خطة ثلاثية الأبعاد لتطبيق رؤية المصب المتجدد - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطة ثلاثية الأبعاد لتطبيق رؤية المصب المتجدد

نشر فى : الإثنين 7 نوفمبر 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : الإثنين 7 نوفمبر 2022 - 8:00 م

تناولنا فى مقالات عديدة سابقة كيف يمكن النظر إلى برج رشيد ومنطقة مصب النهر وفهم التحديات التى تواجهها بهدف الوصول إلى ما يمكننا من التعامل مع تلك التحديات، بحيث يمكننا العمل بجدية على استعادة العافية للبيئة الطبيعية. ومن خلال ذلك يمكن مساعدة سكان المكان للتحول لحياة أفضل لهم ولأولادهم. والرؤية التى طرحناها فى المقال السابق تحتاح إلى تصور محدد لنقلها من حيز الأفكار إلى حيز الأفعال. ولتحويل تلك الرؤية إلى واقع فإن الخطة التى نقترحها تتعامل مع ثلاثة أبعاد؛ أولها وأهمها البعد المحلى، وثانيها البعد الإقليمى، وثالثها البعد الوطنى والعالمى. لأن فهمنا الأساسى للتحديات فى برج رشيد بصفتها منظومة مركبة هى جزء من منظومة أكبر يستلزم عدم إغفال أى بعد من تلك الأبعاد لأنها فى النهاية متشابكة وتجاهل جزء من إحداها قد يؤدى إلى تبعات غير مرغوبة.
• • •
رؤيتنا للتعافى هى التعلم من محاكاة الطبيعة والتركيز بالتالى على العمليات الثلاث الرئيسية التى تتم فيها وهى الإنتاج والاستهلاك والتحلل. خبراتنا المتراكمة عبر السنوات تظهر بوضوح أنه لتحويل هذه الرؤية إلى خطة تكون مبررة وقابلة للتنفيذ بالإضافة إلى حصولها على دعم ومشاركة شعبية هى البداية من العملية الثالثة التى تركز على التعامل مع المخرجات غير المستخدمة أو ما يسمى المخلفات لعمليات الإنتاج والاستهلاك وتحويلها إلى ما ينفع وما يمكن استخدامه. ونستعين فى ذلك بما تعلمناه من الطبيعة عن دور الكائنات الطبيعية الحاسم فى هذا الصدد سواء كانت كائنات دقيقة مثل البكتيريا وأخرى أكبر منها كالديدان أو فطريات أو بعض الحشرات. ويمكن لتلك الكائنات إذا تعاونا معها أن تساعدنا فى تفكيك المخلفات الناشئة من عمليات الاستهلاك لمختلف الكائنات وتحولها إلى عناصرها الأصلية التى تمكن من إعادة الاستفادة منها وإدخالها فى دورة الإنتاج مرة أخرى وبعضها مثل الفطريات قد يتمكن من تحويل المخلفات مباشرة إلى غداء مثلا. وهناك بالفعل العديد من الابتكارات التى تستعين بالكائنات الدقيقة فى تنقية مياه الصرف الصحى كما أن هناك العديد من التجارب الناجحة على استخدام الديدان لتحويل المخلفات العضوية إلى سماد وتربة للزراعة يمكن استخدامها فى إصلاح التربة المستنزفة من كثرة استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية. كما أن هناك العديد من التجارب لتربية الفطر النافع والمغذى على بقايا القهوة مثلا. وتحتاج مثل تلك التجارب والابتكارات المزيد من الدعم لتحسين اقتصادياتها وربطها باستعادة البيئات الطبيعية وخاصة النباتات البرية.
يمكن لتلك الابتكارات والتجارب أن تساهم فى تحسين كبير وحاسم لمنظومة المياه والبدء فى استعادة تجددها مرة أخرى وهو الأمر الحاسم ليس فقط لتحسين حياة الناس وغذائهم ولكن أيضا لمواجهة التغير المناخى وآثاره الكبرى. ويهدف التركيز على عمليات التحلل والتفكيك إلى الوصول للهدف المسمى تصفير باقى المخلفات أى تكون صفرا مما سيقلل بشدة من الملوثات والأضرار الأخرى المؤثرة على البيئة الطبيعية المحلية ومكنها من البدء فى استعادة التعافى.
ولكن من أين نبدأ؟ ما تقترحه خطتنا هو البدء من المبانى العامة مثل المساجد والمدارس وربما الوحدات الصحية أيضا. وهناك سنبدأ بمعالجة مياه الصرف الصحى باستخدام تقنية تعتمد على استخدام البكتيريا الدقيقة وهى ابتكار قام بتجربته وتطويره أستاذ مجتهد فى المركز القومى للبحوث. وسنستخدم المياه المعالجة فى بعض الاستخدامات التى لا تتطلب جودة مياه يمكن شربها مثل تنظيف المراحيض (يستهلك تنظيف المراحيض نحو ثلث المياه المستخدمة فى البيوت) وسنستخدم جزءا آخر من تلك المياه المعالجة ذات الجودة المقبولة فى رى بعض النباتات والأشجار البرية التى سيتم استعادتها لهذا المكان وهى التى ستعمل على تحسين التربة وقدرتها على امتصاص ثانى أكسيد الكربون بالإضافة إلى توفيرها بيئة حاضنة للحشرات والفراشات وغيرها من المنظومة الطبيعية التى تسهم فى تحسين جودة الهواء والتربة، وتستخدم فى نفس الوقت أقل قدر من المياه.
