العلاقات المدنية العسكرية فى مصر - رباب المهدى - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 2:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلاقات المدنية العسكرية فى مصر

نشر فى : الأحد 8 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 8 يناير 2012 - 9:10 ص

هل تعد المطالبة بخروج المجلس العسكرى من الحكم وإشراف السلطة المدنية على المؤسسة العسكرية إضعافًا للجيش أو خطرًا على «الأمن القومى»؟ الإجابة ببساطة هى: لا. فوجود حدود واضحة للمجالات المهنية للجيش (فى حفظ الحدود والدفاع الخارجى) يحرس مجال الحكم من «تعدى» الجيش عليه كما يتيح للجيش إمكانية التركيز فى مهامه الأساسية وأدائها بشكل أفضل. كما أن الرقابة المدنية على القوات المسلحة هى أحد المقومات الأساسية للنظم الديمقراطية. وبما أن التحول إلى نظام سياسى ديمقراطى هو أحد مسارات الثورة المصرية، تصبح قضية المراقبة المدنية على المؤسسة العسكرية أمرا حاسما. وبالتالى ممكن إن تكون إعادة تشكيل العلاقات المدنية العسكرية ذات مكاسب للطرفين.

 

«الرقابة المدنية على الجيش» تعنى حالة حفاظ القوات المسلحة على استقلالها المهنى مع «خضوعها بالتبعية السياسية للسلطة المدنية». ويكون الجيش محافظًا على استقلاليته المهنية بحيث تكون القوات المسلحة قادرة على بسط سيطرتها على قراراتها الداخلية ولا تتحكم فى القرارات السياسية. وفى هذا الصدد، من الضرورى أن نفرق بين الاستقلالية المؤسسية والاستقلالية السياسية. حيث تشير الأولى إلى الاستقلال المهنى للجيش بسبب طبيعة عمله المحترفة. وفى سبيل التطور المهنى للجيش، يؤكد الجيش استقلاليته المهنية من خلال الحفاظ على «وحدته العضوية» والتى تضعه كجزء من وضع المؤسسات. أما الاستقلالية السياسية للجيش فتشير إلى نفور الجيش من المراقبة المدنية أو حتى مقاومتها ليصبح سلطة موازية أو فوق المؤسسات السياسية. وبينما يمثل الجيش جزء من الدولة إلا أنه يتصرف وكأنه فوق السلطة الدستورية للحكومة.

 

ومع هذا لا تعتبر هذه الرقابة أمرا يسيرا ولا يحدث بشكل تلقائى حتى فى أثناء المراحل الانتقالية. فكلما تراكمت السلطات فى يد القوات المسلحة، تصبح أكثر استشراسًا فى الحفاظ على مكاسبها. وكلما ترسخت مصالحهم وزادت قيمتها، كلما قاوموا بقوة نقل السلطة إلى مسئولين منتخبين بشكل ديمقراطى ومؤسسات الدولة. وفى حالات محددة، تمنح المعوقات التى فرضتها الموروثات السلطوية ومسار العملية الانتقالية القوات المسلحة تأثير مستديم على الحكومات الديمقراطية الناشئة. وفى حالات كثيرة يصبح تسليم السلطة من الجيش إلى المدنين أمر شكلى، إذ يتخلى الجيش عن كرسى الرئاسة دون التخلى عن مراكز القوة التى يمتلكها. ويصبح الرحيل الرسمى للجيش من رأس السلطة ليس نهاية لتدخله فى العملية السياسية بل استمرارا لها فى شكل مختلف، وبالتالى استمرارا لإضعافه على المستوى المهنى. وفى أفضل هذه الأحوال يكون الحكم الديمقراطى محدود للغاية ومعرض لإشراف أو وساطة أو تحكيم القوات المسلحة.

 

●●●

 

تفرض الحالة المصرية معضلة حقيقية ليس فقط بسبب تسلم الجيش للسلطة فى ضوء انتفاضة شعبية وليس انقلابًا ولكن أيضًا لما لنظام ما قبل 25 يناير من جذور تاريخية فى الشرعية العسكرية منذ حكم الجيش فى 1952 ثم مع حرب 1973 فيما بعد. وكواحدة من دول ما بعد الاستعمار التى تتشارك الحدود مع إسرائيل، تقوم المؤسسة العسكرية باستخدام مصطلح «الأمن القومى»  ــ دون تحديد أو تعريف لماهيته لشرعنه ممارستها التجارية والقسرية، والإبقاء على امتيازاتها السياسية. والأهم هو أن المؤسسة العسكرية تحمل ملامح متناقضة تجعل من المراقبة المدنية أكثر تعقيدًا.

 

 فمن ناحية هى تُعد مؤسسة أعمال تجارية مترسخة فى الاقتصاد (تساهم بـ25 ــ 40 % من الناتج الإجمالى المحلى) ولكن الأكثر خطورة من ذلك هو ترجمة هذه القوة الاقتصادية فى قاعدة دعم اجتماعية ـ بمعنى أن هناك 400000 مهنى بالجيش وأسرهم والتى يمكن أن تقدر بـ2 مليون مستفيد من الترسيخ الاقتصادى للمؤسسة العسكرية. يمثل هذا أحد أكبر التحديات التى تواجه الرقابة المدنية فى مصر، ليس فقط بسبب الهيكل الاقتصادى المترسخ للقوات المسلحة وحجم المستفيدين منه ولكن أيضًا بسبب كون الطبقة الوسطى المصرية الحالية هى بعيدة عن خط المواجهة مع النظام العسكرى الذى أسس فى عام 1952، حيث يدين قطاع عريض من هذه الطبقة بالولاء لهذه المؤسسة ويقبع هذا القطاع أسيرا لدعاوى تهديد «المصلحة القومية». وكذلك، تبقى المؤسسة العسكرية صندوقًا أسود دون معلومات واضحة عن أفراده أو موازناته أو أنشطته أو أجهزته.

 

وبالرغم من هذا هناك عوامل يمكن أن تقدم فرصة لأول مرة للبدء فى مسار المراقبة المدنية على الجيش. فأولًا، تجرى عملية التحول الديمقراطى تحت ضغط التعبئة الجماهيرية والتى لم يسبق لها مثيل حتى فى الحالات السابقة لأمريكا اللاتينية فى الثمانينيات من القرن الماضى. ومن ثم، فنحن بصدد مسارا مختلفا عن مسار «الانتقال التفاوضى» الذى سلكته هذه البلاد حينما جلس الجيش على طاولة المفاوضات واستطاع أن يؤمن الامتيازات. وثانيًا، فقبل ثورة 25 يناير هز صعود الصفوة الحاكمة الجديدة ــ المكونة من رجال الأعمال ومسئولى الحزب الوطنى الديمقراطى وترسيخ جهاز الأمن الداخلى ــ سلطات المؤسسة العسكرية. وثالثًا منذ صعود الجيش مباشرة للحكم منذ فبراير 2011، أصبح أكثر عرضة للنقد وهزت ممارسته صورة وهيمنة القوات المسلحة «كحامى الوطن» عند البعض ولم يعد من تابوهات السياسة كما كان قبل أقل من عشرة أشهر.

 

●●●

 

يشكل التفاعل بين تلك العوامل المتناقضة بالإضافة إلى الاستراتيجية التى تتبناها القوى السياسية الديمقراطية المحصلة النهائية فى عملية الرقابة المدنية على الجيش. وهى وإن كانت عملية طويلة ومعقدة، إلا إنها أكثر إمكانية الآن من أى وقت مضى. ولكنها تتطلب من القوى السياسية أربعة أشياء على الأقل. أولًا: وجود خطة للمراقبة المدنية على القوات المسلحة. من المرجح ألا تكون المراقبة المدنية مؤسسية إلا إذا ألزم مسئولين منتخبين أنفسهم بممارستها. فظهور صراعات سياسية بين الأحزاب/الطوائف الرئيسية حول الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية فى مصر، والانقسام بين ما يسمى «الإسلاميين» فى مقابل «العلمانيين» يعد من أخطر القضايا المحورية التى استخدمها المجلس العسكرى لتعديل مسار الفترة الانتقالية الديمقراطية. ومن المتوقع أن يستمر فى استخدامها للحفاظ على صلاحيات المؤسسة العسكرية حتى عندما يتم اتخاذ خطوات رمزية نحو انتقال الحكومة. ومن ثم، من الأساسى أن تتفق القوى السياسية (الإسلاميين والليبراليين واليساريين) على الحد من سلطة العسكر وعدم الاحتماء بهم وإستراتيجية للوصول لذلك.

 

 ثانيًا: كسر العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة ومؤسسة القوات المسلحة المصرية، وأن يتم الإشراف على هذه العلاقات وإدارتها من خلال السلطة التشريعية المدنية المنتخبة. ثالثًا: تقلص الصفوة السياسية (مثل المحافظين والقيادات الإدارية) ممن لهم خلفية عسكرية ومأسسة السياسة. فالمراقبة المدنية للعسكر لا تحدث من فراغ وإنما هى أساسًا متعلقة بالتغيرات داخل الهياكل الاقتصادية والسياسية. وفى هذا السياق، يُعد تطور المؤسسات السياسية المستقلة أحد العناصر الأساسية التى تؤثر عليها بشكل إيجابى على الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية (خلافًا للحكم الشخصى). لذلك يمثل أى ضغط لتقوية المؤسسات مثل القضاء والبرلمان والسلطة التنفيذية (المنتخبة) أمر أساسى لتقليص سلطة العسكر. رابعًا: أدت التهديدات التى تواجه الأمن الداخلى (سواء كان إدعاء أم حقيقة) إلى الدور المتزايد للسلك العسكرى (الرسمى) فى الشئون السياسية. ومن ثم، تُعد إعادة هيكلة جهاز الأمن الداخلى وعمله السليم خطوة أساسية لتأسيس الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية.

 

●●●

 

أخيرًا، يجب أن تدرك القوى السياسية أن شرعية وقوة الحكم المدنى تكون فى ذروتها بعد الانتخابات مباشرة وأن هذه الشرعية تتضاعف بوجود حالة التعبئة والحشد والتى نراها فى مظاهرات الميادين مثلما نراها فى حملات النشطاء مثل حملة كاذبون وحملة لا للمحاكمات العسكرية. ومن ثم، يجب أن تستغل اللحظة لا لعقد صفقات مع المؤسسة العسكرية ولكن لتصميم الدستور المقبل وإعادة ترتيب مؤسسات الدولة بشكل يسمح بإدخال هذه المؤسسة ضمن منظومة تحد من صلاحيات العسكر فى دوائر الأمن الداخلى، والسياسة والاقتصاد، وقيادة الدولة، وتبقيها فقط فيما يخص الدفاع الخارجى.

التعليقات