من الأسبق فى تفتيت الاقتصاد العالمى؟ - محمود محي الدين - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الأسبق فى تفتيت الاقتصاد العالمى؟

نشر فى : الأربعاء 10 يناير 2024 - 9:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 يناير 2024 - 9:00 م
انتهى منذ أيام الاجتماع السنوى الأكبر مشاركة للاقتصاديين، والذى عقد هذا العام فى مدينة سان أنطونيو بولاية تكساس الأمريكية، الذى تناول فى ما تناوله ما تجود به القرائح والدراسات مستجدات الاقتصاد على مستوى العالم وبلدانه وقطاعاته المختلفة، وسياسات التعامل معها. وسيقت فى المناقشات أدلة على بدايات لتعافى الاقتصاد الأمريكى، مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى، وأنه سينجح فى السيطرة على التضخم فى الأجل القصير مع تفادى السقوط فى الركود فى ما يعرف بـ«الهبوط الناعم». جاء ذلك مدعوما بأرقام جيدة لسوق العمل ومعدلات التشغيل، إلا أن توقعات المستقبل ما زالت ملبدة بغيوم متكاثرة.
وقد يحول تكاثف هذه الغيوم دون استمرار ارتفاع معدلات النمو لمتوسطات ما قبل الأزمات التى شهدها العالم مع بداية هذا العقد بتوال لأزمات ارتبطت بمربكات الجائحة والحرب فى أوكرانيا، ثم تداعيات ما يشهده الشرق الأوسط من حرب دموية لا إنسانية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فى غزة مع مخاطر متصاعدة لتوسع نطاقها. كما أن التضخم رغم تراجعه ما زال أعلى مما يستهدفه البنك الفيدرالى بإصرار على ألا يتجاوز معدله نسبة 2 فى المائة سنويا، بما يجعل المجال مفتوحا أمام البنك الفيدرالى لرفع آخر لسعر الفائدة، أو عدم تخفيضه، على عكس ما يأمله المستثمرون بأن تبدأ سلسلة تخفيض لتكلفة التمويل تبدأ من شهر مارس (آذار) المقبل تصل إلى 1.5 فى المائة على مدى العام الحالى. وإن كان الأرجح، إن هيأت ظروف سوق العمل والنمو إجراءات تخفيض الفائدة، فلن يتجاوز هذا 0.75 فى المائة.
وقد تناولت جلسات كثيرة بالنقاش احتمالات التعافى والنمو والاستقرار النقدى والمالى للاقتصاد العالمى فى ظل ما يعانيه من تفتيت، فضلا عن تغيرات فى أسسه التى نشأ عليها مع النظام الدولى الذى أفرزته الحرب العالمية الثانية، فهناك تغير فى نمط العولمة الاقتصادية مع الانتقال المتسارع من عالم ثنائى القطبين إبان الحرب الباردة إلى أحادى القطب بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وزوال الستار الحديدى، وصولا إلى عالم اليوم المتعدد الأقطاب، مع انتقال ملحوظ لمركز الجاذبية الاقتصادية نحو نصف العالم الآسيوى الأعلى نموا والأكبر سكانا. ومع هذا الانتقال تزداد التوترات الجيوسياسية؛ وفى هذه الأثناء تزداد تهديدات لمربكات أخرى تأخذ تارة شكل مستجدات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعى والتطبيقات الذكية وتأثيراتها فى أسواق العمل والتفاوت فى الدخول والثروات. وتأخذ هذه المربكات تارة أخرى شكل اضطرابات مؤسسية وفى نظم الحكم، مع تصاعد لتأثير اليمين المتطرف والموجات الشعبوية. ولا يجمع هذه المربكات المحتدمة تزامن حدوثها فحسب، ولكن إدراك متنام بأن هذا العالم أصبح متقطع الأوصال سياسيا، ويعانى من التفتيت اقتصاديا.
وترصد دراسة لصندوق النقد الدولى، عن التفتيت الجيو ــ اقتصادى ومستقبل النظام الدولى المتعدد الأطراف، ازدياد التوجه لسياسات منكفئة نحو الداخل بإجراءات حمائية مع تصاعد لاستخدام معوقات ضد التجارة وتدفقات رءوس الأموال وحركة العمالة عبر الحدود، وتقييد التعاون التكنولوجى. فعلى مدى العقد الماضى شهد العالم تبنيا لسلسلة من الإجراءات الحمائية التقليدية والمستجدة، كما اتخذت السياسات الصناعية الجديدة فى الولايات المتحدة وأوروبا نهجا أعاد ذكرى الحروب التجارية فى ما وصفته فى مقال سابق تحت عنوان «عاد الميركانتيليون» فى إشارة لممارسات سادت القرنين السادس عشر والسابع عشر بدفع البلدان إلى تراكم ثرواتها بتقييد الواردات والتوسيع فى الأسواق، ولو كان ذلك كما حدث بالفعل بحروب وصراع استيطانى وتجارة البشر والسيطرة على مصادر الخامات.
وقد ازدادت صور التفتيت الاقتصادى حدة بعد الجائحة وما اعترض خطوط الإمداد من قيود، كما عمقت الحرب فى أوكرانيا حدة الاستقطاب عبر الانحيازات الجيوسياسية وما جرى من عقوبات تجارية ومالية، ومن خلال تقييد نظم الدفع الدولى. ومع تباين دوافع إجراءات التفتيت لأسباب تتعلق بالأمن أو التحرر من الاعتماد على شركاء تجاريين بعينهم إلا أنها قد ترتبط بتبن لسياسات محلية التوجه كإجراءات السياسة الصناعية الجديدة كتلك التى اتبعتها الولايات المتحدة أخيرا مساندة بقانون تخفيض التضخم وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، وإجراءات دول الاتحاد الأوروبى المتعلقة بالاقتصاد الأخضر والتحول الرقمى. كما يزداد التفتيت مع إجراءات لرد الفعل للمعاملة بالمثل، وعندما يستشعر أطراف المعاملات الاقتصادية أن عوائدها أمست فى غير صالحهم تجارة أو استثمارا أو هجرة للعمالة. وهناك تقدير بأن إجراءات تعويق التجارة فقط قد ازدادت بثلاثة أمثال من عام 2019 حتى عام 2022، وأنها كلفت الاقتصاد العالمى تراجعا فى ناتجه يعادل 7 فى المائة من ناتجه الإجمالى. ومن مخاطر هذا التوجه تراجع التعاون الدولى فى مجالات مكافحة التغير المناخى، وعلاج أزمات الديون قبل تفاقمها، وتيسير حوكمة تطبيقات الذكاء الاصطناعى. فلا سبيل عمليا أن تعوق دول مسارات التعاون فى مجالات التجارة والاستثمار، ثم تتوقع تعاونا بناء فى مجالات أخرى مثل العمل المناخى والصحة العامة.
وستتناول قمة «المستقبل» التى ستعقد فى إطار أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى سبتمبر (أيلول) المقبل، مسألة تفاقم حدة التفتيت الاقتصادى وآثاره المكلفة على النظام الدولى. وهناك أهمية بمكان للنظر فى مسببات هذا التفتيت، وهل العدو الأول للاقتصاد العالمى يكمن فى الصراعات الجيو ــ سياسية وليست الإجراءات الحمائية كما يذهب الاقتصادى بجامعة هارفارد دانى رودريك؛ أم أن الحمائية هى التى أشعلت النيران الجيو ــ سياسية وفقا لتحليل الاقتصادية بينيلوبى جولدبيرغ كبيرة الاقتصاديين السابقة للبنك الدولى. ونظرا لتعقد وتشابك مسببات تدهور الوضع العالمى الحالى سياسيا واقتصاديا لن يتيسر حسم أى المسببات سبقا، فقد تحالفت دوافعها فى الإضرار بالشأن الدولى، وتدفع كالمعتاد التكلفة الأكبر الأطراف الأضعف فى العلاقات الدولية؛ وهى الأولى بالاعتبار والحماية؛ ليس لاعتبارات العدل فحسب، لكن لما يسفر عنه تجاهل المستضعفين من عواقب وخيمة على السلم والأمن الدوليين.
التعليقات