** قبل عشر سنوات، فى 2014، فى اجتماع مهم، طرحت سؤالًا أهم: ما هو تعريف الوطنية؟
** كان السؤال بعد سنوات عصيبة مرت على مصر ومن عمرها المديد، فالبعض يرى الوطنية الانتماء لنظام أو لحكومة أو لرئيس، وهنا قد تمس الوطنية بالمصلحة الشخصية. والوطنية لا تلغى المعارضة، ففى السياسة تختلف الآراء، وفى الديمقراطية، تتنافر الآراء، ولا يعنى ذلك أبدًا أن صراع حزبى العمال والمحافظين فى بريطانيا أنهما غير وطنيين؟
** الوطنية هى الانتماء إلى تراب البلد، لمصر، والحلم بأن نراها أفضل وأعظم، حتى لو كنا نشكو ونعانى، فلا تختلط الشكوى والمعاناة بالكراهية وحين أنظر إلى الفترة من 1967 إلى 1973 أرى أجيالًا مصرية عظيمة ضحت بصور مذهلة، ضحت بكل شىء من أجل تراب مصر، ومن أجل كبرياء مصر، من أجل أرض مصر. الوطنية أن نرى البلد وطنًا نسكن فيه ونحتمى به ونحميه، ونبنيه.
** فى صباح يوم 30 يونيو حاولت دخول ميدان التحرير من شارع الأزهر، فكان الزحام شديدًا، والمصريون يتقدمون نحو الميدان بالملايين، يهتفون بسقوط حكم المرشد، وفى قلوبهم الهوية المصرية التى كانت تسلب. الأسرة والابناء والأحفاد هرولوا إلى الشوارع والميادين من أجل تلك الهوية، بعد أن حضر من اغتالوا الرئيس السادات احتفالات أكتوبر، فى مدرجات تحتلها وجوه غريبة لا نعرفها، ولم يكن وسط المدرجات بطل واحد من أبطال حربنا العظيمة.. من هؤلاء؟ لماذا هم هنا يحتفلون معنا وهم كارهون للجيش. كيف يرون الجيش الوطنى خصمًا، هل لأنهم لا يعرفون أنه مكون من الشعب المصرى، إنه الأب والأخ، والخال والعم، والابن. كيف يكرهون الأهل، من المؤكد أنهم ليسوا من الأهل؟
** 30 يونيو كانت ثورة شعب قرر أن يسترد هويته، ووطنه. ومن ظواهر تلك الثورة فرحة المصريين التى ارتسمت على الوجوه كلها، فكيف لشعب ينتفض ثائرًا فرحًا وسعيدًا وضاحكًا؟ إنها فرحة إزالة الغمة، فرحة استرداد الهوية، التى غابت يوم الاجتماع الاول لمجلس الشعب الذى احتلته وجوه لا نعرفها ولا تنتمى إلى هويتنا.. أين كانوا هؤلاء؟
** 30 يونيو، ثورة، أزالت الريبة، والشك، والتقية، والكذب.. قالوا: «سيكون مجلس الشعب معبرًا عن الشعب كله».. فجاء البرلمان معبرًا عن فصيل أراد أن يحتكر الوطن وأن يحكمه، وأن يضعه تحت مشروع عاش سنوات فى الظل، منتظرًا لحظة القفز على الحكم. ثم قالوا: «لن نخوض انتخابات الرئاسة، فخاضوها، وكانت المفاجأة إعلان فوزهم فى الرابعة فجرا، قبل أن تعلن الهئيات المشرفة على الانتخابات، فكان ذلك قفزًا على السلطة».. وقالوا: «الحرية.. الحرية».. فاعتدوا وضربوا وقتلوا كل من يعارضهم ويرفضهم وكان ذلك قتلًا لحرية الهتاف المضاد، وقتلًا لأى ملامح ديمقراطية؟ كيف يحكمنا من يتسلح بالعنف ضدنا؟ كيف يحكمنا رئيس ينتظر همسة فى الأذن من المرشد الذى يقف بجواره بالقصاص؟
** فى السنوات العصيبة التى مرت على مصر، كنت أتعجب لماذا يحرقون كل شىء، لماذا حرقوا المجمع العلمى؟ لماذا حاولوا نهب المتحف وتخريبه؟ لماذا هاجموا الشرطة؟ لماذا كنا نرى أطفالًا يلقون بالحجارة ضد جهة تحاول أن تحفظ الأمن؟
** فى السنوات العصيبة التى مرت على مصر خيم علينا سحب الكآبة والظلام والخوف والشك، حتى عادت شمس مصر الذهبية.. وهتف المصريون من قلوبهم: «بالأحضان يا بلادنا الحلوة بالأحضان».. نعم حلوة ونراها جميلة فى كل الأوقات، فى أوقات الانتصار والانكسار، ونراها جميلة وحلوة ومبهجة، ونراها الأم فى تعبير فريد ذاته للمصريين، مهما كانت سنوات الصعاب والمعاناة؟
** كانت مجرد سنة.. من عمر مصر منحت الأجيال موقفًا صارمًا من هؤلاء الذين حاولوا ضرب هوية مصر؟