لعبة الحرب والسلام - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لعبة الحرب والسلام

نشر فى : الثلاثاء 9 فبراير 2010 - 9:56 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 9 فبراير 2010 - 9:56 ص

 لم يعد بوسع أى دولة عربية أن تواجه عصا التهديد الإسرائيلية، التى أخذت تفرض سطوتها على الجميع. وباتت أى كلمة تهديد بإسقاط الحكم والحكومة فى أى دولة عربية كافية لإبداء الخضوع والإذعان لما تمليه إسرائيل.

فعندما اتهم الرئيس السورى بشار الأسد إسرائيل بأنها تدفع الشرق الأوسط نحو حرب جديدة وترفض مساعى السلام، جاء رد أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية سريعا بأن إسرائيل قادرة على الإطاحة به وبأسرته. وطالب سوريا بأن تتخلى نهائيا عن الأمل فى استعادة الجولان.

ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تتحرش فيها إسرائيل بالدول العربية المجاورة.. فالتوتر الدائم على حدودها الشمالية مع لبنان حيث لا تتوقف الطائرات الحربية الإسرائىلية عن الإغارة عليها بدعوى تعقب عمليات تهريب السلاح لحزب الله، بما يمثل تهديدا لأمن إسرائيل، الأمر الذى دعا المسئولين اللبنانيين إلى البحث عن ضمانات أوروبية من فرنسا وأمريكا للحيلولة دون تكرار ما حدث فى حرب تموز 2006.

وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن أجواء الحرب التى تشعلها إسرائيل ليست مجرد حرب كلامية من طرف إسرائيل مُغتر بقوته واعتماده المطلق على التأييد الأمريكى والأوروبى، اللذين اتخذا موقفا سلبيا من عرقلة إسرائيل لعملية السلام ورفضها تجميد الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات مع حكومة أبومازن. بل إن بعض دول أوروبية مثل ألمانيا بادرت إلى تشجيع إسرائيل بالموافقة على إمدادها بعدد من الغواصات النووية.. حصل عليها نتنياهو أخيرا أثناء زيارة رسمية ومحادثات سرية مع أنجيلا ميركيل المستشارة الألمانية.

ومن الواضح أن التأييد المادى والمعنوى الذى تحصل عليه إسرائيل، يرتبط ارتباطا وثيقا بالدور الذى تلعبه فى الشرق الأوسط، وتشجعه أمريكا وأوروبا بحجة الضغط على إيران ومواجهة طموحاتها النووية، وقد استقر فى قناعة كثير من السياسيين الأوروبيين، ابتداء من ساركوزى إلى ميركيل وحتى بيرلسكونى أن البلطجة الإسرائىلية يمكن أن تدفع إيران إلى قبول الحلول الوسط التى عرضتها مجموعة الدول الست لمعالجة الملف النووى وإقناع إيران بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم. ومن هنا تبدو أجواء الحرب وما يلفها من تراشق بالتهديدات بين إسرائيل وإيران، لتخويف سوريا وحزب الله وحماس، جزءا من ظروف يجرى نسج خيوطها فى المنطقة لأغراض متباينة.

وفى هذا الإطار فإن عددا من الدول العربية الغافلة قد سقطت فيما يبدو فى شبكة الخداع الأمريكية ــ الإسرائيلية، فأصبحت تبصر الخطر النووى الإيرانى بعيون أمريكية. وتقدم احتمال حصول إيران على التكنولوجيا النووية، على خطر امتلاك إسرائيل لترسانة تضم 200 رأس نووية بالفعل. فإذا بقواعد الصواريخ الأمريكية تنتشر فجأة فى أربع دول عربية مجاورة لإيران هى قطر والإمارات والكويت وعمان. وبعد أن كانت هذه الدول تخشى من أن تصبح ميدانا للحرب، إذا بها تتخلى عن سيادتها لتصبح قاعدة عسكرية أمريكية لحرب قادمة، دون أن تتعلم شيئا من رأس الذئب الطائر الذى أدى إلى تدمير أفغانستان وباكستان والعراق.

تلعب إسرائيل لعبة السلام بنفس الدهاء والخداع الذى تلعب به لعبة الحرب. وهى تخاطب كل دولة عربية باللغة التى تحبها.. فهى تدغدغ مشاعر المصريين بالزيارات واللقاءات الزائفة التى لا يكف المسئولون الإسرائيليون عن القيام بها فيما يشبه «هجوم السلام». ومثل طابور من الماعز يصل بيريز إلى مصر يعقبه نتنياهو ثم إيهود باراك فى مسلسل مريب، يتحدثون فيه عن عشق إسرائيل للسلام ويعزفون النغمة التى تشنف أسماع البعض فى مصر بأن نتنياهو رجل سلام، وأنه غير جلده وأصبح على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة من أجل تسوية سلمية عادلة. وفى كل هذه اللقاءات تطرح أفكارا تافهة دون مواقف قاطعة يعاد إنتاجها للتخدير والتغطية على النوايا الحقيقية لإسرائيل. وهى نوايا تترجم كل يوم على أرض الواقع، بالمزيد من بناء المستوطنات والتوسع فيها، وتشديد الإجراءات لحصار وتهويد القدس، إلى اغتيال الناشطين الفلسطينيين وتعقبهم فى كل مكان حتى ولو فى قلب عاصمة عربية كما حدث أخيرا فى دبى.

وأخيرا، يتجسد الكابوس الإسرائيلى الذى ظل يطارد أحلام اليهود قرونا طويلة.. فلا تكتفى إسرائيل بإقامة جدار الفصل العنصرى فى الضفة الغربية بينها وبين الأراضى الفلسطينية بعد التهام أجزاء منها، ولكنها تشرع فى بناء جدار إلكترونى على الحدود بينها وبين مصر، مزودة بكاميرات تصوير ورادارات وأجهزة للاستشعار. وبعبارة أخرى فهى تتصرف تصرف العصابات التى تتمترس خلف حواجز منيعة من كل اتجاه.. دليلا على خوفها من السلام ورفضها لالتزاماته، وسوء نواياها تجاه جيرانها.. وعزمها الذى لا تبذل أدنى جهد فى إخفائه، على تحين الفرصة الملائمة للاستيلاء على ما تخطط للاستيلاء عليه، بنفس الطريقة التى حاولت بها الانقضاض على الشمال اللبنانى، استكمالا للحلم الصهيونى بالعودة إلى أرض المعاد.

وهناك اتصالات تجرى حاليا لما يسمى بتحريك عملية السلام.. هذه العبارة المبتذلة، التى لا يقصد بها غير الإبقاء شكلا على العملية السياسية، دون أن تكون هناك بالضرورة حاجة لتغيير الأوضاع الفلسطينية على أرض الواقع. المهم هو الحفاظ على أمن الدول العبرية وإبقاء الفلسطينيين تحت وهم العمل على قيام الدولة الفلسطينية وإنهاكهم فى خلافات ومنافسات داخلية، تغيّب الشعوب العربية عن نفسها وعن حكامها!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات