«أبين زين وأضرب الودع وأشوف البخت» - صحافة عالمية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أبين زين وأضرب الودع وأشوف البخت»

نشر فى : الأربعاء 16 ديسمبر 2020 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 ديسمبر 2020 - 9:20 م

نشر موقع قنطرة مقالا للكاتب خالد الخميسى يتحدث فيه عن كثير من الأشخاص فى العصر الحالى ومنهم من تلقى تعليما راقيا يؤمنون بالعادات والخرافات التى تحمى من الشر.. نعرض منه ما يلى.
الإصابة بالعين، الأعمال السفلية، السحر، الرقية، الحجاب، الاطلاع على الغيب. كثيرا ما تقترن هذه المعانى فى العالم الرسمى بالشعوذة والمكر والخداع، ولكننى التقيت فى العالم الواقعى بالعديد من المعارف والأصدقاء والأقارب الذين لجأوا إلى عرافين لمعرفة الطالع والمستقبل، أو لطرح أسئلة يمكن أن تحدد الإجابات عليها الطريق الذى يمكن أن يسلكوه.
ينتمى معظم هؤلاء لشرائح اجتماعية متعلمة تعليما راقيا، وتخرج بعضهم فى مدارس وجامعات كبرى عبر العالم. كما استمعت إلى حكايات عديدة عن مسئولين سياسيين رفيعى المستوى لجأوا هم كذلك إلى من يمكنهم أن يساعدوهم فى اختيار القرارات المناسبة.
أتذكر وأنا فى مرحلة الصبا حالة الهلع التى أصابت زوجة قريب لى عندما فقد ابنها فى المدرسة عين حورس التى كانت فى سلسلة تحيط رقبته لحمايته من العين الشريرة، وكيف أسرعت فى نفس اليوم لشراء عين حورس من الفضة وأتذكر كيف ارتاح بالها عندما وضع الابن عين حورس مرة أخرى حول رقبته. لم أفهم حينها كيف يمكن لمحامية أن تتصور أن عين حورس يمكنها أن تقوم بدور الحامى.
ومع الزمن ذهبت حيرتى ذر الرياح بعد أن أدركت أن الإيمان فى هذه القوى الغيبية أكثر انتشارا مما كنت أتخيل. وأن «الأعمال» الشريرة الذى يبحث ضحاياها عن طرق فكها أكثر من الهم على القلب. توقعت مع التقدم العلمى، وزيادة نسبة سكان المدينة عن سكان الريف، أن تختفى تدريجيا الاعتقادات أو الطقوس أو الشعائر التى يتم ممارستها نتيجة فى الأصل للجهل بقوانين الطبيعة أو نتيجة للإيمان بالسحر أو الصدفة.
صحيح أنه عبر التاريخ الإنسانى أنتج البشر عددا لا يحصى من المنتجات التى تحمى من الأخطار، التى تحيق بالبشر نتيجة لهذا الإيمان بالخرافة، فهناك العين الزرقاء للحماية من الحسد، وخمسة وخميسة، وتلطيخ الحائط بدم الأضحية لإبعاد الجن وخياطة جوارب الذين ماتوا حتى لا تهيم أرواحهم فى عالم الأحياء والتأكد من عدم ترك حذاء مقلوب فى المنزل، فهذا فأل سيئ، إلا أننى توقعت أن هذا التيار سوف يندحر. وكم كنت مخطئا.
فيكفى أن نشاهد أحاديث بولا وايت، المستشارة الدينية أو الروحية لترامب، رئيس أكبر دولة فى العالم، وقد أعلنت فى بعضها أن العناية الإلهية تقف مع رئيسها فى كل ما يفعل، وعن ملائكة من إفريقيا ومن أمريكا الجنوبية أتت لمنح يد العون لترامب وهى تستمع لطبول الانتصار.
أو نقرأ عن عرافين أكدوا انتصار ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثم تحدثوا بعد الإعلان الأولى عن نتيجة الانتخابات عن التزوير الفج ضد إرادة الله. وأن نتابع أحاديث رؤساء جمهوريات عن الحظ، والعين الحسود، وقوى الشر. هذا ما يطلق عليه التطير.
نقرأ عن كلمة التطير فى لسان العرب: قال أبو عبيد: «الطائرُ عند العرب الحَظُ أو البَخْتَ، كالتطير بصوت الغراب والبومة أو رؤيتهما. وسبب تسمية الحظ والتشاؤم والتفاؤل تطيرا أن العرب فى الجاهلية إذا خرج أحدهم لأمر قصد عش طائر فهَيجه فإذا طار الطائر من جهة اليمين تيمن به ومضى فى الأمر، ويسمون الطائر فى هذه الحالة «السانح»، أما إذا طار جهة اليسار تشاءم به ورجع عما عزم عليه، ويسمى الطائر هنا «البارح». والطائرُ الحَظُ من الخير والشر، وقال عز وجل فى سورة الإسراء: «وكلَ إِنْسانٍ أَلْزَمْناه طائرَه فى عُنُقِه». قيل حَظُه، وقيل عَمَلُه، أى رزقه، وقيل للشُؤْم طائرٌ وطَيْرٌ وطِيَرَة.
ومن الواضح أن هذا البخت يحفر هذه الأيام مجرى عميق فى حياة بشر الكرة الأرضية. أتذكر وأنا أشاهد مباريات التنس العالمية فى مرحلة السبعينيات، كان اللاعبون يأخذون الكرة من الفتيان والفتيات، الذين يجمعون الكرات فى ملعب التنس دون أن يفحصوا كل كرة لتأمل مدى تفاؤلهم أو تشاؤمهم منها، كانوا ببساطة يأخذون الكرة ويلعبون، ومع تقدم الزمن نجد اللاعبين اليوم يتأملون الكرات المتطابقة ويرفضون بعضها، ثم ومن جديد نراهم يتأملون الكرات الجديدة وكأن لديهم قدرات سحرية لمعرفة هل طائرها سوف يطير يسارا أم يمينا؟
«أبين زين، وأضرب الودع، وأشوف البخت». جمل ترددت من حولى كما تكررت فى السينما المصرية. كم من أفلام شاهدنا فى أحد مشاهدها امرأة تسير فى الموالد الشعبية، لقراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل.
ولكن ما يتم نشره عبر الفنون أن من يؤمن بالعرافين والمنجمين هم من الشرائح السكانية الأقل تعليما، وهو أمر بعيد كل البعد عن الصحة، فهناك من جميع الشرائح الاجتماعية الذين يؤمنون بمثل هذه الأمور.
التنجيم والإخبار بالغيب وضرب الودع مهنة قديمة تعود إلى آلاف السنوات. لكن ما معنى الودع والوداعة؟ الودع كما هو معروف هو «نوع من أصداف البحر.
يعلق البعض الودع على أولادهم زعما منهم أنه يقى من أذى الجن، أو يقى من عين الإنسان، وقد يعلقونه على البهائم. ويقال: وَدَعَ الصبى: أى وضَعَ فى عنُقهِ الوَدَع. أما من تعمل بالتنجيم فهى توشوش الودع، وتضربه ليخبرها بأسرار القادم من الأيام.
ولكن هذه الكلمة أنبتت العديد من الكلمات البديعة الأخرى. «الوداع»: «ودَع أَباه عند سفره» من التوْدِيعِ. أى: جعل الوَدعَ فى عُنُقه. و«مُوَدَعُ» و«مَوْدُوع الشىء» أى صانَه فى صِوانِه. و«الدَعةُ والتُدْعةُ» أى السكون، والخَفْضُ فى العَيْشِ والراحةُ. و«الوَديعُ«: الرجل الهادئ الساكِنُ.
ويقال ذو وَداعةٍ أَى ساكِن. وأَودَعَ الثوبَ: أى صانَه. ويقال: دَعْ هذا أَى اتْرُكْه فى سلام. وتَوْدِيعُ المُسافِرِ أَهلَه إِذا أَراد سفرا: وهم يُوَدِعُونه إِذا سافر تفاؤُلا بالدَعةِ. كلمة من أجمل كلمات اللغة العربية. فيها كما أسلفت الدعة والسكون والراحة والعهد والخفض والوقار والهدوء والصون.
فليجعلنا الله جميعا من أهل الوداعة، على أن نأمل أن يتراجع هذا النهر، ويختفى الحوار عن دور الملائكة فى حسم العمليات الانتخابية، وتسكت الأصوات التى تتحدث عن الشر والحسد، وتعلو أصوات العقلانية.
النص الأصلى
http://bit.ly/3881JMD

التعليقات