المؤامرة.. كلاكيت ألف مرة - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 12:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المؤامرة.. كلاكيت ألف مرة

نشر فى : السبت 14 نوفمبر 2015 - 1:40 ص | آخر تحديث : السبت 14 نوفمبر 2015 - 1:40 ص

نظرية المؤامرة هى أسوأ نظرية دمرت وأخرت العقل العربى والإسلامى عن الانطلاق.. وهى نظرية مريحة للعقول الكسولة والجماعات والدول والأمم التى أدمنت سطحية التفكير والتى تكره المنطق العلمى والتفكير العقلانى.. فالمؤامرة هى الشماعة الجاهزة التى نعلق عليها أخطاءنا وسلبياتنا وقصورنا.. وقد نأت هذه الشماعة بكثرة ما علق عليها من أخطاء.

نظرية المؤامرة هى نظرية بائسة فاسدة.. فالمؤامرة موجودة فى الحياة وفى السياسة الداخلية والخارجية والعلاقات الدولية.. ولكنها لا تحول بين أمة وبين النجاح والتقدم والنصر إذا أخذت بأسبابها.. ولا تجعل أمة تنهزم وتندحر وتتأخر إلا إذا دب فيها الفساد وعمها الإهمال وسادتها الرشوة أو اصطدمت بسنن الكون وسنن النفس البشرية.

فمن أخذ بأسباب النصر والتقدم والتحضر انتصر وساد حضاريا حتى لو كان كافرا.. ومن أخذ بأسباب الهزيمة والتخلف الحضارى هزم وقهر وتخلف إنسانيا وحضاريا حتى ولو كان مؤمنا عابدا.. والله ينصر ويرفع الأمة أو الدولة أو الجماعة العادلة وإن كانت كافرة.. ويخذل فى الوقت نفسه الأمة أو الدولة أو الجماعة الظالمة الفاسدة وإن كانت مسلمة.

فسنن الله لا تجامل مؤمنا لإيمانه ولا تضطهد كافرا لكفره.. فمن سار مع سنن الله ونواميسه فى خلقه انتصر وتقدم.. ومن اصطدم مع سنن الله فى كونه وخلقه ونواميسه كسرت رأسه ورغم أنفه وتخلف حضاريا وإن كان مسلما.. والله لن يغير سننه ونواميسه من أجل أحد « فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَةِ اللَهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَةِ اللَهِ تَحْوِيلا».

والغريب فى الأمر أن معظم الشعوب العربية ومؤسسات دولها تعشق نظرية المؤامرة.. والأغرب أن طيفا واسعا من الشعب المصرى تشرب النظرية من أيام الستينيات، حيث تولى الثقافة والتوجيه معظم عشاقها.

وتاريخ نظرية المؤامرة فى مصر عجيب فقد تلقفها اليساريون أولا ثم ترسخت لدى الإخوان فى أواخر الخمسينيات والستينيات.. وكانت حلا مثاليا وتفسيرا مريحا لكل ما أصابهم.

كما كانت نظرية المؤامرة هى أساس الخطاب الإعلامى فى العهد الناصرى.. وتم تفسير معظم الأحداث الكبرى بها مثل هزيمة 5 يونيو.

ثم انتقلت النظرية فى السبعينيات من الإخوان إلى معظم الحركات الإسلامية التى فسرت معظم الأحداث الكبرى التى مرت بها بهذه النظرية البائسة وفسرت كل انكسارتها بها.. ولم تكتف بذلك بل كتبت تاريخها والتاريخ الحديث كله بهذه الفلسفة العقيمة مثل كتابات د. جمال عبدالهادى التاريخية رغم أدبه وفضله، وذلك كله تسبب فى تأخر العقل الإسلامى.

والغريب فى الأمر عشق الجميع للنظرية رغم اختلافهم فى كل شىء.. فهزيمة يونيو 1967 ليست بسب الخلل السياسى والعسكرى الذى أصاب القيادة السياسية والعسكرية ممثلة فى ناصر وعامر ولكن بسبب المؤامرة الإمبريالية الصهيو أمريكية.

ورغم تقديرى للمرحوم جلال كشك إلا أن معظم كتاباته تنبع من نظرية المؤامرة.. فثورة 23 يوليو مؤامرة أمريكية يهودية على الإسلام وعبدالناصر أصله يهودى والإخوان يكررون ذلك.. وهذا كلام ساذج لا يستحق مجرد القراءة.

