مصريون لكن وطنيين - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصريون لكن وطنيين

نشر فى : الأحد 15 مايو 2011 - 8:31 ص | آخر تحديث : الأحد 15 مايو 2011 - 8:31 ص
كانت لوحة جميلة عرضتها وسائل الإعلام المختلفة لأسمى صور الوطنية المصرية المعاصرة عندما بدأ المتظاهرون المسلمون فى إقامة شعائر صلاة الجمعة فى ميدان التحرير وسط حماية ظاهرة من إخوانهم الأقباط.

وجمعت مظاهرات المصريين ضد النظام السابق بين رفعة المصاحف وحملة الصلبان، واتحدا فى الهتاف بضرورة إسقاط النظام الديكتاتورى وإقامة دولة ديمقراطية. ومثل كل ذلك صورة مصرية افتخر بها الجميع. وإن دلت الصورة على شىء، فهو عمق وطنية المصريين وولاؤهم لبلدهم.

ولم تكن صورة الوطنية المصرية المعاصرة استثناء، فقد شهدت مصر مواقف وأفعالا عديدة تؤكد وطنية مواطنيها.

ففى خلال حرب أكتوبر عام 1973، التى لم تكن حربا دينية، لا مسيحية ولا إسلامية، بل كانت حربا مصرية خالصة، لم تفرق الطائرات أو الطلقات الإسرائيلية القاتلة بين المسلمين أو المسيحيين من جنود الجيش المصرى. سقط شهداء، وسال الدم المصرى معلنا عن شهادة أصحابه، ولم يفرق أحد بين الدم المسلم والدم المسيحى، فالكل عند ربهم شهداء.

وكما مثلت معركة أكتوبر أهم تحدٍ واجهه الجيش المصرى فى تاريخه الحديث، فقد مثلت المعركة أيضا أكبر شهادة على عشق الأقباط لمصرهم. كانت أهم العقبات الإستراتيجية فى تلك المعركة هى كيفية التغلب على حائط خط بارليف الذى بنته إسرائيل، وتم بناؤه على طول شرق قناة السويس، وذلك لمنع عبور أى قوات مصرية من خلاله.

تميز خط بارليف بساتر ترابى ذى ارتفاع كبير، من 20 إلى 22 مترا، أى ما يقرب من ارتفاع بناء من خمسة أدوار، وبزاوية مقدارها 80° درجة لكى يستحيل معها عبور السيارات والمدرعات وناقلات الجنود إضافة إلى كهربة هذا الجبل الضخم، كما كان فى قاعدته أنابيب تصب فى قناة السويس لإشعال سطح القناة بالنابالم الحارق إذا ما حاولت القوات المصرية العبور.

وروجت إسرائيل طويلا لهذا الخط على أنه يستحيل عبوره، إلا أن عبقرية أحد أفراد الجيش المصرى من سلاح المشاة، الضابط «باقى زكى يوسف»، تخطت كل هذه العقبات بما لديه من عزم ومثابرة وكثير من الذكاء. كان البطل «باقى زكى يوسف» هو أحد أبناء الكنيسة المصرية القبطية ويمتاز بالتدين والاستقامة فى حياته.

وفى ساعة الصفر يوم 6 أكتوبر عام 1973 قام الضابط «باقى» مع بعض زملائه باستخدام طلمبات الضغط العالى التى وضعت على عائمات تحملها فى مياه القناة ومنها انطلقت المدافع المائية مصوبة نحو خط بارليف. وقام «باقى» مع جنوده بفتح 73 ثغرة فى خط بارليف فى زمن قياسى لا يتعدى ثلاث ساعات، مما ساعد فى دخول مئات المدرعات والدبابات سيناء، وعبور الجيش إلى الضفة الشرقية لخط القناة وهذا العمل الكبير ساعد وساهم فى تحقيق النصر.

وتقديرا لجهوده تم منح الضابط باقى نوط الجمهورية العسكرى من الطبقة الأولى عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة فى مواجهة العدو بميدان القتال، تسلمه من يد الرئيس الراحل أنور السادات فى فبراير 1974، وأيضا وسام الجمهورية من الطبقة الثانية تسلمه من الرئيس السابق حسنى مبارك بمناسبة إحالته إلى التقاعد من القوات المسلحة عام 1984.

أما رفض الكنيسة المصرية والبابا شنودة، المتكرر للتقرير السنوى للجنة الحريات الدينية الأمريكية، الذى وضع مصر الشهر الماضى فى القائمة السوداء فى مجال انتهاك الحريات الدينية، فهو موقف يعكس وطنية سامية. ورغم مطالبة الكنيسة للحكومة وللمجلس العسكرى بحل مشاكل الأقباط، إلا أنها أكدت أن «الحل لا بد أن يأتى من الداخل، دون النظر لمحتوى التقرير الأمريكى وما يوصى به»، وترفض الكنيسة أى تدخل من الخارج فى شأن أقباط مصر.

أصدر الباب شنودة فى عام 1976 كتابا بعنوان «إسرائيل ليست شعب الله المختار»، كما أنه أعلن بوضوح أنه يرفض التطبيع مع إسرائيل، وأصدر بيانه الشهير بتحريم زيارة القدس على أتباع الكنيسة كنوع من الاحتجاج ضد إسرائيل. وموقف الكنيسة القبطية، والبابا شنودة تحديدا، يراه البعض موقفا دينيا أو سياسيا، أما أنا فأقدره كموقف مصرى وطنى خالص.

منع الكنيسة القبطية أبناءها من زيارة القدس موقف يتناغم مع الإرادة الوطنية والشعبية المصرية فى موقفها من إسرائيل ويعبر عن الإجماع الوطنى للمصريين المسيحيين والمسلمين فى رفض أى صور للتطبيع. قرار البابا شنودة بمنع الأقباط من زيارة القدس كان السبب فى انسحاب الكنيسة القبطية من مجلس كنائس الشرق الأوسط، رغم أنها الكنيسة الأقدم والأكبر فى المنطقة، ويبلغ عدد أتباعها أكثر من كل مسيحيى دول الشرق الأوسط مجتمعين. زيارة مسيحيى مصر للقدس هى أخطر وأهم صور التطبيع، ومنعها يعد أحد أهم أوراق الضغط القليلة على إسرائيل، بما يخدم المصالح القومية لمصر ويخدم ضمنيا مصلحة القضية الوطنية الفلسطينية فى آن واحد.

ولا يمكننى الحديث عن وطنية المصريين دون ذكر مشاركة مكرم عبيد ودوره المهم فى ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى لمصر. تلك الثورة التى تعد الحدث السياسى الأول والمهم الذى يشارك فيه كل المواطنين المصريين معا دون تفرقة دينية، وظهر فيها شعار الهلال مع الصليب للمرة الأولى، حتى أن سعد زغلول نفسه وصف هذه المشاركة بـ«الوحدة المقدسة».

وأصبح مكرم عبيد بعد ذلك سكرتيرا عاما لحزب الوفد، وكان مكرم بمثابة الدينامو المغذى للحزب بالطاقة والنشاط، وكان هو أول من نطق عبارة «مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا»، وتمتع مكرم عبيد بشعبية طاغية ومكانة متميزة بصفته المصرية، وليس بصفته المسيحية. ومكرم عبيد هو صاحب فكرة النقابات العمالية وتكوينها والواضع الأول لكادر العمال فى مصر، وتوفير التأمين الاجتماعى لهم، وواضع نظام التسليف العقارى الوطنى، كما انه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل، ومن أهم مأثوراته «اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين».
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات