تسييس القضاء - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسييس القضاء

نشر فى : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 5:04 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 5:04 م

 انتهت انتخابات نادى القضاة، لتقدم نموذجا لما وصلت إليه قيم الديمقراطية فى واحدة من أكثر فئات النخبة المصرية تميزا وقدرة على الفرز والاختيار. وقد أدى تسييس القضاء إلى أن يحدث فيها ما يحدث عادة فى كل النخب التى تملأ فراغ الحياة السياسية فى المجتمع المصرى. حيث انقسمت نخبة القضاة بين تيار يدعو إلى استقلال القضاء خارج السيطرة الحكومية، وتيار آخر يدعو إلى استقلال القضاء ولكن من داخلها.

وينتهى الأمر كما يحدث غالبا بفوز التيار الذى يستند إلى السلطة. إذ يظل دور الدولة هو الدور الوحيد المهيمن على حياة الأفراد والهيئات، لا ينازعها فيه غير أحزاب وجماعات لا وزن لها.

وما حدث فى نادى القضاة هو تكرار لما حدث فى نقابة الصحفيين وغيرها من النقابات المهنية، التى يجد الأعضاء فيها أنفسهم فى صراع بين الوقوف فى وجه النظام، فيحرمون من كل المزايا والعطايا التى تؤثر على حياتهم المادية والمهنية، أو يقبلون التعامل معه بشروطه فلا يوجد عائق يحول دون تحقيق مطالبهم.

لا يختلف القضاة مهما تحقق لهم من مميزات عن غيرهم من فئات المجتمع. وهو الخطأ الذى وقع فيه فريق منهم حين ظنوا أن القاضى من حقه أن يمارس استقلالية كاملة، حتى وإن تجاوز ذلك إلى نشاط سياسى وأبدى انعطافه نحو حزب أو اتجاه، ووقع الفريق الآخر فى خطأ مشابه، حين فهم استقلالية القضاء فى الحدود التى تقررها لهم السلطة الحاكمة والهوامش التى تمنحهم إياها.

نزل القضاة من برجهم العالى الذى كان يصونهم من التعرض لما يتعرض له غمار الناس، وتعرض استقلال السلطة القضائية لكثير من اللبس فى أفهام المسئولين وفى ممارسات السلطة التى تسمح بالاستعانة بالقاضى لكى تسبغ وضعا قانونيا على تصرفات الإدارة. وكان أول انزلاق فى هذا الاتجاه هو التوسع فى ندب رجال القضاء لخدمة الجهاز التنفيذى وتطويع مواد القانون لتسهيل إجراءاته وإلباسها ثوب الشرعية مقابل مكافآت أو مميزات تزرع الفرقة بين الزملاء.

ثم جاءت خطيئة الاستعانة برجال القضاء فى الإشراف على عملية انتخابية لم تكتمل شروط نزاهتها ولم تبرأ من التزوير، فألقى اللوم عليهم ولم يجدوا من هذا المأزق مخرجا.

والحقيقة أن المجتمع المصرى وقع فى داء الفئوية التى قسمت المجتمع إلى فئات مميزة بدرجة ما عن غيرها، مما وضع فئة القضاة دائما موضع المقارنة، وأنشأ كثيرا من المفارقات والتعقيدات فى التعامل بينها وبين غيرها من الفئات.

وإذا كانت الانتخابات التى شهدها نادى القضاة قد أسفرت عن فوز التيار الذى تسانده الحكومة، فهو فوز يتفق مع الأوضاع والمعايير السياسية والاجتماعية السائدة، ومع طبيعة الممارسات التى تحكم حياتنا السياسية والبرلمانية، والتى لا يمكن أن يكون مرفق القضاء استثناء منها.. وبعبارة أخرى فقد كانت النتيجة تحصيل حاصل. تعكس ظروف المجتمع وعيوبه ودرجة تطوره، ولا تعكس بالضرورة مدى استقلال السلطة القضائية وتطورها.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات