يناير 2013 موعد الأمريكيين لإصلاح الخطأ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يناير 2013 موعد الأمريكيين لإصلاح الخطأ

نشر فى : الخميس 9 ديسمبر 2010 - 10:50 ص | آخر تحديث : الخميس 9 ديسمبر 2010 - 10:51 ص

 
عنوان هذا المقال مكتوب على «تى ــ شيرتات» توزع فى أمريكا، والمقصود بهذا الموعد (يناير 2013) دخول رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية البيت الأبيض ولقد لاقت هذه الدعاية انتشارا ضخما بين الشباب.

من المعروف أن الشباب الأمريكى كانوا هم السند الأعظم فى فوز باراك أوباما بالرئاسة، والسؤال هو ما الذى حدث فى السنتين الماضيتين أدى إلى إحباط من أيد أوباما فى الوصول إلى سدة الرئاسة؟ ولماذا فقد أوباما بريقه لدى الشباب؟ وهل من طريق لإعادة البريق إلى أوباما؟.

لنبدأ بالإجابة عن السؤال لماذا فقد أوباما بريقه؟ فى اعتقادى أن أوباما جاء فى ظرف تاريخى خاص كانت فيه الولايات المتحدة تتطلع إلى رئيس يعيد إليها المصداقية ويذكرها بالمبادئ التى قامت عليها، وهى الليبرالية والديمقراطية والمساواة، بعد أن أنساها جورج بوش كل هذه المبادئ، فجورج بوش سليل عائلة أمريكية من العائلات المؤسسة لأمريكا مثل عائلة كنيدى وروزفلت.. إلخ، وهو أبيض انجلوسكسونى راعى بقر أصيل له حماقاته وتهوراته، ولم تكن إعادة انتخابه لفترة ثانية إلا لإحساس الأمريكيين بعدم الأمان وتهديد الإرهاب الإسلامى لأمريكا، وقد تنفس الأمريكيون الصعداء بعد انتهاء مدته الثانية لذلك رفضوا جون ماكين الجمهورى، لأنه صورة طبق الأصل من جورج بوش فهو جمهورى أصولى، وتطلعوا إلى الشاب الأسود الديمقراطى الذى أعطى أملا قويا للشباب بشعاراته البراقة وخاصة نعم نستطيع (Yes we can) وقد أيده الشباب الأمريكى لأنه يمثل أملا للأجيال الجديدة وقد كان لقدرته الخطابية وتعليقاته وقع السحر على مستمعيه لكن بعد سنتين لم يجدوا بين أيديهم سوى هذه الخطابات، حتى إن البعض نصحه بأن يكون واعظا كنسيا وسوف يكون نجاحه اكبر، وهو نفس ما حدث مع الدول الإسلامية حيث قام بزيارة تركيا ومصر وكل ما فعله انه قدم خطابات حماسية بشعارات براقة عن الإسلام الصحيح وعن إدراكه أن هناك فرقا بين الإسلام الصحيح والإرهاب، وانه سوف يتعامل مع الإسلام الصحيح وليس مع الإرهابيين.. الخ، ووعد بإغلاق سجن جوانتانامو وحل القضية الفلسطينية، ولكن بعد سنتين لم تجد الدول العربية والإسلامية بين يديها سوى الخطابات ولم يتحقق شىء على ارض الواقع.

أما السبب الثانى لفقدانه بريقه فهو أن هناك فارقا ضخما بين الكاريزما الشخصية والحنكة السياسية، فلا شك أن أوباما يتمتع بكاريزما شخصية عالمية لكنه فى الاختبار العملى للسياسة لم يستطع أن يقدم شيئا ذا قيمة حقيقية وافتقد رد الفعل الواعى والسريع فى بعض المواقف والتى كان يمكن من خلالها أن يستكمل مسيرته بقوة، ومن ردود فعله المتسرعة وغير المحسوبة انه علق على فوز قطر بمونديال 2022 قائلا: «إنه قرار خاطئ» وكان يجب أن يكون رد فعله تهنئة لقطر تشجيعا لها رغم هزيمة أمريكا أمامها.

صحيح أن أوباما حقق مشروع التأمين الصحى والذى لم يستطع من سبقوه منذ عهد ريجان تحقيقه وهذا المشروع سوف يغطى جميع الأمريكيين صحيا إلا أن مراكز القوى وأصحاب النفوذ وكبار الرأسماليين كانوا دائما هم السبب فى عرقلة هذا المشروع، لأن تمويله سيكون على حسابهم أو من الضرائب المتصاعدة، ولم يصل أوباما معهم إلى حل وسط ولم يتفاوض معهم ليرى إبعاد القضية، كذلك لم يقم بالإعلان الكافى عن أهمية المشروع، صحيح أن المشروع كان أملا للملايين، لكن هؤلاء الملايين لم تدخل جيوبهم أموال وبالتالى لم يتحمسوا بالطريقة الكافية، وهو ما أدركه كلينتون، فى ظروف مشابهة فلقد ركز كلينتون بعد هبوط شعبيته وخسارة الديمقراطيين فى التجديد النصفى للكونجرس على كيفية ملء (محفظة) المواطن الأمريكى بالمال، وهو الشعار الذى رفعه كلينتون عندئذ وحققه فأعيد انتخابه.

رغم أن مشروع أوباما أفضل على المدى الطويل، لكن رجل الشارع لن يحس به على المدى القصير، أما الشائعات التى أطلقت على أوباما مثل انه ليس من مواليد أمريكا، وليس له شهادة ميلاد أمريكية، ثم انه اشتراكى شيوعى، ثم هو مسلم متخف، كان يمكن ببعض الحنكة السياسية أن يجعل هذه الشائعات سببا فى زيادة بريقه وذلك لو انه اقنع الناس انه ضحية لافتراءات البعض، وان الجمهوريين يريدون تحطيمه ثم يعلن عن شهادة ميلاده التى استخرجها من هاواى وانه لم يتنازل عن المبادئ الأمريكية الأصيلة من حقوق الإنسان والديمقراطية والرأسمالية، والتى بناها المؤسسون على مبادئ الكتاب المقدس، وهذا الأسلوب هو الذى جعل كلينتون ينجح فى اجتياز محنته مع مونيكا فقد ظهر أمام الجمهور باعتباره ضحية رغم أن ما نسب له لم يكن مجرد شائعات بل حقائق لكنه بحسب مبادئ الكتاب المقدس اعترف أمام العالم بخطيئته وطلب الغفران من شعبه ولم ينكر ما فعله، ذلك لأن الكذب فى الحضارة الأمريكية أبشع كثيرا من الزنى لأن الكذب يضلل العدالة وهو ما حرم نيكسون من مقعد الرئاسة فى فضيحة ووترجيت، وقد استخدم كلينتون عبارة صاغتها له هيلارى وهى محامية مفوهة (انه كانت هناك علاقة غير لائقة مع مونيكا) وقال هذه الكلمات بكاريزميته وبتأثر واضح مما جعل الشعب الأمريكى يتعاطف معه، وهكذا حول كلينتون نقاط ضعفه إلى قوة، وهذا عكس ما فعله أوباما فلكى ينفى إسلامه ذهب مرة إلى الكنيسة وحضر العبادة مما جعل الشائعات تزداد حوله أكثر فأكثر وهذا يؤدى إلى ارتباكه بقوة، ونأتى إلى السؤال الثانى وهو كيف يستعيد أوباما بريقه؟.

من المستحيل أن يستعيد أوباما بريقه إلا إذا حقق على ارض الواقع بعض الانجازات التى يتطلع إليها الأمريكيون ومن أهم هذه الانجازات النمو الاقتصادى فإذا ركز أوباما على تحقيق الانتعاش للاقتصاد الأمريكى واستطاع المواطن الأمريكى أن يتأثر ايجابيا بهذا الانتعاش سيكون قد قطع نصف المسافة إلى التجديد، أما النصف الثانى فهو أن يعيد الهيبة الأمريكية تجاه العالم، فهو يبدو متخاذلا مع إيران ومتهاونا ضعيفا مع إسرائيل، مما شجع كوريا الشمالية أن تعتدى على كوريا الجنوبية، وتفشى تنظيم القاعدة فى اليمن، هذا فضلا عن دوره غير الواضح مع أصدقائه العرب المسلمين ومع السودان، لأجل كل ذلك يشير مستشاروه الأقربون عليه إلى أن يوجه ضربة لإيران عن طريق إسرائيل وهذا سوف يرضى العرب، وهكذا يكون قد كسب إسرائيل والعرب معا وأعاد الهيبة لأمريكا، على أن تكون الضربة فى السنة الرابعة لمدة الرئاسة الأولى له، واليوم عندما يقارن المواطن الأمريكى بين جورج بوش وباراك أوباما يخرج بنتيجة أن بوش تحدث إلى العالم من موقع الإمبراطور الذى يحكم العالم وتطرف فى استخدام القوة ففقد شعبيته واستطاع أن يحصل على كراهية العالم لكن الجميع كانوا يخشونه ويخشون قراراته المتسرعة خاصة انه كان يدعى أنها إلهام من الله أما باراك أوباما فهو رجل سلام ولكنه أفقد أمريكا هيبتها لأنه استخدم عبارات رنانة وخطبا فصيحة مؤثرة فى الوقت الذى لم يحقق فيه شيئا ملموسا على أرض الواقع سواء فى الانتعاش الاقتصادى داخليا أو فى إعادة الهيبة لأمريكا فى الخارج.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات