فريد شوقى ظاهرة فنية متفردة، ليس فقط كممثل متنوع الأدوار، بل هو الوحيد الذى أتاح له الزمن طوال نصف قرن أن يقوم بإعادة تجسيد أكثر من خمس شخصيات قام أساتذته لتقديمها فى العقود الوسطى من القرن العشرين، وهم عباس فارس، وأنور وجدى، وذكى رستم، وحسين رياض وآخرون. لقد حضر شوقى دوما تصوير أفلام قام ببطولاتها هؤلاء النجوم وهم فى أوج مجدهم، كانت نصوصا شامخة أغلبها مأخوذ من الأدب العالمى ويبدو أن الأحلام كانت تطارد الممثل أن يجسدها، حتى يمكنه قياس موهبته هو قياسا إلى الأدوار العظيمة التى جسدها العظماء، أول هذه الأفلام هو «البؤساء» المأخوذ عن رواية فيكتور هيجو وهو العمل التى تهافت عليه المخرجون كثيرا فى كل أنحاء العالم، إنه جان فالجان اللص الصغير الذى قضى فى السجون الفرنسية سنوات طوال وكلما حاول الهرب حُكم عليه بزيادة مدة السجن، أما الضابط جافير فقد كرس حياته كلها للإيقاع بهذا اللص وإعادته إلى الحياة.
لم يتصد لهذا اللص الذى أصبح بالغ الثراء سوى الشامخ عباس فارس وسراج منير فى الفيلم الذى صنعه كمال سليم عام 1943، وبعد أربعين عاما رأينا فريد شوقى يقدم نفس التجربة فى فيلم بنفس الاسم إخراج عاطف سالم عام 1979، هناك مسافة واسعة بين أداء فارس وشوقى فى الفيلمين، هناك نفس المسافة بين سراج منير وعادل أدهم، رغم أن عاطف سالم من صناع السينما الجيدة.
الفيلم الثانى هو «أمير الانتقام» إخراج بركات عام 1950 ومعه أيضا سراج منير فى دور النائب العام حول حسن الهلالى الذى يدخل معتقل المغول بوشاية من أربعة أشخاص ويقضى هناك عشرين عاما ليخرج ويحصل على ثروة تمكنه من الانتقام ممن أدخلوه السجن، وقد جسد فريد شوقى دور أحد الوشاة وبعد هذا التاريخ بأربعة عشر عاما قام بركات بإعادة إخراج الفيلم تحت عنوان «أمير الدهاء»، بطولة مجموعة من أبناء جيل الستينيات ورغم جودة الفيلم إلا أن المقارنة كانت فى صالح الفيلم الأول.
تم عمل فيلم «عائشة» عام 1953 إخراج جمال مدكور وبطولة فاتن حمامة بائعة اليانصيب التى يؤجرها أبوها الفقير إلى رجل ثرى فتصبح تلميذة متميزة وتنتقل إلى طبقة اجتماعية أعلى، وفى لحظة طيش يقوم والد عائشة باستعادة ابنته إلى عالم الفقراء فتكون الصدمة، فى هذا الفيلم قام ذكى رستم بدور الأب الذى فقد كل مشاعر الإنسانية، ويبدو أن هذا الدور أعجب فريد شوقى وفى الثمانينيات قام بأداء هذه الشخصية فى فيلم باسم «رجب الوحش» عام 1985 للمخرج كمال صلاح الدين، وللأسف الشديد فإن المخرج قد سحب بساط المجد من تحت أقدام فريد شوقى صاحب التاريخ الطويل جدا، أما حسين رياض فهو أبو السينما المصرية فى الخمسينيات الأكثر حنانا ورسوخا ولا يمكن أن ننسى أدواره فى أفلام منها «غضب الوالدين» و«بائعة الخبز» ولقد وضع فريد شوقى عينيه على الفيلم الأول فى عام 1976 وأعاد شخصية الأب الذى يعمل ساعيا فى إحدى المصالح الحكومية ويشعر بالسعادة حين يتم تعيين ابنه فى وظيفة مرموقة بالشركة نفسها، إلا أن الابن يسبح فى بحر الفساد والطموح الاجتماعى فيتزوج زواجا غير مناسب ليكون مصيره السجن.
هذه أشهر النماذج التى حول فريد شوقى تقديمها تحية لأساتذته، وبصراحة فإن المسافة كانت تزداد بين الأساتذة والتلميذ من فيلم لآخر، علما أن كل هذه الأعمال كانت بطولات مطلقة تشهد على سنوات النضج لنجمنا المحبوب.