معضلة التنمية.. الرؤية الإخوانية - شريف داود - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلة التنمية.. الرؤية الإخوانية

نشر فى : الإثنين 14 يناير 2013 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 يناير 2013 - 8:40 ص

تبدو «التنمية» مدخلاً رئيسياً لقراءة تفاعلات الثورة المصرية، تهدف هذه المقالة إلى محاولة النظر فى تصورات جماعة الإخوان المسلمين ــ ممثلة فى حزب الحرية والعدالة ورئيس الجمهورية ــ عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى أعقاب الثورة.

 

 

 

•••

 

لم يحتل الاقتصاد مكانة متقدمة فى أولويات وأدبيات الجماعة منذ تأسيسها وحتى الثمانينيات لحساب قضايا أخرى مثل التأسيس، والكفاح ضد الاستعمار، والتركيز على بقاء التنظيم وتماسكه أمام الضربات التى تعرض لها خاصة خلال الحقبة الناصرية.

 

ومثلت نكسة 1967 حداً فارقاً فى تاريخ النظام السياسى والاقتصادى المصرى أسهم فى خلخلة صيغة العقد الاجتماعى خلال الحقبة الناصرية والذى يمكن تلخيصه فى تنازل المواطنين عن حقوقهم السياسية مقابل تكفل الدولة بتحقيق معدلات تنمية اقتصادية متسارعة وتوزيع عوائدها بشكل يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث أدى فقدان مصر لعوائد قناة السويس وبترول سيناء، وتوجيه نحو 25% من الناتج المحلى الإجمالى طوال الفترة من 1967ــ 1973 لدعم المجهود الحربى ــ بالتزامن مع معاناة الاقتصاد من موجة تضخم أثناء تطبيق الخطة الخمسية الثانية 1961/ 1966ــ إلى إضعاف دور الدولة فى الاقتصاد، وتدهور مستوى الخدمات والبنية التحتية.

 

بينما تبنت الدولة فى أعقاب حرب أكتوبر سياسة الانفتاح الاقتصادى، بالتزامن مع تدفقات مالية كبيرة من الخارج اتجه أغلبها للمضاربات وأنشطة ريعية بالأساس، الأمر الذى ألقى بالعبء على الشرائح الفقيرة والطبقة الوسطى لارتفاع معدلات التضخم فى الوقت الذى عجزت فيه الدولة عن رفع الدعم، بل أدت محاولاتها لرفعه فى يناير 1977 إلى انتفاضة كادت أن تودى بالنظام.

 

وأدت الشروط القاسية لبرامج التكيف الهيكلى الخاصة بصندوق النقد الدولى التى تبنتها مصر فى الثمانينيات لحدوث ما يمكن تسميته «بالفجوة التنموية» بالنظر لوجود مجموعات كبيرة من السكان بحاجة إلى حقوق وخدمات أساسية لا تتمكن الدولة من تقديمها لهم، وقد تمكن الإخوان من سد جزء من تلك الفجوة باستغلال الفوائض المالية التى بحوزتهم من أرباح مشروعاتهم أو من دول الخليج.

 

 

 

•••

 

أدى نجاح عدد من الحركات الإسلامية ــ منذ السبعينيات ــ فى خلق شبكات موازية لتقديم الخدمات عجزت الدولة عن تقديمها للطبقات الفقيرة مثل التعليم والصحة إلى صعود نجم تلك الحركات فى عدد من الدول مثل لبنان (حركة المحرومين)، وحركة حماس فى غزة، وجماعة الإخوان فى مصر.

 

فعلى سبيل المثال: يمكن ملاحظة إلحاق بعض المؤسسات الخدمية والخيرية مثل المستوصفات الطبية، والفصول الدراسية (وأحياناً دور للأيتام أو المشاغل) بالمساجد خاصةً فى المناطق المهمشة، وهو ما يعنى عملياً تقديم المسجد لخدمات التعليم والصحة وتوفير فرص العمل بشكل بديل/موازٍ للدولة.

 

اللافت أن النظام المصرى سعى للاستفادة من هذا النمط التنموى الموازى بغرض التحلل من الأعباء المعيشية لشرائح واسعة من المواطنين فى ظل ظروف اقتصادية خانقة، أخذاً فى الاعتبار سيطرته التامة على المجال السياسى، ووجود قنوات للتفاوض مع الإخوان للوصول لصفقات ذات طابع تكتيكى للتعايش والاحتواء، مع امتلاكه للرادع الأمني/القانونى حال الإخلال بهذا التوافق (حل برلمان 1984 كمثال).

