كلهم طلاب سلطة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 11:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلهم طلاب سلطة

نشر فى : السبت 9 يونيو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : السبت 9 يونيو 2012 - 8:25 ص

فكرت وقدرت كثيرا فيما حفلت به الأيام الأخيرة من أحداث، وما زخرت به الصحف من مقالات وتعليقات ملأت الميادين بالمظاهرات والمليونيات فى أعقاب صدور الأحكام بالمؤبد على الرئيس السابق ووزير داخليته، والتى جاءت متزامنة تقريبا مع لحظات احتضاره، ومع النتائج الملتبسة التى أسفرت عنها الانتخابات الرياسية.. فلم تقطع للفائز بفوزه ولا للمهزوم بهزيمته.. فأدركت كم يصعب على المواطن العادى فى مثل هذا العالم الذى يموج بالأحداث والمتناقضات، أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.. مصر كلها تغيبها حالة من الضباب المعتم. وقد ظننت أن رؤية المشهد على حقيقته تتطلب أن يبتعد المرء قليلا لكى يرى كثيرا. وأن الارتفاع فوق الهضبة قد يكشف التفاصيل والزوايا غير المرئية. وربما يدرك المرء أن الانغماس فى الأحداث اليومية والتفاصيل الجزئية هو الذى يعمى الكثيرين عن رؤية الحقائق وفرزها!!

 

ربما يكون هذا تبريرا كافيا للغياب عن مسرح الأحداث طوال الأسبوع الماضى. وأعترف مع ذلك بأننى عدت أكثر عجزا عن فهم الصورة أو عن تبرير ما يحدث. بل إن الأمور زادت ارتباكا وخلطا. وبدا أن خيوط الكرة كلما حاولت فكها زادت تعقيدا وتشابكا. فقد اتضح أن قيادات النخبة التى رشحت نفسها لمنصب الرئيس، فشلت فى فهم واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية.. كلهم طلاب سلطة. يبحثون عن موقع يظنون أنهم فيه قادرون على الأمر والنهى وسوق القطيع فى أى اتجاه. وحين ظهرت نتائج الجولة الأولى وفاز مرسى وشفيق بأعلى الأصوات لأسباب يستحقونها أو لا يستحقونها، رفض الخاسرون التسليم بالنتيجة. واتضح أن جماهير الغوغاء والمشجعين التى تقلب ملاعب الكرة رأسا على عقب إذا فشل فريقها، لا يختلفون عن مئات الألوف من الناخبين الذين خرجوا إلى ميدان التحرير يطالبون بتمكين الصباحى وأبوالفتوح من الانضمام مرة أخرى إلى السباق وحذف مرسى وأحمد شفيق، فى صورة مجلس رياسى يقتسم فيه الفائز والخاسر مقاليد السلطة. وهو قمة العبث بمفهوم الديمقراطية. لا يقل عنه عبثا ذلك النزال الوضيع الناشب بين مرسى وشفيق والذى استخدمت فيه الأساليب النابية إلى حد تكسير العظام!!

 

لماذا نطلب من الشعب أن يحترم القانون وأحكام القضاء، وينصاع لمنطق العدالة إذا كانت قياداته التى هتف لها قد أعمتها شهوة السلطة ولم تعد تفرق بين الحق والواجب، وتجد من بين الكتاب والسياسيين من يساند أهواءهم ورغباتهم!

 

لقد انعكس ذلك بوضوح على الأحكام التى أصدرتها محكمة الجنايات ضد الرئيس المخلوع ووزير داخليته بالسجن المؤبد.. فانطلقت مشاعر الغضب والاحتجاج ضد هذه الأحكام. بعض الغضب ناشئ من أن الأحكام لم تصل إلى عقوبة الإعدام. وبعضها لأن مساعدى الوزير وزبانيته ومنفذى أوامره قد أعفوا من العقوبة لأسباب وجدها القاضى غير كافية لإدانتهم.

 

وعلى الرغم من أن حيثيات الحكم أكدت أن أوراق القضية خلت من أدلة إدانتهم، فقد نصب كل واحد فى الشارع نفسه قاضيا ورجل قانون يفهم ويفتى فى أدق تفاصيل القضية. وكما طالبت المليونيات بإعادة الانتخابات وتطبيق قانون العزل على شفيق، طالبت نفس الجموع بإعادة محاكمة مبارك، وتوقيع عقوبات تشفى الغليل، أو عقد محاكمات ثورية ترتد بنا عن شرعية القانون إلى شرعية الثورة وقانون الغاب.

 

سوف تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الأغلب خلال أيام فى دستورية قانون العزل السياسى، ويقفز الكثيرون إلى نتائج مؤداها أن رأى مفوضى الدولة سوف ينتهى إلى خروج شفيق من السباق. وإعادة النظر فى شرعية انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب الذين انتخبوا بالطريقة الفردية وزاحموا المستقلين على المقاعد المخصصة لهم. وهو ما قد يقلب الصفحة ويعيد قراءة المشهد.

 

ومن هذا المنطلق ظهر إصرار الإسلاميين على الوقوف فى وجه المحاولة التى يبذلها المجلس العسكرى، من خلال المهلة التى أعطاها للقوى السياسية للاتفاق على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وإلا اضطر إلى إصدار «إعلان الدستور المكمل» طبقا للمادة 60. وهو أمر كان منتظرا.. أن يتدخل المجلس لإنجاز هذه المهمة قبل انتخابات الإعادة. وهو ما يرفضه الإسلاميون فى مجلس الشعب ويرون فيه اعتداء على حق أصيل من حقوق المجلس، على الرغم من فشلهم المتكرر فى التوصل إلى توافق مع القوى السياسية الأخرى.

 

من الواضح أن مصر تمر بساعات حرجة.. تتشابك فيها الأحداث وتفضى إلى بعضها البعض، لتعكس صورة مظلمة لشعب منقسم على نفسه لا يعرف أين سينتهى به الطريق؟!

 

ألا من يرينى غايتى قبل مذهبى.. ومن أين والغايات بعد المذاهب!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات