نزوح.. فيلم يسعى بشجاعة إلى قلب دراما الحرب السورية - خالد محمود - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نزوح.. فيلم يسعى بشجاعة إلى قلب دراما الحرب السورية

نشر فى : الأحد 11 ديسمبر 2022 - 12:30 ص | آخر تحديث : الأحد 11 ديسمبر 2022 - 12:30 ص

يُشكل فيلم "نزوح" للمخرجة السورية سؤدد كعدان، والذي عرض على شاشة مهرجان البحر الأحمر؛ منحى جديدا في تناول السينما لمسألة الهوية والتمسك بالجذور والارتباط بروح الوطن، قبل أن ينفرط عقد الانتماء كاملا، وتنهار سبل الحياة في ظل صراع حرب داخلية أبادت بكثير من الأخضر واليابس ووأدت حتى أبسط الاحلام.

أحداث الفيلم الذي تم تصويره في تركيا، تدور على خلفية الصراع السوري في دمشق، ونرى كيف عكست أسرة صغيرة، من بين السكان النهائيين لمنطقتهم التي مزقتها الحرب، مأساة المشهد بالكامل في صورة سينمائية مدهشة، وأسلوب سرد تلقائي يحملنا بسلاسة داخل المأزق الإنساني دون افتعال أو شعارات، وهي أسرة زينة "هالة زين" الفتاة ذات الـ14 عاما، والتي دمر صاروخ سقف منزلها، ولأول مرة تنام مباشرة تحت السماء والمطر والنجوم، وترى العالم الخارجي على طبيعته، عالم لا يمكن تصوره من الاحتمالات حول الواقع.

وبتلقائية شديدة، تنشأ عبر تلك الحفرة قصة صداقتها الوحيدة المغلفة برومانسية بكر مع جارها الصبي عامر"نزار العاني"، لتفتح لها آفاق حياة جديدة، تشعر زينة بأول طعم للحرية والحب، لكن الحكاية تأخذ منحنى آخر عندما ترى والدها معتز "سامر المصري" وهو في مأزق جراء الدمار الذي لحق بمنزله وحياته، ويحاول التماسك حتى لا تنهار الأسرة، يعلق ملاءة سرير على كل جدار يتساقط من القذف حتى يبدو منزلهم كخيمة.

ويتطور السرد الدرامي المحكم طزاجة حواره وتلقائية الأداء التي تعكس حالة القلق من مصير غامض، وذلك في اللحظة التي تصاعدت أعمال العنف في دمشق، حتى وإن لم نراها بشكل مباشر، وتتعرض الأسرة لضغوط للإخلاء، لكن معتز الأب يصر على بقائهم رافضًا الفرار إلى حياة اللاجئ غير المؤكدة، فيما أصرت الزوجة هالة والدة زينة "كندة علوش" على الرحيل من المكان، وتدخل في صراع مع زوجها، ويفعل كل شيء لمنع أسرته من مغادرة خيمته المرتجلة في منزله.

وفي مواجهة معضلة الحياة أو الموت، كان يتعين على زينة وأمها الاختيار بين البقاء أو المغادرة، وبالفعل قررت الرحيل بحثا عن مكان آخر يهاجرون إليه عبر البحر، وعندما يلحق بهما الأب راجيا أن يكون معهم، تنحاز الابنة لتوسلاته للم الشمل فى مشهد رائع. المخرجة سواد كعدان لا تزال تثير الإعجاب بهذه القصة المتعاطفة للحياة تحت الحصار. بفيلم مكثف ودقيق يسعى بشجاعة إلى قلب التوقعات حول ما يوحي به مصطلح "الدراما السورية" بشكل عام حيث العنف والضحايا تجاوز المألوف في تلك النقطة.

قوة التجربة في "نزوح" تكمن بلحظاتها المتعددة من الرؤية البصرية الموحية بقسوة واقع وانفراجة جديدة يحملها الزمن، منها تصوير الأجواء من بيوت مهدمة خالية من الحياة ،ومع ذلك ظهر الفيلم بشكل آخر على أنه استحضار رمزي لسوريا أكثر أملاً، بغزل قصة حب والبحث عن مخرج من النفق المظلم، حتى وإن كانت تفتقر إلى السجل الخيالي للتجربة الإنسانية بكاملها.

في مشهد انتقالي أنيق للغاية، يتم إرسال حمامة - رمز آخر - وهي تطير بصوت زعيق معتز.

وأيضا صورة معتز جالسًا مستلقيًا على كرسيه بينما يتدفق المطر عليه من خلال الفتحة الموجودة في السقف هي الصورة المأساوية المثالية للضعف الذكوري - لشخص رأى وظيفته الكاملة في الحياة؛ لحماية أسرته التي سرقتها الحرب منه، وتكثر التفاصيل الرائعة. سامر المصري في دور معتز كان مدهشا فى تقديمة لتلك الشخصية المثيرة للشفقة والمقاومة للبقاء، ومنحها إحساس خاص.

أيضا كان هناك نضج كبير فى شخصية الموهوبة هالة زين التى ربطت كل الخيوط، باعتبارها القلب العاطفي للفيلم، يبدو أن زينة - التي يفترض أنها نظرت إلى اختفاء صديقاتها، وتدمير حياتها وطفولتها بشكل عام - لم تتأثر تمامًا وتبدو مبتهجة بلا هوادة.

قد تكون في حالة إنكار، قد تكون زينة نفسها رمزًا آخر ، كما أبدعت كندة علوش بأدائها المتزن للشخصية من لحظات تعبيرها الصامتة إلى المتفجرة غضبا، أمسكت بالخيط الرفيع لسيدة المنزل. بينما الفتى نزار العامر في شخصية عامر صانع الافلام الناشئ، كان يشبه القديس تقريبًا، جاء ليمثل نوعًا آخر من الذكور السوريين، شخص قد يوفر بعض الأمل.

عامر صور فيلما يتضمن لقطات للبحر، والتي أصبحت رمز نزوح الأساسي للحرية - على الرغم من أن النص يعرف بالطبع أن البحر يمثل بالنسبة للنازحين شيئًا آخر تمامًا. في الواقع، تبرز المخرجة كعدان وجهات نظرها إلى حد كبير من خلال الرمز والاستعارة، ويبدو أن كسر سقف المنزل يؤدي إلى انهيار النظام الأبوي. يبدو الأمر كما لو أن المخرجة، مفتونة بنسيج الرمز والمجاز الجميل الذي تحيكه.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات