إلى القرآن من جديد
.. 3ــ العلم- أــ ما هو - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى القرآن من جديد
.. 3ــ العلم- أــ ما هو

نشر فى : الجمعة 14 أغسطس 2015 - 10:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 أغسطس 2015 - 10:05 ص

ــ1ــ

يتحدث المسلمون كثيرا عن العلم، ويستشهدون على عناية الإسلام بالعلم بشهادات بليغة وصادقة، وأبرز هذه الشهادات أن الله جل جلاله قد سمى نفسه: العليم الخبير الحفيظ المحيط... إلخ، وجميع هذه الأسماء الحسنى ــ كما تراها ــ تشير إلى جهة من جهات العلم. كما يستشهدون على أهمية العلم فى الإسلام بأن أول لفظ تنزل من القرآن كان الأمر بالقراءة ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِكَ الَذِى خَلَقَ)). وكذلك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله «إِنَمَا بُعِثْتُ مُعَلِما»، وكثيرا ما بين الرسول ثواب العلم والمعلم والمتعلم وثواب من ييسر العملية التعليمية على كل مستويات التيسير. ومع هذا، فمازال المسلمون لم يتوافقوا ويتفقوا على تعريف العلم، ودليلنا على ذلك تلك المصطلحات المتوارثة فى مجال العلم والتى تثير العجب كما يشهد الواقع.

ــ2ــ

فمثلا ها نحن المسلمين نصنف العلم إلى: علم شرعى كعلوم القرآن والسنة، وعلم عقلى كالرياضيات والمنطق، وعلم طبيعى كالكيمياء والطبيعة والأحياء. وهكذا نفهم من هذا التصنيف والتخصيص أن العلوم العقلية والطبيعية وغيرهما ليست علوما شرعية، مع أن الأمة تقدر جميع هذه العلوم الأخرى وتدرسها، وربما تفوقت عالميا فى بعض منها كما رأينا ابن سينا وجابر بن حيان والحسن بن الهيثم وغيرهم وغيرهم. فلماذا يبقى هذا المصطلح القاصر؟ مصطلح «العلوم الشرعية» قاصرا مقتصرا على جهود البشر فى فهم القرآن والسنة، حتى وقع كثير من الناس فى وهم أن تلك العلوم (شراح التفسير وشراح الأحاديث) هى علوم إلهية لها قداسة مثل قداسة الوحى أو تقاربه. وهكذا سبب مصطلح «العلوم الشرعية» خللا على مستويين أحدهما تقديس فكر بشرى بلا أدنى سبب، والآخر نزع الشرعية عن العلوم والمهارات التى يعمر بها الكون وتتقدم بها البشرية.

والأصح والأولى أن تسمى علوم القرآن والسنة علوم «المنهج الرئيس» نظرا إلى ما يحتويه القرآن والسنة من قيم ومبادئ وسنن إلهية متعددة سواء فى الأنفس أو الآفاق أو الاجتماع الإنسانى فضلا عن إشارات كثيرة لبعض ميادين البحث العلمى، فإذا أطلقنا على جهود المسلمين لفهم القرآن والسنة «علوم المنهج الرئيس»، نكون قد تفادينا الخطأين السابق الإشارة إليهما.

ــ3ــ

كذلك انزلق المسلمون مع غيرهم فى اعتماد مصطلح «علوم إنسانية»، والتى تضم علوم الاجتماع والنفس... إلخ. وقبول هذا المصطلح كما هو يجرد سائر العلوم من وصف إنسانى، ذلك الوصف الراقى الذى لا ينبغى أن يحرم من الاتصاف به أى جهد نافع للبشرية. وها هو القرآن الكريم يشير إلى تنوع أحوال النفس البشرية بين نفس مطمئنة ونفس ملهمة ونفس فاجرة ونفس تقية ونفس أمارة بالسوء وأخرى زكية... إلخ. فكل علم يحقق إعمار الحياة وسلامتها هو علم شرعى، وكل علم يساعد على تقدم الإنسان ورفاهيته هو علم إنسانى. فلماذا لا تتعمق دراسات النفس الإنسانية والعمران البشرى على أنها علوم شرعية وعلوم إنسانية وكلها من إبداعات البشر خصوصا إذا استندوا إلى أصول قرآنية أو نبوية.

ــ4ــ

كذلك فمازال المسلمون مقصرين فى تعريف العلم تعريفا جامعا مانعا، إذ يقصرون معنى العلم على ما يحصله التلاميذ والطلاب فى معاهد التعليم المختلفة، بينما يتركون الخبرات العملية المتراكمة، فلا يعتبرونها علما لأنه ليست هناك معاهد تقيس الخبرة وتنميها وتقيمها وتعتمدها. وأعجب العجب عند المسلمين أنهم يعتبرون فرع «البحث العلمى» رفاهية وتزيدا إذ لا يحظى البحث العلمى فى ميزانيات المسلمين بعشر معشار ما يستحق، كما أن الباحثين فى شتى المجالات لا يلقون شيئا من التقدير الاجتماعى المستحق لهم، فإذا أضفنا إلى ذلك تعالى واستعلاء وابتعاد الساسة (المخططين والمشرعين والمنفذين) جميعهم عن العلم، فهم لا يقربون العلم إلا للتحلى به على سبيل التجمل والظهور، ولكن لا يستعينون بالعلم والعلماء فى دراسة الواقع ولا تجديده ولا إدارة أزماته ومشاكله. فهل هذا حال أمة كتابها الأول هو كتاب العلم؟ وهكذا خلا الخطاب السياسى والاقتصادى والدينى من اعتماد العلم وممارسته، فإلى أين يذهب الناس؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات