إسكندرية كمان وكمان - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسكندرية كمان وكمان

نشر فى : السبت 11 ديسمبر 2021 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 11 ديسمبر 2021 - 7:40 م

سوء الأحوال الجوية الذى عرفته البلاد الأسبوع الماضى من رياح شديدة مصاحبة بأتربة غريبة على فصل الشتاء، وأمطار وأمواج وصلت إلى خمسة أمتار بالإسكندرية غطت الشواطئ وطريق الكورنيش، مرتبط دون شك بالتغيرات المناخية. كانت المدينة الساحلية على موعد مع نوة «القاسم» التى تتعرض لها كل سنة، لكن أثارت هذه المرة الرعب والفزع، فكمية المطر وارتفاع الأمواج على ما يبدو فى ازدياد مستمر، وصارت ثانى أكبر مدينة مصرية تعطل المدارس فى مثل هذه الظروف تحسبا لوقوع حوادث أليمة، فى ظل ضعف الإمكانات. كل تقارير المنظمات الدولية المختصة بمتابعة شئون المناخ تؤكد أن المدينة الأسطورة ستغرق بنهاية هذا القرن، إذا لم تبدأ إجراءات سريعة لتدارك الخطر، مثلها مثل لاجوس وفينيسيا وميامى وشنغهاى والعديد من الأماكن الساحلية حول العالم بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبالتالى ارتفاع مستوى البحار والمحيطات، وفى حالة الإسكندرية وفينيسيا يصاحب ذلك أيضا انخفاض فى مستوى الأرض.
يتوقع الخبراء أن يرتفع منسوب البحر الأبيض المتوسط 68 سنتيميترا تقريبا بحلول عام 2050، ما يهدد دلتا النيل، التى أصابت الملوحة بالفعل بعض أراضيها القريبة من البحر، فلم تعد تقبل محصولات بعينها مثل القمح خلال العشر سنوات الأخيرة، ويقولون أيضا إن مستوى المياه قد يرتفع من 1.1 مترا إلى 3 أمتار بحلول عام 2100، ما قد يؤثر على حياة 2.5 مليار شخص بشكل أو بآخر فى بقاع مختلفة من العالم، وستكون آسيا تليها إفريقيا الأكثر تضررا. كل هذه الأمور تبرر استضافة مصر لقمة المناخ القادمة فى نوفمبر 2022، المقرر انعقادها بشرم الشيخ، ومن بعدها الإمارات فى السنة التالية.
•••
البحر الذى كان دوما يعكس ماضى الإسكندرية التليد بمياهه وحركته المتواترة، يعكس أيضا واقع المدينة الحزين وروحها المتذبذبة والخطر الذى يحيق بها. لم تعد «الفردوس المفقود» الذى نقتفى أثره فى الكتب والأعمال الأدبية فى عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الفائت، بل توالت أعمال الهدم والتخريب من فترة وصارت تفتقر إلى الجمال والأناقة فى عمارتها. هل سيختفى بائعو اللب والذرة المشوية وصاحبات عقود الفل والأحبة والعائلات من على الكورنيش؟ ستغرق اللافتات التى تدل على المد السلفى وتلك التى تحث على ارتداء الحجاب وذكر الله؟ لن نرى أسماء المحلات القديمة وقد كتب عليها «سابقا» فى إشارة إلى تغيير فى ملكيتها؟ سيتحول وصف الأحياء كما ورد فى كتابات علاء خالد وإبراهيم عبدالمجيد وإدوارد الخراط إلى وثائق تاريخية تروى قصة مكان لم يعد موجودا؟ ما الذى سيجده اللاحقون تحت مياه البحر لو غرقت المدينة؟ ما الآثار التى سنتركها وراءنا؟
•••
قبل سنوات وجد البعض بقايا فنار الإسكندرية، فالمدينة القديمة تقع على عمق من ستة إلى ثمانية أمتار تحت البحر، طبقات فوق بعضها البعض من عصور مختلفة، تماثيل وأعمدة من الرخام ودلائل صغيرة على احتفاء الناس بالحياة اليومية. حكى المتخصصون تفاصيل عملية بناء الفنار التى استغرقت نحو عشرين عاما تحت إشراف المهندس اليونانى سوستراتوس من كنيدوس. وصفوا إشارة ضوئه وهى تخبو وتطيح بها الرياح فى عهد البطالمة. انشغلوا بتصميم هذه المنارة الذى انتشر حول العالم لتحذير السفن من اقتراب الأرض، ومنه استلهم العرب على الأغلب شكل المئذنة. تراوح طوله بين 100 و140 مترا، حتى أطاحت به الزلازل المتعاقبة وتدمر تماما عام 1323، وظللنا نبحث عن حطامه لسنوات وعن بقايا السفن الغارقة من حوله، التى لم تمنعها شرارة الفنار من الارتطام والغرق، لكنه بالطبع ساهم فى إنقاذ العديد من البحارة والمغامرين. حكايات هؤلاء تأتينا من بعيد، فما الذى ستقوله الحكايات عن الأجيال الحالية، عن حفرياتهم، عن مبانيهم التى ستغمرها المياه؟ هل سيصدم اللاحقين حجم القبح والفساد أم يرون أشياء لا نراها نحن الآن؟ هل سيجدون روح المدينة غريبة؟ هل ستقوم مكانها مدينة أخرى؟ أم تنجح المصدات وحواجز الأمواج فى إنقاذها؟
فراغ حزين فى القلب يتسع مع الأفكار والتساؤلات. المدينة هزمت أسطورتها أو بالأحرى خذلها أهلها ووقفوا يتابعون هطول المطر من وراء الشباك، يتأملون صور الميناء والفيلات المهجورة ذات النوافذ المفتوحة والمهشمة، فى انتظار معجزة إلهية.

التعليقات