صندوق أم لا صندوق؟ - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صندوق أم لا صندوق؟

نشر فى : الأحد 7 أغسطس 2022 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 7 أغسطس 2022 - 9:30 م

على الرغم من قلة المقالات فى صحفنا اليومية التى تتناول حالة مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولى وغموض مضمون تلك المفاوضات وعدم شفافية محتوياتها للقارئة والقارئ العادى والصعوبات التى تحول دون التوصل إلى اتفاق مع الصندوق للحصول على القرض الذى نستهدفه، فإن هذا يثير فضولنا ويحفزنا إلى التطرق إلى ملابسات وظروف هذه المفاوضات وما يفرضه الصندوق من شروط جديدة للاتفاق. ويبدو أن مطالب الصندوق باستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلى كانت أضعف الإيمان، حيث تقف مصر اليوم ضاربة كفا على كف أمام مطالب الصندوق الجديدة من إصلاحات مالية وهيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وصموده أمام التقلبات الخارجية وتحسين الحوكمة.
هذا، وتحتل مصر اليوم المرتبة الثانية بعد الأرجنتين فى حجم الاقتراض من صندوق النقد الدولى، وبلغ إجمالى قروض مصر من الصندوق 20 مليار دولار خلال السنوات القليلة الماضية. ومصر لديها تاريخ طويل مع صندوق النقد الدولى ولديها تقلبات صعودا وهبوطا مع الصندوق، قد لا تقارن بالعديد من الدول الأخرى. فكم عدد المعارك التى خاضتها مصر فى الماضى ضد صندوق النقد الدولى ووجدت نفسها فى النهاية فى طريق مسدود!. وتبقى الحقيقة أن مصر هى التى تحتاج إلى الصندوق وليس العكس. ولعل البعض منا يتذكر حادثة الرئيس حسنى مبارك عندما أطلق على الصندوق اسم «صندوق النكد الدولى» وعلى رئيسه آنذاك كامديسو بـ«حلاق القرية». وما كان من الأخير سوى سحب فريق التفاوض ووقف أية مفاوضات مع مصر. وكان ذلك فى التسعينيات من القرن الماضى.
• • •
لم ينقذ مصر فى ذلك الوقت سوى حرب الخليج الأولى ومحاولات الرئيس حسنى مبارك لإقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت وحشد الدعم لتحرير الكويت ومساندة القوات الأمريكية، مما أدى إلى إلغاء الولايات المتحدة ديونها تجاه مصر وممارسة الضغط على حلفائها لإلغاء هى الأخرى ديونها لمصر وإلزام صندوق النقد الدولى بإعادة جدولة ديون مؤسسات التمويل الدولية بشروط ميسرة للغاية. لم يتجاوز الدين الخارجى لمصر فى ذلك الوقت 43 مليار دولار وتصل مديونية مصر اليوم إلى أضعاف هذا الرقم، حيث وصلت حسب آخر التقديرات إلى 150 مليار دولار ويقضى سدادها قيام مصر بدفع 20 مليار دولار سنويا، وهو بلا شك رقم كبير فى ظل حاجة مصر الماسة إلى العملة الصعبة لتلبية احتياجاته الأساسية.
وعلى الرغم من النجاح الذى حققته مصر مع الصندوق بموجب برنامج الإصلاح لعام 2020، فإن هذا لا يعنى أن مصر ستحصل تلقائيا على قروض جديدة لمواجهة الظروف الصعبة التى تواجهها من جراء الحرب الأوكرانية والتى تهدد إنجازاتها فى استعادة استقرار الاقتصاد الكلى بعد جائحة الكورونا. وتتجاوز مطالب الصندوق اليوم المؤشرات الكلية إلى مزيد من التدخل فى الإدارة الاقتصادية والحوكمة إلى المطالبة بتكافؤ الفرص بين القطاع الخاص والقطاع العام التقليدى وغير التقليدى، بما فى ذلك ضمان الشمول المالى دون تمييز وإعادة النظر فى دور الحكومة كمنظم وعدم مزاحمة القطاع الخاص فى الأنشطة الاقتصادية.
ولا بد من الاعتراف بأن هذا ليس بالأمر السهل فى ظل التراجع غير المقبول للقطاع الخاص عن ممارسة دوره فى الأنشطة الاقتصادية ودعم المشاريع التنموية. فإن استثمارات القطاع الخاص لا تتعدى نسبة الـ25% من إجمالى الاستثمارات فى مصر، والمستهدف زيادة هذه النسبة إلى ما لا يقل عن 65٪ لتمكين القطاع الخاص من أداء دوره.
