«إحنا صغيرين قوى يا سيد...!» - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 2:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

«إحنا صغيرين قوى يا سيد...!»

نشر فى : الإثنين 15 فبراير 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 15 فبراير 2016 - 10:20 م
فى مصر هناك اتجاهان، إما أن تولد كبيرا أو تولد صغيرا، والفارق بينهما شاسع ومخيف.

قطعا ما أقصده ليس له علاقة بعمرك، ولا قامتك، بل أعنى ما تملكه من رصيد فى القوة والسلطة والجبروت.

الكبار لا سطوة عليهم، ولا أمل لك فى أن تصبح مثلهم، طالما ولدت ضئيلا، لا تملك من متاع الدنيا إلا إنسانيتك.

والصغار لا حول لهم ولا سند، مهزومون، مذلولون، يتذوقون يوميا جرعات من الخوف والمرارة وقلة الحيلة.

أن تعيش فى وطنى صغيرا يعنى أن تكون مستعدا طيلة الوقت لدفعات من الظلم والقهر، وليس مسموحا لك بالشكوى إلا لخالق واحد يرى ويسمع، لكنه لا يتدخل إلا بميعاد.

أن تعيش فى وطنى كبيرا، يعنى أن كل شىء مباح، الكل فى طاعتك، فى خدمتك، تحت وصايتك، وما عليك إلا أن تقول للشىء كن فيكون.

فى وطنى، لا يعيش الكبير والصغير متجاورين، ولا يلتقيان إلا مصادفة، ولا يتحدثان إلا بلغة الإملاءات، فالكبير يأمر وينهى، والصغير ينفذ دون أدنى إرادة.

يحدث فى مصر فقط، أن يدفع الصغير ثمن أخطاء الكبار، فالأخير لا يُسأل ولا يُحاسب، بينما يظل سيف العقاب مسلطا على رقبة الأول طيلة الوقت، دون ذنب أو جريمة يقترفها.

هذا باختصار الفارق بين الاثنين، وهو لو تعلمون فارق عظيم ومهين.

فى بلادنا، لا تزال قوى القهر والاستبداد عفية وقادرة وأذرعها ممتدة، تطولك أينما كنت، فلا راد لسلطانها، ولا سبيل لتفاديها.

فى بلادنا، لا تزال قوى الخير والمحبة واهنة وساكنة، موجودة ولكنها لا تقوى على منازلة أو تحدى غريم صار متوحشا غليظا، يعمل له ألف حساب.

تفجرت الثورة فى بلادى حتى تستقيم الأحوال، ليتساوى الكبير والصغير، لتسود العدالة، لتذهب قوى القهر إلى غير رجعة، ولتتقدم قوى الخير إلى الأمام.

تفجرت الثورة لتنهى أسطورة السادة والعبيد، لتزيل الفوارق ويصبح الكل أمام القانون سواء، فهل حدث ما نزفت من أجله الدماء؟

تعلم سيدى مثلما أعلم أن الثورة هزمت شر هزيمة، تعرضت لضربة قاضية أودت بأحلامها وأمانيها، فتمادى الكبير فى طغيانه، وعاد الصغير وحده مكسورا، حاملا فوق كتفه عذاباته وهمومه.

كان مشهد الرائعة سناء جميل وهى تعجز عن عبور الشارع للوصول إلى أحد الكبار معبرا بدقة عن حالنا، قالت بكلمات تملؤها الحسرة وخيبة الأمل للعظيم أحمد زكى، فى مشهد أبدعه وحيد حامد فى فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة»: «إحنا صغيرين قوى يا سيد»، كانت باكية تعرف يقينا أن صوتها لن يصل إلى هذا الكبير، فحجم الفارق بينهما سحيق.

هذا المشهد يتكرر فى مصر يوميا ملايين المرات، فكم من صغير مسحوق أمام جبروت الكبار، وكم من حلم صغير دهسته أقدام الكبار؟!!.

أود أن اطمئنك سيدى أننا سنظل نعيش فى تلك الدائرة الظالمة ــ دائرة الكبار والصغار ــ إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا، فالصغير سيظل صغيرا بل سيتضاءل، والكبير سيظل كبيرا بل سيتوحش.

نهاية، لا أملك لك أيها الصغير إلا الدعوات، أتمنى أن يأتى يوم عليك وتقوى على عبور الشارع، وأن تتمكن من توصيل صوتك للكبار، بدلا من الحسرة على حالك والتمتمة بعبارات يائسة مثل: إحنا صغيرين قوى يا مصر...!
التعليقات