ونفس ما قاله الإخوان عن عبدالناصر قالوه مع خصومهم بعد 30 يونيه فكل خصومهم من الحكام وخاصة الذين قدموا من الجيش جعلوا أمهاتهم يهوديات.. كيف ذلك؟.. لا تدرى؟!

أما أحداث 11 سبتمبر وتفجير البرجين فهو عند معظم الإسلاميين من تدبير الموساد الإسرائيلى واليهود ويسوقون لذلك أدلة ساذجة مع أن كل من يعرف ألف باء صحيحة عن القاعدة يدرك أنها هى التى قامت بهذا التفجير وهى تفخر به فى أدبياتها وكتبها ورسائلها وتعده من بطولاتها.. ويعرف الجميع دور كل من قاموا بالحدث بداية من الفكرة وحتى تمام التنفيذ.. وهؤلاء ينسون أن الموساد أذكى من ذلك.

وأغرب ما فى نظرية المؤامرة أنها تعطى اليهود قوة خارقة تتحكم فى الكون كله وتسيره وتلغى جميع الإرادات وتقهر كل رغبات التغيير الإيجابى لمن أراده من الشعوب.. فكل الأدبيات الإسلامية لا تعرف قوة فاعلة فى الكون سوى اليهود والماسونية.. والناصريون كانوا يرونها فى الإمبريالية العالمية والصهيونية.

وعلى نفس المنوال يسير بعض الإعلام المصرى الآن متبنيا نظرية المؤامرة بإفراط وسذاجة.. فالأمطار أغرقت الإسكندرية والبحيرة لأن خمسة من الإخوان سدوا البلاعات فى الإسكندرية.. وهل ذلك هو الذى أدى لكل الأضرار الخطيرة التى دمرت عشرات الآلاف من الأفدنة ومئات المنازل والمخازن والجراجات والصيدليات فى عدة محافظات.

وإذا ارتفع الدولار وانخفض الجنيه فحسن مالك هو السبب فى ذلك.. فلماذا لم ينخفض الدولار بعد القبض عليه؟ أم أنه يزاول نشاطه فى السجن.

وإذا حدث تفجيرات فى مقار الشرطة أو الجيش أو اغتيل النائب العام «هشام بركات» أو أحد الضباط فمعظم أبناء تحالف الشرعية ينطقون بلسان واحد بداية من فراش الصحة إلى أستاذ الجامعة أن ذلك من تدبير المخابرات للإيقاع بالإسلاميين وتبرير سجنهم.. فإذا قلت له لماذا النائب العام قال لك: لأن دوره قد انتهى فإذا حاولت إفهامه بأن المخابرات والأجهزة الأمنية أذكى بكثير من أن تفعل ذلك ولا حاجة لها بذلك.. وأنه يكفى أن يشار لأكبر موظف بإشارة فقط ليستقيل من تلقاء نفسه.. وقد حاولت ثلاث ساعات إثناء عضو من التحالف عن قناعته الخاطئة بأن المخابرات هى التى تقف خلف محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق «محمد إبراهيم» دون جدوى رغم سخف الحجج التى ساقها.


أما اغتيال السادات فهو من تدبير مبارك أو المخابرات الأمريكية عند معظم الإسلاميين وكلاهما برىء من ذلك.. والحادث بكل تفاصيله من بدايتها لآخرها وأشخاصه معروفون للجميع ولم يكن لأحد تأثير عليهم سوى أفكارهم وقناعاتهم.


إن سياقات نظرية المؤامرة تحمل فى طياتها استخفافا بالعقول وغفلة عن الأسباب الحقيقية للمشكلة وبعدا عن حلها..


المؤامرة لا تنجح إذا كنت جادا مجتهدا.. المؤامرة لا تنجح إذا كان نظامك الإدارى والسياسى والاقتصادى والتعليمى والأمنى والتقنى قويا محكما صلبا.. المؤامرة لا تنجح إذا كان مجتمعك قويا اجتماعيا وحضاريا وعلميا وثقافيا.. ولا تنجح إذا كان المجتمع والدولة يحترمان الفقير والمسكين والضعيف والمريض والسجين وحقوق الإنسان الأخرى.

التعليقات