فاروق حسني في اليونسكو - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاروق حسني في اليونسكو

نشر فى : الأربعاء 16 سبتمبر 2009 - 10:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 سبتمبر 2009 - 10:05 ص

 ربما يبدو الحديث عن المعركة الدولية الساخنة التى وجد فاروق حسنى وزير الثقافة نفسه فيها منافسا على منصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو، حديثا متأخرا بعض الشىء. فخلال ساعات سوف يكون التصويت على المرشح الذى يقع عليه الاختيار من بين تسعة مرشحين قد بدأ. وربما يكون قد حسم. وإن كان المستبعد أن يتم ذلك من أول مرة. فلابد أن يجرى التصويت خمس مرات. ومن ثم فقد يكون من غير المجدى مراجعة الظروف التى دفعت فاروق حسنى للترشيح لهذا المنصب الدولى المرموق، بعد أن اتضحت كثير من المواقف لدول اعتمدنا فيها على كلمات مجاملة بين الرؤساء لبعضهم البعض.

تبدو مثل هذه المعارك الدولية لاختيار شخصيات قيادية فى المنظمات الدولية، أعقد كثيرا، ولا تكفى فيها حملات مدعومة من الدولة التى ينتمى إليها المرشح ــ أى مصر فى حالة وزير الثقافة ــ بل لابد أن يكون للمرشح نفسه ثقل دولى، ولشخصيته وزن معنوى واتصالات وصداقات تمتد خارج الحدود الرسمية.

وفى السنوات الأخيرة لم تنطبق هذه الشروط والمواصفات إلا على شخصيتين مصريتين هما: دكتور بطرس غالى ومحمد مصطفى البرادعى، بالإضافة إلى عوامل دولية أخرى حيث كانت فرنسا تقف وراء بطرس غالى، وساعدته على البقاء دورة ونصف دورة تقريبا أمينا عاما للأمم المتحدة، قبل أن تنقلب ضده الإدارة الأمريكية ووزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت بتحريض من إسرائيل، كما ساعدت البرادعى على إكمال دروتين رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإن كان قد واجه فى الدورة الثانية مقاومة عنيفة من إدارة بوش.

وفى المنافسة على المنصب الرئيسى فى اليونسكو كان الإسرائيليون أول من فتح النار على فاروق حسنى بتهمة المعاداة للسامية ولإسرائيل، عندما تصيدوا له عبارة استفزازية جرى تحويرها، بأنه هدد بحرق الكتب الإسرائيلية. ولم يكن الأمر كذلك. فقد كان الحديث عن الكتب «اليهودية» التى تهاجم الإسلام، ولكن هكذا تتحور الكلمات فى إطار الحملات التشهيرية، دون تمييز بينها وقبل الرد عليها وتصحيحها فى الوقت المناسب.

وسرعان ما تنتقل مثل هذه العبارات المسيئة لمفهوم الثقافة والتنوع الثقافى الذى تدافع عنه اليونسكو عبر الحدود والصحف، وتتبناه أقلام غير محايدة عرفت بولائها لإسرائيل، يتزعمهم ثلاثة من الكتاب الفرنسيين المعروفين من بينهم الفيلسوف برنارد هنرى ــ ليفى، وصحيفة لوموند.

موقف إسرائيل من فاروق حسنى معروف، فهم من زمن يطالبون بما ليس من حقهم، ويستخدمون الابتزاز وسيلة لحمل مصر على رد ممتلكاتهم وإصلاح مقابرهم وترميم معابدهم واسترداد مخطوطات وآثار ثقافية تعد جزءا من التراث المصرى التاريخى، بينما يقومون بتدمير المقدسات الإسلامية وهدم حوائط وأساسات المسجد الأقصى ومنع المسلمين من الصلاة فيه. ولا بأس مع ذلك حين يطلب الرئيس مبارك من نتنياهو دعم ترشيح فاروق حسنى أن يعده خيرا، ثم يسلط كلاب الصهيونية فى مختلف دول العالم لتشارك فى الحملة ضد فاروق حسنى.

أما فرنسا فيبدو موقفها أكثر عداء وخبثا. فقد التزمت فرنسا الرسمية الصمت بحجة أنها بلد المقر. واتضح أن ثمة انقساما أو توزيعا للأدوار داخل الحكومة الفرنسية جرى توظيفه ببراعة شديدة لإسدال ستار من الغموض على موقف فرنسا التى قد تجد حرجا فى التصويت ضد المرشح المصرى، بسبب ما يتردد دائما عن الصداقة بين ساركوزى ومبارك، والحاجة إلى تأييد مصر فى مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» الذى احتضنه ساركوزى بدعوى التقريب بين العرب وإسرائيل. ولكن مثل هذه الصداقات سرعان ما تتهاوى أمام المصالح أو المعارضة الداخلية. وفى هذه الحالة فإن المعارضة ضد فاروق حسنى يتزعمها كوشنير وزير خارجية فرنسا وجوقة من كتاب اليسار اليهود الفرنسيين.

وقد احتفظت أمريكا حتى اللحظة الأخيرة بموقف رسمى غامض على الرغم مما تردد عن أن الرئيس مبارك طلب من أوباما أثناء زيارة واشنطن، عدم تبنى حملات ضد ترشيح واختيار فاروق حسنى. ولكن التكتيك الذى استخدمته فرنسا استخدم أيضا فى أمريكا. فقد تم تعيين مندوب أمريكى جديد هو السفير كيلليون الذى حاول بكل السبل تفتيت جبهة الدول الداعمة لفاروق حسنى من الدول الأفريقية والعربية والإسلامية. وقد ظن البعض هنا فى مصر أن الإدارة فى واشنطن لا علم لها بتصرفات سفيرها فى اليونسكو. فسارعت الأقلام إلى توجيه نقد لاذع إلى السفيرة الأمريكية فى القاهرة وكأنها مسئولة عن سياسة بلادها فى اليونسكو.

هل يكفى مجرد إرسال خطاب إلى لوموند لا ينشر، أو مقال هجومى فى صحيفة عربية ضد أمريكا، لكى يتغلب حسنى على المعارضة المسعورة ضده فى اليونسكو؟

تبدو معركة فاروق حسنى مثيرة للتأمل. فمن الواضح أننا قد نقع فريسة للخداع بمنتهى البساطة حتى من رؤساء الدول. وحين تنتهى المعركة فسوف ينزل الستار على كثير من الألاعيب والمناورات بعد أن تظهر نتائج التصويت!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات