ما وراء التوتر بين الصين وأمريكا - عزت سعد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما وراء التوتر بين الصين وأمريكا

نشر فى : السبت 16 مايو 2020 - 8:15 م | آخر تحديث : السبت 16 مايو 2020 - 8:15 م

يصعب على المراقب لتطورات الأوضاع الدولية، خاصةً منذ تفشى وباء كورونا عالميا، التشكيك فى حقيقة أن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، قد تأثرت سلبا وبشدة. وفى تقدير محلِلين كثر، ومنهم أمريكيون.. ففى الوقت الذى كشفت فيه الأزمة عن أوجه خلل داخلية فادحة وضعف واضح فى إدارة الأزمة من قبل الولايات المتحدة وتراجع بنيتها التحتية للصحة العامة، وعجز النظام عن تقديم حلول والإصرار على إجهاض دور الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وفَر الوباء الفرصة للصين للظهور كقوة عالمية قادرة ليس فقط على اللَحاق بركب التفوق التكنولوجى الغربى، بل وإمكانية التقدم عليه والاستخدام الماهر للتكنولوجيا لتأكيد مشروعية نموذج الحوكمة الداخلية فى الصين وسلامة مبادئ الحوكمة العالمية التى تدافع عنها فى سياستها الخارجية.
والواقع أنه يجب النظر إلى التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين ارتباطا بأزمة (كوفيدــ19) على أنه جزء لا يتجزأ من التنافس الجيوسياسى الممتد بين الجانبين، منذ إعلان إدارة ترامب ــ بموجب استراتيجيتى الأمن والدفاع القوميين ــ الصين منافسا جيوسياسيا وشن حرب تجارية عليها. وتخفى هذه الحرب بدورها المصدر الرئيسى للتصعيد الحاصل بين البلدين، والمتمثل فى التفوق التكنولوجى الصينى فى مجال المعلومات والاتصالات. ويدرك الأمريكيون ما كشفت عنه إدارة الأزمة حول العالم من أن هذا التفوق التكنولوجى كان عاملا رئيسيا فى نجاح بكين فى السيطرة على الوباء واحتوائه. وفى خضم هذه الحرب العالمية على الفيروس ضاعفت إدارة ترامب من توظيف أدوات سياسية مثل الرقابة على الصادرات وعلى الاستثمارات للصين فى محاولة للحفاظ على القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية ومكانتها الجيوسياسية وأمنها القومى.
والمشكلة هنا من منظور أولئك الذين يحذرون من خطورة قدرة الصين المتزايدة على منافسة الولايات المتحدة فى هذا المجال أن الشركات الأمريكية الرائدة فى مجالات التكنولوجيا تنعم بنشاط واسع فى الصين ولديها شراكات لا يستهان بها مع شركات صينية بما فيها مشاريع كبرى، وبالتالى قد يكون من الصعب عليها مساعدة الحكومة الأمريكية فى مواجهة الصعود التكنولوجى والجيوسياسى الصينى، على الأقل إلى الحد الذى تأمله الحكومة. وفى هذا السياق، عادةً ما يتم اتهام هذه الشركات بالقيام بدور خطير لدعم الدولة الصينية وتوسيع ما يسمونه بـ «الاستبداد الرقمى»، خاصة وأن بعض الشركات الصينية الشريكة تدار من قبل الدولة أو مملوكة جزئيا لها، وبالتالى ترتبط بالدولة وبالحزب الشيوعى الصينى. بل ومن المرجح أن تمرر تلك الشركات التطورات التشغيلية والتكنولوجية إلى الحكومة والجيش الصينى، بما يعزز من نفوذ الصين العالمى فى النهاية، وهو ما يشكل تحديا كبيرا للأمن القومى الأمريكى، على النحو الذى يبدو وبوضوح فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى لأن الابتكارات التكنولوجية فى هذا المجال يمكن أن تكون لها آثارا عسكرية.
***
وهكذا تحول هذا التشابك والاعتماد الاقتصادى والتجارى المتبادل بين البلدين إلى نوع من النفوذ السياسى بوسائل متعددة، وأدى تزايد اعتماد الشركات الأمريكية المحتكرة لقطاع التكنولوجيا المتقدمة على السوق الصينية إلى جعلها ــ ومعها الدولة الأمريكية نفسها ــ أكثر عرضة لضغط بكين، خاصةً وأن الحكومة الأمريكية تعتمد بشكل متزايد على الخدمات التى توفرها هذه الشركات، بما فى ذلك أجهزة الأمن والمخابرات، وبالتالى باتت تلك الشركات جزءا من القاعدة الصناعية الدفاعية فى الولايات المتحدة.
والمحبط لترامب وإدارته ارتباطا بالجائحة إجادة الصين، وبامتياز، إدارة الأزمة متبنية فى ذلك خطابا يقوم على التعبئة الوطنية وأن الأمر يتعلق «بحرب شعبية» أو معركة مشتركة تهم كل الناس، والتشديد على مسئولية كل فرد عن «المشاركة فى القتال». وبما أن العقد الاجتماعى فى الصين يعتمد على قدرة الدولة على تحقيق الرفاهية الاقتصادية والمادية للمواطنين، فقد استجاب هؤلاء للتدابير الصارمة التى أقرها النظام الحاكم للتعامل مع الجائحة، بجانب الإرث الثقافى الفريد للأمة الصينية وتماسك منظومة قيمها وأهدافها. وقد ساعدت التكنولوجيا المتقدمة، لا سيما تكنولوجيا المراقبة، فى وضع خطة شاملة للطوارئ، بغرض منع المصابين بالفعل من نشر الفيروس. وبمعنى آخر أدى الوباء إلى تقوية «دولة المراقبة»، كما يحلو للكتاب الغربيين وصف الصين، من خلال شرعنة كفاءة جهاز المراقبة التابع لها، كما ساعدت البيروقراطية المركزية فى البلاد على تنفيذ إجراءات تأمين جذرية، وزيادة الموارد اللازمة لمكافحة الوباء، وحشد القوى العاملة لدعم البنية التحتية الصحية أو تعزيزها.
وبمجرد تراجع عدد الحالات، أعلنت الحكومة الصينية عن تدابير أكثر قوة وتشددا للتعامل مع الأزمة، وجاءت زيارة الرئيس الصينى لـ«ووهان» فى 10 مارس لتكريس منطق «الحرب الشعبية» من خلال إظهار الزعامة فى جولته فى المدينة معربا عن تقديره للمواطنين على التزامهم البقاء فى منازلهم والمشاركة فى المعركة.
والحال على ما تقدم بالنسبة للصين، قلَل الرئيس ترامب فى البداية من الخطر إلى أدنى حد ممكن متبنيا خطابا يعكس القلق من التداعيات الاقتصادية المحتملة الناجمة عن انتشار الجائحة والتدابير المتخذة لمكافحتها، أكثر من الاهتمام بالصحة العامة. وكان من الصعب على ترامب إقناع السكان بالتخلى عن حرياتهم الفردية، لافتقادهم الثقة فى قدرات إدارته وتخبطها الفعلى فى إدارة الأزمة من البداية، بجانب الثقافة الأمريكية التى تميل إلى تفكيك السلطة لصالح تكريس الفردية. وفى غمرة اشتداد الأزمة لم ينس ترامب حربه التجارية المتواصلة ضد الصين، عندما استدعى قانون الإنتاج الدفاعى، وهو قانون من مخلفات الحرب الباردة يمنح الرئيس سلطة الرقابة على، والتحكم فى، الموارد الضرورية للدفاع الوطنى، وهو ما يشمل ــ فى ظروف كالجائحة ــ حظر توريد معدات طبية، بما فى ذلك أدوات الاختبار والأقنعة وأجهزة التنفس الصناعى. وتزامنت أهمية هذه المعدات مع الوعى المتزايد بمدى حالة الاعتماد المتبادل لسلاسل الإمداد العالمية التى تشكل مواطن الضعف التى تعانى منها كل دولة على حدة.
ومن المؤكد أن التصعيد بين البلدين يحرم المجتمع الدولى من فرصة كبرى للتعاون والتضامن الدوليين للتعامل مع الجائحة تحت قيادة منظمة الصحة العالمية، وبالتالى ليس من مصلحة المجتمع الدولى استمرار الاتهامات المتبادلة بين الاقتصادين الأقوى فى العالم وسط فراغ فى الحكم العالمى. فمن الواضح أن واشنطن غير راغبة الآن فى الاضطلاع بالدور القيادى الذى لعبته فى أزمات مماثلة كالإيدز والإيبولا، مفضلة تأجيج الصراع التجارى من خلال إقامة الحواجز وفرض القيود وتقويض المؤسسات المتعددة الأطراف الرئيسية والمعنية بالتجارة العالمية وبالصحة، بما فيها وقف تمويل منظمة الصحة العالمية. وبالنسبة للصين، ورغم قيامها بتقديم الدعم والمساندة الطبية والدوائية والخبرة للعديد من الدول والمنظمات الدولية، إلا أنها لا تبدو مستعدة للقيام بهذا الدور أيضا. ولم يدعّ المسئولون الصينيون فى أى وقت لبلادهم هذا الدور وما يزالون متمسكين بشدة بانتماء دولتهم للعالم النامى رغم كون الصين القوة الاقتصادية الثانية عالميا والأولى تجاريا.
أخيرا ورغم التوترات الجارية والخلافات المحتدمة بين البلدين التى تشمل أيضا الأوضاع فى بحر الصين الجنوبى وشبه الجزيرة الكورية وتايوان، وانزعاج الصين من التدخل الأمريكى فى النزاعات الأمنية فى الجوار المباشر للصين، إلا أن البلدين قد وصلا إلى حال من الاعتماد الاقتصادى والتجارى المتبادل يتعذر معه نشوب نزاع مسلح بينهما، وإن ظلت المناكفات والحرب الإعلامية بينهما على ما هى عليه طالما بقى ترامب فى الحكم، وهى توترات مرشحة للتصعيد فى عام الانتخابات بحثا عن كبش فداء للتغطية على إخفاقات الرئيس على جبهات عدة.

 

عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية
التعليقات