 

 

 

•••

 

فى التقدير أن استمرار نفس النمط لسد تلك الفجوة التنموية قد لا يستمر لعدة أسباب أهمها:

 

1 ــ يصلح النمط الخاص بإنشاء شبكات دعم اجتماعى بديلة/موازية للدولة كطرح لحركة سياسية معارضة ولكنه لن يصلح لحزب حاكم يفترض أنه يقود بالفعل أجهزة الدولة المختلفة.

 

2 ــ عبّرت ثورة 25 يناير عن أزمة اجتماعية مستفحلة تمثلت فى عجز النظام السياسى المصرى عن تمثيل الشرائح المختلفة للمجتمع المصرى، وإتاحة فرص عادلة للترقى فى السلم الاجتماعى، وقد قامت الثورة بفتح المجال السياسى أمام شرائح سكانية واسعة أغلبها غير مُسيَّس. وعليه، فإن الاستثمار فى معارك تتعلق بالهوية مع استمرار انسداد المجال الاجتماعى لن يجدى نظراً لأن الحقائق المعيشية ستفرض نفسها، ولن تجدى معها المسكنات.

 

3 ــ بالتزامن مع تلك الأزمة الاجتماعية، يعانى الاقتصاد من أزمة هيكلية حادة، واختلال عدد من المؤشرات الرئيسية مثل معدلات الدين، وعجز الموازنة، وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبى، وهى مشاكل للاقتصاد الكلى يصعب تصور حلها باستخدام أدوات تنتمى للاقتصاد الجزئى، الأمر الذى يشبه طبيباً يعالج مريضاً بمرض عضال باستخدام أقراص الأسبرين، بينما يظل السؤال قائماً حول مدى قدرة الحكومة الحالية على استخدام الاستثمارات الأجنبية ــ حال تدفقت على مصر وهو أمر مشكوك فيه- بالشكل الأمثل لتحقيق تنمية فاعلة ومستدامة.

 

4 ــ وتؤكد بعض المؤشرات خطورة التداخل بين الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية مثل تغير التركيبة الديمغرافية (أكثر من 60% من سكان مصر حالياً تحت سن الخامسة والثلاثين)، وارتفاع نسبة البطالة لمستويات قياسية فى ظل انكماش اقتصادى على المستويين المحلى والدولى، ارتفاع سقف التوقعات بصفة عامة بعد الثورة، والأداء الضعيف لجهاز الشرطة، والتلويح بإجراءات تقشفية حادة حال الحصول على قرض صندوق النقد، وأدت تلك العوامل لتزايد الشعور بالإحباط جراء الأداء الاقتصادى والسياسى المتردى للحكومة.

 

5 ــ ويزيد من عمق الأزمة استمرار السلطة الحالية فى تبنى انحيازات النظام السابق الاقتصادية دونما اعتبار حقيقى لدور الدولة الاجتماعى، أخذاً فى الاعتبار انتماء عدد من قيادات الإخوان المؤثرة لطبقة رجال الأعمال، بحيث لا تعدو رؤيتهم لإحداث تنمية حقيقية هدفها القضاء على الفقر من خلال التركيز على العنصر البشرى كونها صورة باهتة لمفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility. بالإضافة إلى السعى للسيطرة على مؤسسات الدولة بصورتها الحالية دونما إدخال إصلاحات حقيقية عليها رغم ما يتسم به أداءها من ضعف وترهل، وهو ما قد يثير أزمات بأكثر مما يطرح حلول.

 

 

 

•••

 

ختاماً يبدو أنه لا بديل عن تبنى الدولة لانحيازات تركز على تحقيق معدلات تنمية بشرية مرتفعة، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وإصلاح البنية التحتية، والتركيز على رفع معدلات التشغيل على حساب المؤشرات الرقمية الخاصة بالنمو الاقتصادى، والعمل على القضاء على الفقر والأمية والعشوائيات من خلال خطط ذات جداول زمنية واضحة، وإصلاح مؤسسات الدولة. ولن تأتى تلك الخطوات سوى فى سياق شراكة وطنية حقيقية على الصعيد السياسى، علماً بأن مصر تملك من الإمكانيات ــ رغم الظروف الصعبة ــ ما يؤهلها للبدء فى تصحيح المسار، بشرط وجود الرؤية والرغبة لتجنب المخاطر التى يقودنا إليها المسار الحالى (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً) بشكل حثيث.

شريف داود باحث بدرجة الماجستير فى التنمية المستدامة جامعة لندن.
التعليقات