..والجمعيات الدينية! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 2:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

..والجمعيات الدينية!

نشر فى : الإثنين 9 يناير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 يناير 2012 - 9:05 ص

من أهم أوجه النقد التى وجهت إلى العملية التى استهدفت مداهمة المنظمات الحقوقية المدنية، المصرية والدولية، أنها اتسمت بالمباغتة وعدم التوازن والتفرقة فى المعاملة.. فقد جرى التركيز على المنظمات الحقوقية المدنية، ولم تتعرض الحملة للجمعيات والمنظمات الدينية التى تتلقى أموالا وتبرعات من الخارج. من دول عربية وغير عربية. ولأغراض شتى يصعب حصرها.

 

والثابت أن الأغلبية العظمى من المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية، لم تكن تعتمد على نفسها فى جمع التبرعات أو الاشتراكات من مصر، ولكنها اعتمدت بالدرجة الأولى على الأموال والتبرعات الكبيرة التى تأتيها من الخارج، وبالأخص للجمعيات الخيرية التى تسيطر عليها تنظيمات أو جمعيات إسلامية تنتشر فى أنحاء الجمهورية. وهى فى ذلك لا تختلف عن المنظمات الأمريكية الثلاث التى تعرضت للتحقيقات القضائية. وهى المعهد الجمهورى والمعهد الديمقراطى وفريدوم هاوس التى تحصل على ميزانياتها من الأحزاب أو من الحكومة الأمريكية مباشرة.

 

بعض هذه الجمعيات كانت لديه تراخيص قانونية. والبعض الآخر كان يعمل فى منطقة رمادية بين القانون والعرف. وبعضها تحايل على القانون وتجاوز بنشاطه حدود الترخيص الذى حصل عليه.

 

من هنا يصبح من الضرورى أن توضع المنظمات الدينية والجمعيات الخيرية أيضا فى نطاق التحقيقات الجارية. خصوصا وأن كثيرا من الجمعيات الدينية تمارس أنشطة غير دعوية أو دينية صرفة. وفى كثير من الحالات لم تعد هذه الجمعيات مجرد جمعيات خيرية، بل دخلت الأبعاد السياسية والطائفية إلى انشطتها. ولعلنا نلاحظ كيف تحولت ممارسات بعض الحركات السلفية إلى أهداف سياسية. ويكفى أن نسمع فجأة وبشكل غامض عن «جماعة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» أعلن عن انشائها أخيرا. دون تحديد هوية القائمين عليها ومرجعيتهم ومصادر شرعيتهم. وما إذا كانت هذه الجمعية ــ التى أعلن الأزهر عدم اعترافه بها ــ قد حصلت على ترخيص بالعمل؟ وما هى مصادر تمويلها التى سوف تمكنها من تعيين موظفين متطوعين يحصلون على رواتب 500 جنيه فى الشهر؟ بل وأصبح من حقها استيراد شحنة صواعق كهربائية يستخدمها المتطوعون!

 

من الضرورى أن يتسع نطاق التحقيقات القضائية، ليشمل التفتيش على الجمعيات الدينية ذات البعد السياسى مثل «الإخوان المسلمين»، والجمعيات التى تتلقى الهبات والتبرعات من الخارج.

 

لقد كانت المشكلة منذ البداية، وقبل أن تبدأ هذه التحقيقات هى غموض التشريعات والقوانين التى تنظم قيام جمعيات ومنظمات المجتمع المدنى، سواء بالنسبة للجمعيات الدينية والخيرية أو بالنسبة للمنظمات الحقوقية المدنية التى تعمل فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات، أو بالنسبة للنوع الثالث من المنظمات الدولية التى تعمل فى مجال تعزيز الديمقراطية. وحيث تغيب الشفافية فلابد من أن يكون عمل هذه المنظمات خاضعا لبروتوكولات واتفاقيات دولية تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل!

 

إن وضع تشريع محكم لتنظيم نشاط الجماعات الحقوقية والدينية، سوف يقضى على ظاهرة «دكاكين» حقوق الإنسان التى تحصل على أموال لا يعرف أحد وجوه انفاقها. ويمكّن المنظمات التى بذلت جهودا مخلصة فى الدفاع عن حقوق الإنسان والكشف عن الانتهاكات التى طالت الحريات وأغمطت حقوق المرأة، من الحصول على التمويل بطرق مشروعة وفى جو من الشفافية بما يمكنها من مواصلة نشاطها دون عوائق أو اختناقات، وإطلاق حريتها فى النهوض بالمجتمع المدنى!

 

إن الاهتمام الدولى الذى قوبلت به الإجراءات القضائية، يدل على مدى ما تعلقه هذه الدول من أهمية على هذه المنظمات التى تعمل بالتعاون مع أجهزة الشئون الخارجية فى أمريكا وأوروبا. ولم تكن المشكلة بالنسبة لهذه المنظمات هو تكميم الأفواه كما رددت بعض الانتقادات. ولكن الدور الذى تقوم به فى إطار استراتيجية سياسية وأمنية تحدد طبيعة العلاقات بين أمريكا ومصر. والإبقاء على طرق التواصل والتفاهم مفتوحة. ولا يستطيع أحد أن ينكر ما تقوم به هذه المنظمات من جهود فى مشروعات تنموية وسياسية مختلفة.. ولكن المطلوب أن تعمل فى الضوء وفى ظل القوانين السائدة!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات