الموازنة الجديدة وتخفيض العجز - حسين شكري - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الموازنة الجديدة وتخفيض العجز

نشر فى : الأربعاء 16 يوليه 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 يوليه 2014 - 9:00 ص

أقر السيد رئيس الجمهورية الموازنة الجديدة للعام المالى 2014/2015 بعد أن عدلتها الحكومة بناء على طلبه لتشمل تخفيضا إضافيا للعجز ليصبح 10% من إجمالى الناتج القومى بدلا من 14% ويعتبر هذا التوجه خطوة فى الاتجاه السليم ليعود الاقتصاد المصرى إلى الاستقرار. ستعمل الحكومة بموازنة يبلغ حجم الانفاق بها 790 مليار جنيه مقارنة بـ 737 مليار جنيه فى الموازنة المنتهية للعام المالى 2013/2014.

إن حجم الانفاق المقدم فى الموازنة يعتبر فى حد ذاته انكماشيا حيث إنه أقل قليلا من حجم الانفاق فى الموازنة السابقة أخذا فى الاعتبار الزيادة فى الأسعار ومعدلات التضخم بين العامين.

•••

تميزت الموازنة الجديدة بتحرك الحكومة المصرية لأول مرة للسيطرة على حجم الدعم الذى أخذ فى التزايد سنة بعد أخرى حتى بلغ 180 مليار جنيه يوجه منه 130 مليار جنيه لدعم المنتجات البترولية. وأصبح الدعم يلتهم حوالى ربع الموازنة ويتسبب فى وجود عجز كبير كان سيصل إلى 350 مليار جنيه وديون داخلية قاربت أن تكون بحجم الناتج القومى الإجمالى ولذا وجب السيطرة عليه، فقامت الحكومة بتخفيض دعم المنتجات البترولية الوارد فى الموازنة الجديدة بحوالى 40 مليار جنيه واتخذت القرارات التنفيذية لتحقيقه بزيادة أسعار البنزين والسولار والكهرباء والغاز ومن المهم أن نتذكر أن دعم المنتجات البترولية كان قد ارتفع من 40 مليار جنيه إلى 130 مليار جنيه بين عامى 2007 و2013.

شهدت الموازنة أيضا بعض الإصلاحات الهيكلية ففرضت ضرائب جديدة بمقدار 5% على الأفراد والشركات التى يزيد دخلهم على مليون جنيه سنويا لتصبح الضريبة المفروضة على هذه الشريحة 30% بعدما كانت ٢٠٪ فى سنة ٢٠١٢.

كما تم استحداث لأول مرة ضريبة بمعدل 10% على الأرباح الرأسمالية المحققة فى البورصة، وكذلك على توزيعات الأرباح النقدية التى تجريها الشركات.

وتحقق هذه الخطوة الإصلاحية أيضا نوعا من العدالة فى توزيع الأعباء فى المجتمع فيتحمل القادرون ماليا العبء الأكبر وإن كان الجميع يتحمل.

ماذا يعنى كل ذلك وكيف يمكن قراءته؟

•••

إن خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب هى إجراءات انكماشية، تم اتخاذها فى آن واحد وفى فترة يعانى فيها الاقتصاد من الكساد والتضخم، وهى وإن كانت قرارات جريئة وشجاعة وضرورية كان يجب أن تتخذ منذ سنوات طويلة ولكن تم إهمالها. وهذه السياسة الانكماشية سيكون لها آثار سلبية غير مقصودة لا يجب إغفالها بل ينبغى الاستعداد لمعالجة آثارها حتى نمضى معا إلى بر الأمان.

أولها زيادة أسعار الوقود التى ستؤدى بالضرورة إلى زيادة أسعار السلع والخدمات فى المجتمع نتيجة ارتفاع التكلفة وهذا أمر لا مفر منه وسيؤدى إلى ارتفاع جديد فى معدل التضخم الذى يبلغ الآن 10% وهو معدل يعتبر مرتفعا.

الأمر الثانى هو أن الاجراءات الجديدة ستقلل من الدخول المتاحة للاستهلاك والاستثمار الذى بدوره سيخفض معدل النمو فى حجم الناتج القومى الذى يصل الآن إلى حوالى 2% وهو معدل نمو منخفض للغاية.

أما الأمر الثالث الذى لا يجب أن نغفل عنه هو البطالة الإضافية التى ستظهر نتيجة ضعف النشاط الاقتصادى الذى لن يكفى لاستيعاب الزيادة السنوية فى القوى العاملة، علما بأن معدلات البطالة الحالية مرتفعة فى حدود 12% قبل البدء فى تنفيذ الإجراءات الجديدة.

•••

على الحكومة أن تراقب وترصد هذه الآثار السلبية التى ستوجد نتيجة تنفيذ هذا البرنامج الإصلاحى وتتخذ من الاجراءات التى تحد منها حتى لا تستفحل آثارها الاجتماعية. وأول هذه الإجراءات هو مراقبة الأسعار والأسواق لإيقاف الممارسات الخاطئة سريعا، كما أنصح بأن يكون هناك قدر من المرونة فى تعديل الموازنة لإدخال برامج انفاق جديدة إذا لزم الأمر للتقليل من معدل البطالة والأهم من كل ذلك هو بذل الجهود لتذليل العقبات الإدارية والروتينية لتخلق بيئة حاضنة لاستقبال الاستثمارات التى ستتولد من مؤتمر الدول المانحة المخطط إقامته آخر العام، فليس هناك وسيلة أفضل لمعادلة السياسات التقشفية اللازمة من استقطاب استثمارات مباشرة من الخارج لعمل مشروعات جديدة تخلق فرص عمل وتدعم النشاط الاقتصادى.

•••

من المهم أن نذكر أن هذه الروشتة الإصلاحية يجب أن تتضمن فى جزئها الثانى جهودا حثيثة لتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد ويمكننا فى هذا الشأن الاستعانة بخبرات المتخصصين من الخارج وتجارب الدول التى سبقتنا ونجحت فى تحقيقه كما أنصح بالتوسع فى فرض الرسوم بديلا عن الضرائب المباشرة بدلا من الاستمرار فى زيادة الضرائب والأعباء على الشريحة الحالية للممولين حيث إن هناك حدودا لما يمكن تحميله لهذه الشريحة حتى لا تنقلب الأمور.

فتجربة فرنسا فى عهد الرئيس الاشتراكى أولاند واضحة وكاشفة للجميع، فعندما قامت الحكومة الفرنسية بفرض ضرائب إضافية على مجتمع الأعمال الفرنسى هاجر قطاع كبير منه إلى دول أوروبية مجاورة وأصبح الاقتصاد الفرنسى يعانى من معدلات بطالة مرتفعة وضعف النمو الاقتصادى مقارنة بدول أوروبية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا. ومن المدهش أن الحكومة الفرنسية تحاول الآن تصحيح سياساتها لتخفيض الضرائب وتقليل هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادى وتشجيع القطاع الخاص.

كما يجب أيضا العمل على إصلاح الجهاز الإدارى للدولة واحتوائه حتى لا تنفلت فاتورة الأجور والمرتبات التى تلتهم ربعا آخر من الموازنة.

•••

على الحكومة أن ترسل رسالة واضحة لمجتمع الأعمال أنها مازالت تدعم الملكية الفردية وتشجع الاستثمار الخاص وروح المبادرة وأن دورها الأساسى هو العمل كمنظم ومراقب للنشاط الاقتصادى وليس مهيمنا عليه، فالقطاع الخاص يوفر حوالى 70% من الوظائف فى مصر. إن العلاج فى أحيان كثيرة يتطلب أن يتجرع المريض الدواء المر حتى يشفى والقرارات الجديدة هى الدواء المر لمصر، فلنتحمله جميعا حتى تسترد مصرنا قوتها وعافيتها.

حسين شكري رئيس مجلس إدارة شركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار
التعليقات