سياسات ما بعد كورونا - حسين شكري - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سياسات ما بعد كورونا

نشر فى : الثلاثاء 14 أبريل 2020 - 12:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 أبريل 2020 - 12:55 م

فى زحمة الأخبار اليومية التى لا تنقطع عن جائحة كورونا وآثارها السلبية على جميع دول العالم، سواء حالات الوفاة أو الآثار الاقتصادية المترتبة عليها من ركود وبطالة، قد يكون الشىء الوحيد الذى يمكن أن يكون ايجابيا فى هذه العزلة الإجبارية أن نأخذ وقتنا لنراجع بعض سياساتنا الاقتصادية فى ضوء عالم اقتصادى مختلف وواقع جديد سيتشكل حتما بعد انقشاع هذه الغمة.

تتفق آراء المتابعين للشأن الاقتصادى العالمى أنه فى أعقاب أزمة كورونا سيزداد الدور الحكومى فى السنوات القادمة فى الحياة الاقتصادية حتى فى الدول التى تتبع نظما ليبرالية صريحة مثل الولايات المتحدة بخصوص تطوير برامج إنفاق حكومية مخصصة لبناء نظم رعاية صحية وقائية شاملة لجميع المواطنين لا تفرق بين غنى وفقير بحيث تصبح الخدمات الصحية متاحة للجميع دون تفرقة.

اعتمدت الدولة فى مصر خلال الأربعة أعوام السابقة أساسا على الانفاق الحكومى على المشروعات القومية الكبرى من مدن جديدة وطرق وكبارى ومحطات كهرباء لتحقيق نمو اقتصادى تجاوز نسبة 5% سنويا فى حجم الناتج القومى. كما ساعد فى تحقيق هذا النمو تحسن ملحوظ فى قطاع السياحة، كما دخلت الدولة مباشرة فى النشاط الإنتاجى والتنمية العقارية من خلال شركات تابعة لها. إلا أن الاستثمارات المباشرة سواء من الخارج أو الداخل لم يكن لها دور يذكر فى تحقيق هذا النمو على الرغم من التحسن الواضح فى المرافق العامة باستثناء الاستثمارات الأجنبية فى قطاع البترول والغاز. كان السبب الذى يذكر فى دوائر محدودة لتفسير عزوف القطاع الخاص الأجنبى والمحلى عن ضخ استثمارات جديدة هو مزاحمة الدولة لهم وعدم وضوح الرؤية المستقبلية حول دور الدولة فى النشاط الاقتصادى.

فى الواقع الجديد الذى سنعيشه مستقبلا بإذن الله أنصح أن توجه الدولة جزء أكبر من الانفاق الحكومى على قطاعى الصحة والتعليم على حساب المشروعات القومية الكبرى والنشاط العقارى. فالصحة والتعليم هما أساس مستقبل هذه الأمة وينص دستور 2014 صراحة على نسب الانفاق على هذين القطاعين تفوق بكثير ما يتم انفاقه الآن. أما بالنسبة للمشروعات القومية الكبرى، فيتم استكمال ما تم بدؤه منها ولكن على فترات زمنية أطول.

فى عالم ما بعد كورونا، سيكون للهيئات التى تعتمد على التكنولوجيا وتقديم خدماتها عن بعد مساحة أكبر على خريطة النشاط الاقتصادى ولذا أنصح أن يخصص جزء من الانفاق الحكومى لدعم عملية التحول الرقمى وسرعة دخول مصر هذه المجالات الواعدة. علما بان فى مصر قاعدة لا بأس بها من الشباب الذى نبغ فى صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والذين يمكن أن يكونوا نواة لهذه الأنشطة.

ستواجه مصر فى الفترة القصيرة القادمة هبوطا فى حصيلة العملات الأجنبية الداخلة نتيجة توقف حركة السياحة، كما ستنخفض تحويلات المصريين فى الخارج نتيجة تباطؤ اقتصاديات دول الخليج وهبوط أسعار البترول. كما أن استثمارات صناديق العائد الثابت والتحوط الأجنبية فى أدوات الدين المصرى ستبدأ فى الخروج لاتباع هذه المؤسسات سياسات استثمارية أكثر تحفظا وظهور فرص استثمارية واعدة فى أسواق مال أخرى نتيجة حركة التصحيح التى تتم الآن. وبالفعل أعلن وزير المالية ان استثمارات الأجانب فى أدوات الدين انخفضت من 28 مليار دولار إلى 14 مليار دولار، كما أعلن البنك المركزى انخفاض احتياطى النقد الأجنبى 5 مليارات دولار منذ بداية الأزمة. سيكون علينا تعويض النقص فى حصيلة النقد الأجنبى عن طريق العمل بجد لتعظيم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الأمر الذى سيتطلب اعادة النظر فى دور الدولة فى العملية الإنتاجية الذى تقوم به الآن، واعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص المحلى والأجنبى حيث أن الاقتراض الخارجى ليس اختيارا آمنا لعدم زيادة أعباء خدمة الدين.

فترات الركود تتطلب دائما اتباع سياسات مالية ونقدية انفراجية للخروج من الأزمة، ففى تلك الأوقات تكون الأولوية للخروج من الأزمة سريعا حتى وان كان الثمن تحقيق عجز أكبر فى الموازنة. وبالفعل أعلنت معظم الدول برامج إنفاق هائلة سواء فى الولايات المتحدة أو الصين أو أوروبا، فقامت معظم البنوك المركزية ــ بما فيها البنك المركزى المصرى الذى خفض أسعار الفائدة 300 نقطة ــ بتخفيض أسعار الفائدة إلى صفر وبعضها طبق أسعار فائدة سلبية. كما استأنف بعضهم برامج التيسير الكمى التى طبقتها بنجاح أثناء الأزمة العالمية فى 2008. بالإضافة إلى ذلك اتخذ البنك المركزى المصرى عددا من المبادرات الإيجابية لإقراض الشركات العاملة فى مجالات الزراعة والصناعة والطاقة الجديدة والسياحة والتمويل العقارى بأسعار فائدة مخفضة فى إطار جهوده الحثيثة لدفع عجلة النشاط الاقتصادى، وان كنت أعتقد أن قطاع السياحة سيحتاج لدعم أكبر بصورة مباشرة نتيجة توقف النشاط تماما. كما أعلن السيد رئيس الجمهورية تخصيص 20 مليار جنيه للاستثمار فى البورصة من خلال البنك المركزى واستقبل هذا القرار بكثير من الارتياح من الشركات العاملة فى مجال الأوراق المالية.

أعلنت الحكومة المصرية أيضا تخصيص مبلغ استثنائى لمواجهة آثار كورونا قدره 100 مليار جنيه الذى يمثل نحو 2.5% من حجم الناتج القومى. ولا يمكن الحكم الآن هل سيكون هذا المبلغ كافيا لمساعدة الشركات والأفراد الأكثر تضررا وقد تحتاج الحكومة تخصيص مبالغ اضافية فى ضوء استمرار الحظر وتباطؤ النشاط الاقتصادى لمدة أطول، بل توقفه فى بعض القطاعات. وفى جميع الأحوال يكون من المفيد اعلان تفاصيل توزيع هذه المساعدات فى أسرع وقت ممكن.

فى الوقت الذى يعانى العالم أجمع من الآثار السلبية لكورونا وفى هذه الظروف التى يعاد تشكيل خريطة القوى الاقتصادية الجديدة واتجاه العالم شرقا تتاح لمصر فرصة أخرى لتقديم نفسها كمكان جاذب للاستثمار فى ضوء موقع جغرافى متميز يحظى بوجود قناة السويس وما حولها من منطقة اقتصادية فريدة وبنية تحتية على مستوى عال وقوة بشرية شابة وسوق استهلاكية ضخمة.
إن هذا الوقت فرصة ثمينة لإعادة النظر فى سياساتنا لنستفيد قدر المستطاع مما هو قادم.

حسين شكري رئيس مجلس إدارة شركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار
التعليقات