ولعلنا نتساءل لماذا هذا التقاعس من جانب القطاع الخاص الذى تسعى الحكومة جاهدة إلى ملء هذا الفراغ والتعويض عنه من خلال الانخراط فى أنشطة اقتصادية ليس لغرض الربح بقدر تلبية الطلب عليها. ولا أعيد اختراع العجلة إذا قلت إن هناك أزمة ثقة بين الحكومة والقطاع الخاص تتسع يوما بعد يوم. ويقع الخطأ على كلا الجانبين. فبينما تخشى الحكومة – ولها الحق فى ذلك ــ من قيام القطاع الخاص بإيداع أرباحه فى الخارج بدلا من إعادة استثمارها فى مصر، حيث إنه لا يعيد استثمار سوى القشور من المكاسب التى يجنيها، فإن رجال الصناعة والتجارة بدورهم يشكون يوميا من مواجهتهم قرارات وقوانين جديدة تكبل أيديهم وتزيد من نفقاتهم وتعيق سير عملهم بسلاسة وانسيابية. أضف إلى ذلك تضارب الاختصاصات وتناقض القرارات بين الوزارات والأجهزة الحكومية فى غير صالح استقرار السياسات التجارية وتمكين القطاع الخاص من الاستمرارية فى خططه.
• • •
لقد بادرت الحكومة فى إقامة حوار وطنى وفتح قنوات اتصال جديدة مع القطاع الخاص. كما تدرك الحكومة وكذا القطاع الخاص أن هناك حاجة ملحة لإقامة حوار مؤسسى دائم لإعادة الثقة بينهما والمشاركة فى رسم خارطة الطريق لتحقيق القفزة المطلوبة فى الصادرات. فإننا ليس بحاجة إلى صندوق النقد الدولى لمتابعة كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض. نحن قادرون على إقامة التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص وندرك تماما حيويته فى الوقت الحاضر ونحن فى طور إعادة هيكلة اقتصادنا وإدراج القطاع الخاص كعنصر فعّال وأساسى فى أنشطته. ومع ذلك، لا يجادل أحد فى أننا بحاجة إلى استكمال رحلتنا مع الصندوق لدوره فى منح المصداقية والوزن للدول التى يتفق معها وسياساتها وخططها، وبما يساعدها على الاقتراض فى السوق الدولية. فإن الاقتراض من الصندوق لا يعدو أن يكون مسكنا للوضع وشهادة منه على قدرة الاقتصاد المصرى على الاقتراض والسداد. وما تحصل عليه مصر من الصندوق ليس كافيا لحل مشكلات الاقتصاد المصرى. وأنه على مصر حكومة وشعبا استكمال المشوار ومعالجة أوجه القصور فى السياسات التجارية لتعزيز الصادرات ومعالجة العجز فى الميزان التجارى وزيادة عائداتنا من النقد الأجنبى.
ولا يغيب عنا فى هذا السياق التأكيد على أنه لا يمكن للتجارة أن تزدهر بمنأى عن استراتيجية متكاملة للصناعة. ويتعين أن تقوم مثل هذه الاستراتيجية على أنشطة تمتلك مصر فيها ميزة تنافسية، بما يسمح لها أيضا بالاندماج فى سلاسل الإنتاج الدولية. وكل هذا لا يتطلب إعادة هيكلة قطاع الصناعة فحسب، بل يتطلب أيضا إعادة هيكلة علاقاتنا التجارية الخارجية وتبسيط إجراءات التصدير والاستيراد وفقا لالتزاماتنا بموجب اتفاقية تيسير التجارة فى إطار منظمة التجارة العالمية. فقد أصبح تيسير التجارة وخفض التكاليف الإدارية واللوجستية لا يقل أهمية عن مفاوضات خفض التعريفة الجمركية.
وإذا كان الصندوق ملتزما فى المفاوضات مع مصر بتحرير سعر صرف العملة وزيادة دور القطاع الخاص وتقليص دور الحكومة فى النشاط الاقتصادى وتعزيز القدرة التنافسية لصادراتنا، فكلها أمور ضرورية لا يمكن التغاضى عنها فى برنامج الإصلاح الذى تمضى مصر فيه وجادة فى استكماله.
• • •
ليس لدينا بديل عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى فى هذه الأوقات الصعبة لاحتياجاتنا الملحة من النقد الأجنبى، خاصة وأننا على يقين من أنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه لتحقيق القفزة المستهدفة فى صادراتنا بقيمة 100 بليون دولار، وحتى لتجاوز هذا الهدف فى المستقبل، وهو الأمر الذى يتطلب إصلاحات جذرية على المدى المتوسط والبعيد.
مساعدة وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقا)

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات