، ففى الحقيقة هناك حد أقصى لما يستطيع حتى أغنى الأغنياء أن يستمتع به فى حياته ومع ذلك فمن أهم مقاييس النجاح فى زمننا هو الدخل والمدخرات والممتلكات، فهل كنا أخترنا نفس المهنة إذا ما كانت حياتنا مؤمنة مادية فى كل الأحوال؟ هل كانت ستعمر القرى والغابات والصحراء ويختار كثير من الناس أن يهجروا المدن؟ من يدرى فقد تتغير الأولويات فلا نعطى نفس القدر من الوقت والجهد لعملنا على حساب اهتماماتنا الفكرية والروحية والاجتماعية؟ وهل سعينا للمادة جعلنا أكثر ثراء أم أنه أفقرنا إنسانيا وأبعدنا عن فرص التوسع فى اكتشاف أنفسنا وقدراتنا المختلفة على العطاء للعالم الذى نسكنه والأجيال التى تلينا؟
•••
فهمنا لأهمية فردية كل بنى البشر واختلافاتهم المرهق أحيانا يضع علينا مسئولية أن نتقبل ونتفهم ونثمن الآخرين حتى لو كان ضاغطا على أعصابنا أو فيه خلاف أخلاقى أو عقائدى. فالقبول لا يعنى أن نصادقهم أو نغير قناعتنا أو نمتنع عن معارضتهم، كل ما يعنيه هو أن نفعل كل ذلك بقدر كبير من التراحم والاحترام النابع من معرفتنا بأنهم بالتأكيد وبالرغم من كل ما يحملون من صفات لا تعجبنا فهم هنا فى الدنيا لغرض مهم حتى لو كان الغرض هو أن نرى الخطر فنتكاتف لمقاومته مثلا. أو أن يعلمونا الصبر أو يجبرونا على المواجهة والحفاظ على حقوقنا ومساحاتنا الخاصة، ومن يدرى قد نرى مع الوقت فى صفاتهم المزعجة نقاط ضوء إيجابية نتعلم منها فى حياتنا الشخصية أو العملية، ولن نرى هذا إلا إذا فتحنا عين البصيرة ولم نغلقها بالرفض. هناك عشرات من الأمثلة فى حياتنا اليومية والعامة لكيانات سواء كانت دولا أو شركات أو عائلات ناجحة فقط لأن على رأسها شخصيات متعددة شديدة الاختلاف فى صفاتها وقدراتها، إلا أن المناخ المتاح لهم فيه قدر عالٍ من القبول يسمح بالتوازن والإفادة حتى فى ظل اختلافاتهم، والعكس صحيح فى المؤسسات والمجتمعات التى لا تستفيد من ثرائها البشرى.
•••
السؤال يبقى: هل كان العالم من الممكن أن يكون مكانا أفضل إذا زالت عنا الخيوط المستترة التى تحركنا؟ بمعنى آخر هل فقدت الإنسانية فنانين وفنانات، مدرسين/ مدرسات، نجارين/ نجارات، ممرضين وممرضات مربيين ومربيات، صيادى سمك وصيادات، سياسيين وسياسيات، مزارعين ومزارعات، نحاتين ونحاتات، موسيقيين وموسيقيات... إلى آخر المساهمات الإنسانية سواء كانت مهنا أو مهارات أو مواهب أو أدوارا تثرى العالم وبدونها يكون جافا؟ هل فقد كل منا تأثير إنسان فى محيطه لم يتمكن من تحقيق دوره الذى يستطيع هو فقط أن يلعبه فى حياتنا أو حياة غيرنا سواء على مستوى شخصى أو مجتمعى؟
هل العالم فى إمكانه أن يكون مكان أفضل إذا ما ترك الإنسان حرا؟ قد تكون البداية من أنفسنا، أن نستمع إلى صوتنا الداخلى ونصدقه ثم نتبعه إلى حيث يأخذنا حتى لو كان ذلك خارج السرب.
يقول جلال الدين الرومى «إن تكن تبحث عن مسكن الروح فأنت روح، وإن تكن تفتش عن قطعة خبز فأنت الخبز، وأن تستطع إدراك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهم أن كل ما تبحث عنه هو أنت».
هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات