ملة إبراهيم - رجائي عطية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملة إبراهيم

نشر فى : الأربعاء 10 يونيو 2020 - 7:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 يونيو 2020 - 7:35 م

من الكتابات القيمة التى تتلاقى مع كتابة الأستاذ العقاد عن إبراهيم الخليل، ما كتبه أستاذنا الجليل محمد عبدالله محمد عن «ملة إبراهيم» فى كتابه الضافى «معالم التقريب»، ملاحظًا أنه مع كل ما أنجزته البشرية من تقدم، فإن التعامل مع غير الحسيّات لا يزال صعبًا بل ويزداد صعوبة على كثير من الناس!
ذلك أن البشرية عاشت دهورًا طويلة تكاد لا تتعامل إلاّ مع الحسيّات الملموسة أو المرئية أو المسموعة.. ومن أجل ذلك تهيبت التعامل مع القلة التى كانت تتعامل مع غير الحسّى.. وكادت هذه القلة أن تكون معزولة عن جمهور الناس، سواء فى المعابد أو المحاريب أو المراصد أو المكتبات.
إلاّ أنه فى أحضان تلك القلة ــ نما مع الوقت التأمل والتفكير فى الكون والمصير، ونمت بين جماعات المتأملين تصورات متقاربة غير متماسكة لما يشبه ــ فى البدايات ــ أن يكون دينا.. لأنه كان مزيجًا من إرهاصات التدين ومن الفلسفة، خالطه نوع من الترفع والكبرياء يناسب العقول المتعالية التى جاوزت فى تطورها كتلة الناس، وفتحت الطريق للتأمل الذى قاد إلى هذه التصورات إزاء الكثرة الملتصقة ــ بشدة وإصرار ــ بالوجود المادى حتى فى تصورها للحياة الآخرة.
كانت هذه هوة واسعة بين الدين غير الحسّى الذى يفهمه المتأملون، وبين ما يدين به بقية الخلق.. وبقيت تلك الهوة موجودة وتزداد اتساعًا دون أن تتأثر لا بالتحضر ولا بزيادة العمران.
ونعرف أن الإسلام كان فاتحة للوجدان والضمير كسرت هذا الفارق، لأن كل شىء فى الإسلام يبدأ من الاتجاه إلى الله وينتهى إليه.
من هنا كان إبراهيم الخليل عليه السلام وملته فى منتهى الأهمية للإسلام، بل ولجميع الأديان السماوية.. ونحن كمسلمين نعتقد فى ملة إبراهيم ونرى أنها هى هى ملّة الإسلام.
ورسالة إبراهيم عليه السلام ــ ركزت جوهر الدين فى الاتجاه إلى رب العالمين وحده لا شريك له..
فالإسلام يلتقى مع ملة إبراهيم عليه السلام، فى أنهما دين غير حسّى.. مفتوح الأبواب لكل الناس.. والإنسان يجد نفسه حتمًا على طريق الله ــ كلما قوى نفوره من الظلم وازداد حبه للحق.
لا يحتاج الإنسان إلى علم كثير لكى يستقيم داخله فيجد نفسه على طريق الله، وليكون حنيفًا مسلمًا ــ كتعبير القرآن المجيد..
إن الله فى ملّة إبراهيم، وهى دين الإسلام، وجهة الكل.. لأن الاتجاه إلى الله دين الفطرة.. والإسلام ــ مثل ملة إبراهيم الحنيف ــ لا يطرد أحدًا من مائدة الله، فلا يزدرى أحدًا أو يستبعده لأنه جاهل.. فهذا أعمى أحق بالنور.. روحه ظامئة أولى بالارتواء.. وفى القرآن المجيد على لسان نوح لقومه: «وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ» (هود 29)..
نعم: إن الأميين قادرون على الحب بألوانه ومكوناته، وكلما زادت ألوان الحب ومكوناته، زاد رضا الله عن الإنسان والإنسانية.. ولأن الآدمى يدرك الظلم ويمقته بفطرته، فإنه أهل بهذا لأن يضع يده فى يد الله عز وجل.
إن ملة إبراهيم هى ملّة الإسلام، وإسلامه عليه السلام هو إسلامنا.. وفى القرآن المجيد: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ» (البقرة 127 ـ 129).
* * *
يقول القرآن المجيد: «وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة 130 ـ 133).
ويخاطب الكتاب المجيد ــ النبى عليه الصلاة والسلام فيقول له: «قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».. (الأنعام 161)، وفى خطابه للمؤمنين، يقول رب العزة: «... هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ... » (الحج 78).. ويقول جل وعلا لرسوله المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (النحل 123).. وفى خطاب عام لا تخطئه بصيرة، يقول القرآن المجيد: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا» (النساء 125).
من يتأمل هذه الآيات القرآنية يفهم أن دين الله واحد، وأن كراهة الظلم وحب الحق ــ تصب فى اتجاه الإله الواحد.. تبارك وتعالى رب إبراهيم واسماعيل وإسحق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد.. ومن أحب الحق بكل صوره كان على دين إبراهيم ومحمد وشجرة الأنبياء والرسل.. ولا يغيب عنه شىء وهو فى رحاب ربه الذى قال الكتاب المجيد عنه: «اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» (البقرة 255).
* * *
إن الدين: ملة إبراهيم وملة الإسلام، يفتح أبوابه كلها للبسطاء، كما يفتحها لجميع خلق الله.. دون تعقيد ودون حواجز.. أما تصور أمور الآخرة، فليس فى وسع أحد أن يتصورها تصورًا مطابقًا لحقيقتها وواقعها مهما بلغ ذكاؤه وعلمه.. يكفى المسلم فى ذلك أن يعتقد فى أعماقه أنه لا نفع بعد الموت لغنى أو ثـراء أو ملـك أو سلطة أو جاه أو مجد أو نفوذ أو سطوة أو قوة مما يتنافس عليه الناس فى الحياة الدنيا.
لا شىء فى الآخرة يخضع لما نقيمه فى الدنيا من سدود وقيود وحدود.. والمؤمن يدرك أن الموت انطلاق وانعتاق.. إنه انطلاق إلى عالم الوفرة والرحمة.. ونفهم الوفرة حيث لا مجال فى ظل الوفرة لما يتنافس عليه الناس لإشباع حاجاتهم..
ومن يتأمل فى آيات القرآن المجيد التى تحدثت عن الجنة، يدرك جيدًا كيف أنه فى ظل قانون الوفرة والرحمة تفقد المرغوبات الدنيوية كل أسبابها للشقاق والتناحر.

Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

التعليقات