• • •
يقترح المشروع أيضا تخصيص مكان لتجميع المخلفات العضوية النباتية من المناطق السكنية المحيطة واستخدام الديدان للمساعدة فى تحويلها إلى سماد أو تربة زراعية تستخدم لاحقا لزراعة بعض النباتات الورقية وغيرها فى المكان أو بيعها للمزارعين للمساعدة فى تحسين التربة الزراعية القريبة. ويمثل هذا استفادة كبرى من المياه الداخلة فى إنتاج الطعام أو ما يسمى المياه الافتراضية وهى تقارب ــ طبقا لبعض الدراسات ــ ثمانية أضعاف كمية المياه المستهلكة فى البيوت السكنية.
ولأننا فى برج رشيد حيث معدل سقوط الأمطار أعلى من أماكن أخرى، فاستهدف عمل مشروع لتوليد الطاقة الشمسية على سطح المبنى العام يقوم فى نفس الوقت لحصد مياه الأمطار فى مواسم سقوطها بما يسهم فى توفير مياه يمكن تنقيتها باستخدام مرشح من الرمال ثم استخدامها لرى بعض الزراعات الصغيرة المخصصة للغذاء. كما أننا نستهدف مستقبلا استخدام ابتكار آخر لأستاذ فى كلية زراعة الإسكندرية لتحلية مياه البحر بكميات صغيرة ولكن كافية لتوفير مياه للشرب عن طريق تصميم ابتكرناه منذ عدة سنوات لعمل ما يسمى بالسبيل الشمسى (أى سبيل المياه الذى يدار بالطاقة المولدة من أشعة الشمس).
ما هو مهم فى استخدام المبانى العامة سواء مساجد أو مدارس أو وحدات صحية أنها أماكن يستخدمها الكثير من الناس وبالتالى ستسهم نجاحات التجارب والخبرات المتراكمة عنها فى نشر وتعميم التقنيات المختلفة الناتجة بيسر أكبر. وستهتم خطتنا بتوفير صيانة دورية محلية لتلك الابتكارات لتأمين الجودة ولمنع حدوث مشكلات طارئة على أن تتم تلك الصيانة تحت إشراف دائم لأحد معاهد البحث أو الجامعات القريبة.
سيكون نجاح التجربة بصفة أولية فى أحد تلك المبانى العامة خطوة مهمة لنشرها فى المبانى العامة الأخرى وضم مجموعات سكنية لتلك المبانى تستفيد من زائد الطاقة الكهربية المولدة مثلا. كما سيسمح الاستخدام الكفء للمياه المتاحة التركيز على تحسين جودة المياه الواردة للقرية وهو ما يمثل استثمارا رئيسيا فى صحة السكان بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة من خلال تقليل تلوث التربة وتحسين جودة مياه الرى.
• • •
لدينا أيضا تصور عملى لبدء التصدى للبعد الإقليمى من حيث التشبيك مع مشروع تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية وهو القريب للغاية من برج رشيد، بما يساهم فى البدء فى إنشاء شبكة محلية من النباتات البرية بالتوازى مع تلك الجارى إنشاؤها فى مدينة دمياط الجديدة وهو ما سيؤمن امتدادها للمناطق الأخرى بامتداد ساحل شمال الدلتا والساحل الشمالى الغربى. ولكن هناك بالطبع منظومة المياه الإقليمية والتى ترتبط ببداية الترعة الرئيسة القادمة من خلف قناطر إدفينا وأيضا إدارة قناطر إدفينا ولكن هذا تحدٍ أصعب كثيرا ولكن لا بد من تناوله.
على المستويين الوطنى والدولى هناك عدة تحديات مثل علاقة مصب النهر بمنظومة نهر النيل المركبة وتأثرها الكبير بما يحد ليس فقط على بعد مئات الكيلومترات ولكن أيضا على بعد آلاف الكيلومترات. وهناك أيضا تأثر برج رشيد بما يحدث فى حوض البحر الأبيض المتوسط نتيجة التأثيرات العالمية للتغيرات المناخية وغيرها وهو بعد لا بد من مناقشته والعمل مع الأطراف الدولية لو أردنا بالفعل تحولا متجددا لبرج رشيد. وأتمنى أن أكون قادرا على طرح ونقاش تلك التحديات وكيف نبدأ فى حلها فى أقرب وقت فى شرم الشيخ هذه الأيام.

التعليقات