ما كل هذا «العك» الحكومي؟! - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما كل هذا «العك» الحكومي؟!

نشر فى : الأحد 13 ديسمبر 2009 - 1:55 م | آخر تحديث : الأحد 13 ديسمبر 2009 - 1:55 م

 أتى على اليوم الذى لم أجد فيه سبيلا سوى الاستعانة بتعبيرات السيد أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، بل وأجد نفسى متلبسة باستعارة كلمته الشهيرة لوصف بعض ممارسات الحكومة «بالعك» والتى قالها أثناء انعقاد لجنة الخطة لمناقشة الحساب الختامى لموازنة الدولة للعام المالى السابق. الحقيقة أن السيد عز قد أجاد التعبير هذه المرة بأكثر كثيرا مما أجاد من قبل.

فعلا الحكومة تعك الدنيا، فهى تتصرف وكأنها تعيش وحدها ولا تكاد ترى غيرها، تتصرف وكأن أحدا لا يراها. فما إن يقترب منها خطر إلا وتبدأ «تعك»، وغالبا ما تستقبل الأخطار وهى فى عجلة من أمرها فهى تفعل كل شىء فى استعجال. فيبدو الأمر مضحكا لمن يملك نعمة الضحك فى هذا الزمن، ويبدو محبطا وصادما لمن لا يجود له الزمن بموهبة عدم الإدراك وتبلد الإحساس.

فما إن بدا للحكومة أن موعد الانتخابات التشريعية قد اقترب حتى سارعت على عجل لتخرج من أدراجها رداء حب الفلاحين لترتديه، ليس حبا لهم باعتبارهم قوى اجتماعية تمثل نصف عدد السكان، ولهم حقوق تغافلتها الحكومة طويلا، ولكن باعتبارهم يمثلون قوة تصويتية قادرة على حسم نتائج الانتخابات فى النهاية. ولأن الحكومة ارتدت رداء الحب المصطنع على عجل فجاء أيضا الاهتمام هو الآخر مصطنعا ومتعجلا دون أن يحقق المرجو منه.

فعندما تحدث الوزراء طويلا فى المؤتمر السنوى للحزب الوطنى عن ظروف الفلاح القاسية ومعاناته مع الأرض، وكيف أنهم قرروا مجتمعين أن يضعوه نصب أعينهم بعد أن اكتشفوا أنهم كانوا متيمين بحب الفلاح دون أن يشعر هو بهم. ولكنهم نسوا فى غمرة هذا الحب الجارف أن يفسروا له لماذا خفضت الحكومة الاستثمارات العامة فى الزراعة طوال السنوات الماضية من نسبة 6% من إجمالى الاستثمارات فى عام 2005 /2006 إلى 4% فى العام التالى إلى 3% فى العام المالى السابق، فى حين كان عليها أن تزيد الاستثمارت لتعويض تراجع الاستثمار الخاص فى الزراعة فى نفس الفترة من 7% إلى 6% ثم إلى 4% على التوالي.

وليس هذا كل ما فى الأمر ولكن بالرغم من أن الفلاح عانى طوال السنوات الماضية، بأكثر مما عانى من سنوات عمره كلها، جراء تحرير الزراعة، حيث يتحدد سعر محصوله ليس بقدر عزقه وعرقه وما دفعه من تكلفة ولكن بحسب الظروف المناخية للهند والصين والبرازيل وأمريكا. ففى عام تنخفض أسعار السكر فى العالم فيجلس الفلاح ليمص قصبه كله متحسرا عليه، وفى العام الذى يليه لا يستطيع أن يفى بالطلب عليه، وهكذا الأرز الذى عام يأكل من ورائه الشهد وعام يتمنى لو حرقه، وهذا أيضا ينطبق على القمح والذرة القطن.

وما إن توقف الضاحكون عن ضحكاتهم من موضوع أعراض الحب المفاجئ للفلاح التى أصابت الحكومة وبدأوا يسمعون عما فعلته له كتعبير عن حبها حتى عادت تظهر عليهم نوبات الضحك مرة أخرى. فكل الأسعار التى أعلنتها الحكومة للمحاصيل الزراعية كشفت وحدها كيف أن هذا الحب مصطنع ومزيف، بدءا من القمح الذى تحدد سعره عند 270 جنيها للأردب بينما تكلفة الفدان 3000 جنيه، وكذلك محصول قصب السكر الذى حددت الحكومة سعره عند 234.5 جنيه وهو ما لا يغطى تكلفة إنتاجه. وهذا ما حدث أيضا لمحصول القطن الذى انخفضت المساحة المنزرعة منه فى موسم 2008 /2009 بمقدار ربع مليون فدان عن الموسم السابق لانصراف الفلاح عن زراعته ومع ذلك لم تلتفت الحكومة لهذا الخطر.

ولكن كل هذا «العك» الحكومي يهون أمام ما فعلته الحكومة فى انتخابات نقابة الصحفيين، فبمجرد أن استشعرت خطرا قد يهدد سيطرتها على النقابة، عندما اقترب مرشح غير حكومى من المقعد وهو ضياء رشوان، إلا وسارعت بتقديم الغالى والنفيس من أجل إظهار حبها المزيف والمفضوح للصحفيين، فخلال ساعات قدمت موافقتها على صرف 80 جنيها بدل تكنولوجيا من أول الشهر مع أن الصحفيين يعانون الأمرين من أجل البدل الحالى، ووافقت على حل مشكلة التأمينات التى ظلت معلقة لصحفيى جريدة الشعب لسنوات طويلة، ووافقت على إيجاد فرص عمل لهم فى حين أضاعت عليهم سنوات من عمرهم الوظيفى دون أن تظهر من قبل مشاعرها النبيلة إزاء مستقبلهم. كما عبرت عن حبها الزائد ووافقت على تخصيص 20 فدانا لمدينة الصحفيين فى 6 أكتوبر، ويبدو أن وزارة الاتصالات دخلت على خط الحب فى الساعات الأخيرة أمس حيث جاء الوعد بمضاعفة امتيازات التليفونات. ولكن قليلا من العك ربما تكون نتائجة أفضل فلا تتعجلوا فى إظهار حبكم.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات