«إنت اللي قتلت بابايا» - محمود قاسم - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 12:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«إنت اللي قتلت بابايا»

نشر فى : الجمعة 8 أبريل 2022 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 8 أبريل 2022 - 8:35 م

ما أظلم الكاتب وهو يسعى إلى مخاطبة الذوق المتدنى للناس، فيكتب لهم أعمالا بلا أى قيمة فنية، بل إنها تساعد على تفشى أورام النشاذ فى ذائقتهم، بينما يتصور الكاتب أن قبول الناس على هذه البضاعة العفنة نجاحا فيتمادى فى كتابة أعمال أخرى لا تقل رداءة عما قدمها فى المرة الأولى. 

 وما أظلم الناقد حين يكتب للناس عن القيمة الحقيقية لأى عمل فنى فيصدم القارئ ويستخدم كل ما لديه من ألفاظ رفض دفاعا عن ذائقته المتدنية، هذا الخاطر أصابنى وأنا أشاهد فيلم «إنت اللى قتلت بابايا» مرة جديدة، وهنا أصابتنى حالة من الانزعاج والامتعاض وأنا أستسخف نفسى أننى ضحكت فى المرات السابقة التى شاهدت فيها هذا الفيلم ورفاقه، المقصود بالرفاق هنا مجموعة من الأفلام مأخوذ أغلبها عن مسلسلات إذاعية كانت تذاع فى الإذاعة المصرية إبّان الستينيات، خصوصا فى شهر رمضان من أبرزها (العتبة جزاز، شنبو فى المصيدة، أشجع رجل فى العالم، رضا بوند)، وغيرها هى مسلسلات كوميدية قام ببطولتها فؤاد المهندس وأمين الهنيدى ومحمد رضا، وفى هذه المسلسلات كانت شويكار هى البطلة المشتركة، وهى صاحبة العبارة الثقيلة (آه يابابايا)، التى كانت تكررها كثيرا بصوتها المتناغم من أجل إحداث التأثير المقصود. 

كانت فترة عصيبة من تاريخ مصر قبل النكسة وبعدها، فعلى مدى ثلاثين يوما يتابع المستمعون هذه الأعمال، وقبل مرور عام بحلول رمضان التالى يكون الفيلم المأخوذ عن العمل يكون قد ظهر فى قاعات السينما من بطولة نفس الطاقم وإخراج حسام الدين مصطفى وحسن الصيفى ونجدى حافظ وغيرهم، أى أن دراما الإذاعة التى تستغرق سبع ساعات تتحول إلى عمل سينمائى مدة عرضه مائة دقيقة على الأكثر، هذه الأفلام صنعت ظاهرة تجارية ناجحة أفرزت عن أربعة وعشرين عملا جمع بين المهندس وشويكار وحدهما، بالإضافة إلى الأعمال الأخرى الموازية. 

الخاطر الذى دفعنى للكتابة هنا هو نوع الفيلم الكوميدى الذى تسيَّد هذه المرحلة، فشتان بين الأفلام الأسبق فى السينما الكوميدية التى كان يقدمها فطين عبدالوهاب وأحيانا نيازى مصطفى، وبين تلك الأعمال التى كان يكتبها أحمد رجبو انور عبدالله باعتبار أن فطين قد قدم لنا دوما كوميديا راقية، مهما كان النجم الذى يعمل معه، ومن أبرزهم إسماعيل يسن ثم رشدى أباظة وفريد شوقى ولبنى عبدالعزيز وشادية، وفى بعضها كان فؤاد المهندس يتدرج من أدوار قصيرة إلى البطولة المطلقة، وشتان بين فيلم يجمع بين الثنائى مثل (اعترافات زوج) وبين فيلم (انت اللى قتلت بابايا)، حيث يتسم الفيلم الأول بالبهجة العائلية والرصانة الاجتماعية، وقد تكرر ذلك فى فيلم آخر هو (أنا وهو وهى)، قبل أن يتسلم مخرجون آخرون ذلك الئنائى، لنشاهد ما ينطبق عليه بالفيلم التهريجى، ومنها (هارب من الزواج، واقتلنى من فضلك، وعالم مضحك جدا)، وبكل ثقة يعود فطين عبدالوهاب ليقدم فيلما لا ينسى للثنائى باسم (أرض النفاق)، لا أعرف شخصيا كيف يوافق ممثل موهوب وزوجته على العمل فى مثل هذا الفيلم الأخير، ثم يعودان مرة أخرى لتأصيل السذاجة والتفاهة والتهريج فى الأفلام التالية (مراتى مجنونة مجنونة وربع دستة أشرار).

بدت حالات من الانفصام الفنى تنتقل بين الأنواع المختلفة فى الدراما التى يعلن بها الزوجان ففى النهار يقومان بالعمل فى مثل هذه الأفلام وفى الليل يقومان بتجسيد شخصيات مضحكة بشكل حقيقى فى مسرحيات منها (سيدتى الجميلة وأنا وهو وسموه وحواء الساعة 12)، رغم ان الظروف الاجتماعية واحدة وهى فترة ما بعد النكسة، وقد كنت شاهدا على الزحام الشديد على هذه الافلام فى قاعات السينما الدرجة الثانية، ما يعنى ضخامة إيرادتها والدليل أنه كانت هناك ثلاثة أفلام منها على الأقل كل عام يضاف إليها بعض العناوين التى ذكرناها من بطولة أمين الهنيدى ومحمد عوض ومحمد رضا الذى كان يتعمد الإضحاك عن طريق (كعبلة) اللهجة العامية وهى إحدى المراحل السيئة جدا فى تاريخنا اللغوى العامى. 

أشعر أننى قلت دفقة ما أشعر به وأنا أتمنى إعادة قراءة هذا التاريخ ومحاكمته مثلما دعوت من قبل إلى محاكمة ظاهرة مدرسة المشاغبين على الشاشة، ولكن يبدو أنه لا أحد يهتم برصد هذا التاريخ الحى الذى لا يموت.

التعليقات