ملاحظات ثلاث عن أفضلية الديمقراطية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات ثلاث عن أفضلية الديمقراطية

نشر فى : الأحد 11 أغسطس 2013 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أغسطس 2013 - 8:45 ص

الملاحظة الأولى: فى العالم اليوم دول ديمقراطية وأخرى تتبع نظم حكم مغايرة. وبينما لم تعد الديمقراطيات قاصرة على الغرب الأمريكى والأوروبى وامتدت تدريجيا إلى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لم يزل لنظم الحكم غير الديمقراطية بعض الحصون المنيعة فى روسيا والصين ودول الخليج العربى وغيرها. وفى حين يرتبط نجاح الديمقراطيات بضمانات الحقوق والحريات وبدرجة

معتبرة من الاستقرار والرخاء الاقتصادى والعدالة الاجتماعية والتوافق المجتمعى، تقدم بعض الدول غير الديمقراطية تجارب اقتصادية واجتماعية ناجحة كما هو الحال فى الصين صاحبة المعدلات التنموية الأعلى عالميا وفى دول الخليج المعتمدة على ريع الموارد الطبيعية (النفط والغاز).

وبالقطع هناك ديمقراطيات فاشلة اقتصاديا ومأزومة اجتماعيا كاليونان والبرتغال وبعض دول أمريكا اللاتينية اليوم، كما أن عالمنا يحفل بنظم غير ديمقراطية عاجزة اقتصاديا واجتماعيا وبعضها فى محيطنا الإقليمى المباشر.

على الرغم من ذلك، تظل القاعدة العامة هى أن الديمقراطيات أكثر قدرة من غيرها من نظم الحكم على تحقيق الاستقرار والرخاء والعدالة والتوافق الحفاظ عليها لمراحل طويلة المدى.

الملاحظة الثانية: تدلل دراسات العلوم السياسية وبوضوح على أن الديمقراطيات أكثر التزاما من النظم غير الديمقراطية بمبادئ وقيم السلم العالمى وأقل نزوعا للتورط فى أعمال عسكرية أو عدائية إن كان فى محيطها المباشر أو غير المباشر. هنا يقارن فى بعض الدراسات السياسية بين معدلات الحروب والصراعات المسلحة والمواجهات الأهلية فى أوروبا الغربية قبل الحرب العالمية الثانية (قبل تحول معظم دولها إلى الديمقراطية) وبعدها (بعد التحول الديمقراطى)، فى أمريكا اللاتينية التى سيطرت عليها الانقلابات العسكرية والنظم الديكتاتورية إلى ثمانينيات القرن الماضى وبعد بدء التحول الديمقراطى خلال العقود الماضية. وفى المقابل، يشير البحث السياسى إلى استمرار المعدل المرتفع للحروب وللصراعات المسلحة وللمواجهات الأهلية فى العالم العربى دون تغير منذ استقلال معظم دوله فى النصف الثانى من القرن العشرين وإلى اليوم، ويربط الباحثون والدارسون بين

هذه الحقيقة وبين استمرار غياب الديمقراطية.

بالقطع تمثل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل استثناءات صارخة على قاعدة «الديمقراطيات المحبة للسلام»، فالدول الثلاث تورطت ــ ولم تزل ــ فى الكثير من الحروب والصراعات والمواجهات العدائية فى محيطها المباشر وعالميا. بل إن إسرائيل، شأنها شأن جنوب إفريقيا قبل إنهاء جريمة الفصل العنصرى والنظام الذى استند إليها، تمارس ديمقراطيتها فى إطار سياسات وممارسات عزل وفضل عنصرى ضد الفلسطينيين وفى ظل احتلال واستيطان لم يتوقفا منذ 1948 إلى اليوم. وبالقطع هناك نظم غير ديمقراطية لم تدفع بشعوبها إلى حروب أو صراعات ولم تنزلق إلى سباق تسلح مميت أو حروب إقليمية بالوكالة كالصين مثلا والتى تختلف هنا جذريا عن الاتحاد السوفييتى.

على الرغم من ذلك، تظل القاعدة العامة هى أن الديمقراطيات أكثر قدرة من غيرها على الالتزام بقيم السلم العالمى وأشد مناعة من غيرها لجهة مقاومة خطر التورط فى حروب أو صراعات أو مواجهات فى المحيط المباشر أو غير المباشر.

الملاحظة الثالثة: لن يدفع إلا مثالى أو واهم بأن الديمقراطيات عموما تتعاون مع بعضها البعض وتبتعد عن النظم غير الديمقراطية. فالغرب الديمقراطى تربطه علاقات استراتيجية واقتصادية وتجارية واسعة بروسيا والصين ودول الخليج العربى وغيرها، وتتكالب الحكومات المنتخبة فى الغرب للحصول على عقود وصفقات ومعاملة تفضيلية من الحصون المنيعة للنظم غير الديمقراطية.

والغرب الديمقراطى يتناسى الحقوق والحريات والانتخابات إزاء عالمنا العربى وفى مناطق أخرى من العالم حين تتعارض مع مصالحه الحيوية. ولا يتوانى طويلا قبل التحالف مع نظم غير ديمقراطية أو لا تلتزم بسيادة القانون إن كانت ستضمن مصالحه من أمن إسرائيل إلى التنصت على الكرة الأرضية، ولتذهب الديمقراطية ونتائج الانتخابات إلى الجحيم.

على الرغم من ذلك، تظل القاعدة العامة هى أن الديمقراطيات تنظر بريبة إلى النظم غير الديمقراطية، وتتحفظ على الانفتاح طويل المدى عليها ما لم تجبرها المصالح الحيوية على غير ذلك. الديمقراطيات دوما ما تسعى لتهميش النظم غير الديمقراطية عالميا بتحجيم دورها فى المنظمات الدولية والإقليمية وفى المبادرات الأممية، وبالتعامل معها كشر لابد منه وعرض

لمرض عالمى اسمه «غياب الديمقراطية» ينبغى التخلص منه.

على الرغم من كوارث وأزمات ومصاعب العامين ونصف الماضية، دعونا لا نفقد الأمل فى أن الديمقراطية هدف يستحق الدفاع عنه وليس المهادنة

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات