ولكى يعزف الناس عن التفكير الجاد فى أسباب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التى تفرض حصارها على مصر، يكثف الحكم من اعتماده على ثنائية نظريات المؤامرة ووعود الإنجازات القادمة.
أما نظريات المؤامرة، فتتنوع وجهتها فى الخطاب الرسمى بين إعادة تدوير مقولات اتهام وإدانة وتوعد بعض الموصومين تقليديا «بالتآمر» لتهديد مصر وأمنها القومى وإسقاط دولتها، وبين التجديد الجزئى لقوائم «المتآمرين» إن باصطناع «أعداء» لم يسبق الالتفات إليهم أو بادعاء «الخطر الشديد» على أمن البلاد وعلى فرصها فى النهوض والتقدم الذى بات يصدر عن من كانوا فى الماضى القريب مجرد حفنة من «المتآمرين الضعفاء» غير القادرين على الإضرار بمصر.
ومن بين المصنفين فى خانات «المتآمرين الجدد»، يأتى من تتكرر فى الخطاب الرسمى الراهن الإشارة إليهم «كمثبطى الهمم»، و«مضيعى فرص النهوض والتقدم»، و«ناشرى الروح السلبية بين جموع الشعب الطيب»، وغير ذلك من مسميات جوهرها الوحيد الطبيعة المطاطية التى تمكن من إلصاقها بمجموعات صغيرة كبعض كتاب الرأى المستقلين أو بقطاعات مهنية كنخب المال والأعمال أو بكتل سكانية كبيرة كالطلاب والشباب والعمال المحتجين على مظالم وانتهاكات مختلفة. وفى خانات «الأعداء المعلومين الذين زاد أخيرا خطرهم وخطر مؤامراتهم» (طبعا إذ فجأة)، تصنف منظمات المجتمع المدنى المستقلة التى دأب الخطاب الرسمى على تشويهها الزائف بالربط بينها وبين ما يدعى كونه «حروب الجيل الرابع»، ويصنف حقوقيون كالمحامى المحترم نجاد البرعى الذى يجد نفسه اليوم محل اتهام بسبب إعداده لمشروع قانون لتجريم التعذيب والمحامى المحترم جمال عيد والكاتب المتميز حسام بهجت وهما من بين الممنوعين من السفر، ويصنف أيضا صحفيون وباحثون أكاديميون يتعقبون ويهددون ويقمعون ويسجنون بسبب إسهاماتهم النقدية بشأن واقع السلطوية الحاكمة فى مصر ومآلاتها المحتملة على الرغم من غياب حضورهم الواسع فى الفضاء العام.
ولأن نظريات المؤامرة ليست كافية بمفردها لدفع أغلبية المواطنات والمواطنين إلى إعفاء الحكم من المسئولية عن الأزمات المتراكمة وإلى العزوف عن التفكير فى الأخطاء التى يتورط بها الحكم فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفى الجرائم والمظالم والانتهاكات التى ترتكب يوميا، يكثف الحكم إيضا من الترويج لوعود الإنجازات القادمة التى ستغير من «وجه الحياة» فى مصر.
تبلغ الاستدانة المحلية للحكومة والعجز فى الموازنة العامة معدلات كارثية وتعوق أزمة العملة الأجنبية من الإدارة اليومية لقطاعات اقتصادية ومالية وخدمية حيوية، والخطاب الرسمى يمتنع عن طرح سياسات محددة لمواجهة هذه الأزمات ويكتفى بالإشارات المتواترة إلى «الإنجازات التى تحققت» وتلك «التى على طريق التحقق» والثالثة التى «فى طور الإعداد» لإسعاد المصريين. غير أن الواقع المرير وإدراك أعداد متزايدة من الناس للحقائق المحيطة بالأخطاء التى يرتكبها الحكم فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى لا تشارك غير دوائر الحكم فى صناعتها، يرتب الاعتماد المتصاعد للخطاب الرسمى على نداءات «الصبر وعدم فقدان الأمل والامتناع عن التشكيك» فى الحكومة. ووراء ذلك، فى حقيقة الأمر، قراءة رسمية غير موضوعية وغير واقعية تتجاهل أن الثقة الشعبية فى الحكومة تنهار ليس لأن الناس اختاروا بوعى التشكيك فى الحكم، بل لأنهم يعيشون فى أزمة خانقة ويرون أخطاء ونواقص السياسات الحكومية.