13 نيسان تأملات لبنانية ــ سورية - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

13 نيسان تأملات لبنانية ــ سورية

نشر فى : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص

يصعب تذكّر الثالث عشر من نيسان من دون أن يشطّ التفكير الى ما يجرى فى سوريا. وفى سوريا، لم يعد من تعبير يستطيع الارتقاء الى مستوى الفجيعة. فلعل الذكرى الثامنة والثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية مناسبة للتأمل فى التجربتين اللبنانية والسورية معا.

 

 

فى عام 1975 كان فى لبنان مشروع تغيير جذرى، توج عقدا كاملا من التحركات الشعبية غير المسبوقة فى تاريخه. ما لبث الحراك من أجل التغيير أن تحوّل الى حرب أهلية.

 

لا حاجة لأن نتهيّب التسمية. فى سوريا أيضا حركة ثورية تتحول بسرعة الى حرب أهلية. والمجتمع منقسم بين دعاة تغيير ودعاة محافظة على الوضع القائم. وفى تصرف الطرفين قوى عسكرية. لكن المسئول الأول على هذا التحوير هو نظام اعلن الحرب على قسم حيوى من شعبه يتحرك سلميا من أجل الإصلاح. وقد قرر النظام مذاك خورجة حربه بألحاقها بـ«الحرب العالمية ضد الارهاب» بزعامة الإمبراطورية الامريكية. وليس هذا وحسب. بل ثمة فارق كبير بين القدرات العسكرية التى يستخدمها الجيش النظامى فى هذا النزاع وبين ما هو بتصرّف المعارضة المسلحة وما لذلك من أثر فاجع لطيران النظام وصواريخه على المدنيين.

 

هل القول بأن فى سوريا حربا أهلية يعنى انها بالضرورة حرب طائفية. يصعب الفصل. لا يزال الطرفان يتحاشيان الانزلاق الى هذا المستوى الشامل، بالرغم من حالات الإجلاء السكانى والمجازر (محدودة العدد) وتأمين المناطق وما إليها.

 

●●●

 

هل تفشل الثورات حين تتحول الى حروب أهلية؟ نادرة هى الحروب الأهلية التى ينتصر فيها طرف على آخر. معظمها ينتهى بتسويات سياسية. ولكن لتتم تسوية سياسية يجب أن يقتنع الطرفان المتصارعان أن أيا منهما لم يعد قادرا على الحسم والانتصار العسكريين. هذا ما حصل فى لبنان، إذ اندلع الاقتتال داخل المذهب الواحد بين «حركة امل» و«حزب الله»، وبين أجنحة «القوات اللبنانية» ووحدات من الجيش النظامى بقيادة الجنرال ميشال عون. الى هذا كانت «الساحة» اللبنانية استنفدت أدوارها الإقليمية والدولية.

 

ولكن الحقيقة المرة فى سوريا هى أن فرص التسوية سوف تتزايد بقدر ما يتأكد النظام، وهو الطرف الأقوى عسكريا، بأنه بات عاجزا عن الانتصار فى «حربه» وأن دعم الخارج لن يستطيع التعويض عن ذلك العجز.

 

عادة يلجأ المعارضون الى الثورة عندما يستنفدون كل الوسائل للضغط من أجل الإصلاح. فى المقابل، يلجأ الحكام الى الاحتراب الأهلى لقطع الطريق على التغيير. بل يمكن القول: بالثورات يحاول المجتمع/ الشعب تغيير النظام القائم. وبالحروب الأهلية يحاول النظام تغيير الشعب/ المجتمع، بردّه الى جماعات أهلية متناحرة، أو بإعادة انتاجه على خطوط قسمة أخرى، ليستطيع إعادة السيطرة عليه.

 

هل يستلزم العنف المتبادل إدانة الطرفين على نحو متساوٍ باسم اللاعنف؟ هل يجب تناسى أن نظاما يحكم من نصف قرن قد ارتكب ما ارتكبه بحق شعبه لن يمكنه الخروج من هذه المقتلة على قيد الحياة؟ وهل يمنع العنف المتبادل من الانحياز الى الطرف الاكثر تمثيلا للإرادة الشعبية والاكثر ميلا الى التغيير مهما كان هذا التغيير ملتبسا تروده اشباح ظلامية محافظة وارتدادية؟

 

هل تقضى الحروب الاهلية على كل ما قامت الثورات من أجله؟

 

لا. حتى عندما ينتصر طرف، غالبا ما يضطر لتنفيذ برنامج خصمه أو اجزاء منه. ثم انه عند التفاوض على التسويات، تظهر الاسباب الداخلية لاندلاع القتال فجأة، كأنها اشباح الشهداء والمفقودين، ترود قاعات المفاوضات. والمفارقة هنا أن انتهاء القتال يعيد الثورة/ الحرب الأهلية الى حقل الإصلاح. الثورات التى تقوم لتعّذر الإصلاح لا تلبث أن تواجه استحقاق الإصلاح، مهما كانت الإصلاحات المعنية محوّرة ومختزلة. فى اتفاق الطائف اللبنانى، أعيد توزيع الحصص الطوائفية فى مراكز السلطة. بل تكرس فى الدستور تجاوز نظام الطائفية السياسية الذى اعتبر ان له الدور الاكبر فى الدفع نحو الاقتتال الأهلى.

 

●●●

 

لم يتعلّم اللبنانيون الكثير من أخطاء تجربة الحرب ومن دروسها والعبر. وأبرزها:

 

ــ محاولة فرض الاصلاح بالقوة تؤتى النتائج العكسية.

 

ــ الجميع يخسر إذ يستقوى بالخارج على الخصم الداخلى.

 

هل يتعلّم الاخوة السوريون من أخطاء الحرب اللبنانية ودروسها والعبر؟ هذا هو الرجاء.

 

فى كل الأحوال، يجب أن تتغلب رياح الداخل على رياح الخارج. ومن مدينة الرقة، حملت رياح الداخل هذا الشعار: «باچر أحلى» (غداً أحلى).

 

هنا هو أمل الداخل. الأمل بالداخل: أن يكون الغد أجمل، أو على الاقل أقل بشاعة، من بشاعات اليوم وعذاباته.

 

وهو أمل مدفوع ثمنه بالدم الغالى... سلفاً.

 

 

 

سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى

 

ينشر بالاتفاق مع جريدة السفير اللبنانية

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات