«سنبدأ مرحلة جديدة عنوانها الانضباط، سنرغب السائقين بالوعى، لكننا سنرهب المخالفين بتطبيق صارم للقانون، ومن هنا وجاى إن شاء الله مش هنسيب الدنيا كده، لازم نضبط الشارع ونحمى أرواح الناس».
العبارة السابقة قالها الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، خلال تفقده موقع الحادث المأساوى على الطريق الإقليمى بالمنوفية يوم الجمعة الماضى، وأدى إلى مصرع ١٩ فتاة من قرية السنابسة وسائق السيارة الميكروباص الذين دهستهم تريلا.
بعد الحادث صار هناك جدل كبير حول من يتحمل المسئولية، هل الوزير والحكومة بمبدأ المسئولية التضامنية أم فقط سائق التريلا؟
ولأن الحادثة مفجعة ومؤلمة، فقد كان رد الفعل الشعبى شديدًا وساخطًا، وبينما وجه كثيرون الانتقاد إلى وزير النقل بحكم مسئوليته السياسية، فإن الوزير رد على الاتهام خلال الجولة التفقدية عقب عودته من تركيا وبولندا، بقوله: «شخص يتعاطى المخدرات، ويقود سيارة من دون رخصة مهنية، تسبب فى إزهاق أرواح فتيات فى عمر الزهور، فأين هى مسئوليتنا؟!».
رأيى الواضح فى هذه القضية أن هناك مسئولية جزئية صغيرة يتحملها السائق، الذى قال الوزير إنه يتعاطى المخدرات، لكن المسئولية الأكبر تتحملها الحكومة مجتمعة بفعل مجمل سياساتها فى قطاع الطرق.
التصريحات التى أدلى بها الفريق كامل الوزير للزميل الإعلامى نشأت الديهى خلال تفقده مكان الحادث، تجعل المسئولية على الحكومة أكثر منها على السائق.
يقول الفريق كامل الوزير: «سوف نبدأ مرحلة جديدة عنوانها الانضباط»، وكل من سيقرأ هذه العبارة سوف يسأل سؤالًا بديهيًا: ولماذا غاب الانضباط فى المرحلة السابقة ومن يتحمل مسئوليته؟
يقول أيضًا: «سوف نرهب السائقين المخالفين بتطبيق صارم للقانون». والسؤال هنا أيضًا: «ومن الذى منع أجهزة الحكومة المختلفة من هذا التطبيق الصارم للقانون فى الشهور والسنوات الماضية؟!».
يضيف الوزير: «من هنا وجاى مش هنسيب الدنيا كده!».
وأخشى أن يفهم البعض من هذه العبارة أن الدنيا قبل هذه الحادثة كانت متسابة كده!
أدرك وأعرف أن الفريق كامل الوزير بذل ويبذل جهودًا كبيرة سواء فى موضوع البنية التحتية أو حل الكثير من مشاكل المستثمرين المتراكمة وأعرف أيضًا حجم الجهود الخرافية فى شبكة الطرق، منذ كان رئيسًا للهيئة الهندسية حتى منصبه الحالى، لكن هذه الحادثة كشفت أيضًا عن ثغرات لا يمكن إطلاقًا أن نرجعها إلى مجرد سائق مدمن.
يقول الفريق كامل الوزير: «إن الحكومة لا يمكن أن تتحمل خطأ سائق مدمن»، والسؤال البسيط: كيف أمكن لسائق مدمن أن يسير بسيارة تريلا، وكيف أمكنه أن يقود من غير رخصة مهنية، أليست هناك أجهزة حكومية مهمتها مراقبة الطرق والسائقين والتراخيص؟!
ويقول الوزير أيضًا للزميل الديهى: «إن غالبية قادة الوزارة سوف يتواجدون على الطرق فى المرحلة المقبلة». والسؤال أيضًا: «لماذا لم يحدث ذلك قبل الحادث؟ هل كنا ننتظر هذه الحادثة حتى نتخذ هذه الإجراءات؟».
لا أؤمن كثيرًا بفكرة إقالة وزير للنقل بسبب حادث، أو وزير للتعليم بسبب تسمم تلاميذ بوجبة مدرسية، أو أى وزير بسبب حادثة مماثلة، لكن القضية الأساسية هنا هى مجمل السياسات المتبعة، وحالة التراخى الخطيرة على معظم الطرق، والغياب شبه التام لرقابة السائقين.
وإذا كنا نريد الإصلاح فعلًا، فالقضية ليست الحادثة الأخيرة فقط، لكن بعض سياسات الحكومة فى مجال النقل والمرور، والتى تجعل تكرار هذه الحادثة عملًا مستمرًا، وقد تراهن الحكومة على أن الناس سوف تغضب قليلًا ثم تنسى الموضوع فى انتظار حادثة أخرى.
أقدر كلمات الوزير حينما يخاطب السائقين، قائلًا: «عشان خاطرنا اصبروا شوية وما حدش يجرى على الطريق»، لكن السائقين وغيرهم لن تردعهم هذه الكلمات بل تطبيق القانون بأقصى شدة.
السائق المدمن لن تفلح معه وسائل التوعية والمحاضرات.
هو لن يتم تقويمه إلا بسحب الرخصة والسجن، والسائق المتهور الذى يزيد من سرعته، أو يترك حارة الخدمات لكى يدمر الطريق الأساسى، ويتسبب فى الحوادث لن تفلح معه مناشدات الوزير، بل العقوبات المغلظة بشرط أن تطبق على الجميع، وسياسة عامة ومستمرة، وليست هبة طارئة.
أليس من الغريب أننا أنفقنا مئات المليارات من الجنيهات وربما تريليونات على إقامة شبكة الطرق وتطويرها، وتركنا السائقين يدمرونها ببطء وأليس غريبًا أن الحكومة عاجزة منذ عقود فى مواجهة لوبى أصحاب سيارات النقل؟!
الموضوع متشابك ولا يعقل أن يتم اختزاله فى الجدل بشأن المسئولية عن حادثة واحدة مهما كانت خطورتها.
رحم الله فتيات قرية السنابسة بالمنوفية.