فتحى غانم.. سينمائيا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فتحى غانم.. سينمائيا

نشر فى : الثلاثاء 17 مارس 2015 - 11:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 17 مارس 2015 - 11:00 ص

فى الجزء الثالث من رواية «الرجل الذى فقد ظله»، الذى ترويه الممثلة «سامية سامى»، يلمس القارئ خبرة ودراية الكاتب، المحلل السياسى والأدبى، بعالم الأطياف، على نحو يؤكد شغفه بكل ما يتعلق بكواليسه، أضواءه، نجومه، مباهجه، أحزانه.

فتحى غانم «١٩٢٤ ـ ١٩٩٩»، بتعلقاته النافذة ـ وما أكثرها ـ على الأفلام، فضلا عن مقالاته، ذات الذائقة المرهفة، عن فن التمثيل والغناء، التى تدحث فيها عن يوسف وهبى وزكى طليمات وأم كلثوم، وآخرين، وجمعها فى كتاب ممتع، بالغ الثراء، بعنوان «الفن فى حياتنا»، بالإضافة إلى السيناريوهات التى ألفها، كلها أمور تشير إلى أن علاقة فتحى غانم بالسينما، لم تكن علاقة متابع ومعلق، ولكن علاقة عاشق: مشارك ومقتحم ومعانق ومشتبك.

منذ ما يزيد على النصف قرن، وبالتحديد فى عام ١٩٦٣، مع بدايات التليفزيون المصرى، أقدم الروائى على مشاركة المخرج خليل شوقى، فى كتابة الفيلم التليفزيونى «دنيا» عن قصة له، بذات العنوان.. جاء الفيلم، برؤيته الشاملة، ولغته الفريدة، مفاجأة سارة للجميع، حتى أنه عرض بمهرجان «ليبزج» الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، فى العام ذاته.

أيامها، اعتمدت التمثيليات التليفزيونية على حوارات طويلة، تدور بين عدد قليل من الممثلين، محصورين فى حجرة أو صالون أو زاوية مقهى.. «دنيا»، خرج إلى الدنيا الواسعة، تحرر من الحدوتة التقليدية، ليرصد، بإيقاع سريع آمال العديد من النماذج التى تعبر عن طبقات متباينة.. ومن بين الوجوه المتنوعة التى تلتقيها الكاميرا، فى الشوارع، فوق الكبارى، داخل المصانع، فى ستاد القاهرة، الجامعة، الملاهى الليلية، تبرز فتاة اسمها «دنيا» ـ ليلى طاهر ـ والشاب «بدر» ـ بأداء صلاح قابيل ـ تربطهما قصة حب ذات مغزى رمزى، فالشاب، يكاد يضيع وهو يلهث وراء أحلامه الفردية، المستحيلة، ولا ينقذه إلى عودته إلى حبيبته «دنيا»، ليبدأ منها، ومعها، من جديد.

تجريبية «دنيا» محسوبة بدقة، وبالتالى، جعلت العمل متمتعا بألق خاص، الأمر الذى لم يتحقق فى العمل التالى: «الجبل» ١٩٦٥، المأخوذ عن رواية شهيرة لفتحى غانم، المشارك فى كتابة السيناريو مع المخرج خليل شوقى.. اتسم الفيلم بخياله الجامح، وأسلوبه «التعبيرى» المتناقض تماما مع روح الرواية التى تعتبر، على نحو ما، تحقيقا أدبيا، إنسانيا، فى العلاقة بين الناس والمكان، مما يجعلها أقرب إلى «الأوتشرك» ـ وهو نوع رفيع فى الأدب الروسى ـ غانم، اتجه إلى الجنوب، حيث البيئة الخشنة، والتنقيب السرى عن الآثار، والقوى الأجنبية، والتقاليد القاسية، وعشرات الأسرار، ينفذ الكاتب إلى أبعد أغوارها.

فى الفيلم، على العكس من الرواية، تبدو الديكورات خيالية ذات طابع أسطورى، مغلفة بضباب الأحلام والرؤى الكابوسية.. وثمة إسراف شديد فى الاستخدام المصطنع بين الضوء والظل، حسب قواعد المذهب «التعبيرى» فى السينما الألمانية، أيام عصرها الذهبى، حيث كانت الأفلام تدور فى أجواء أبعد ما تكون عن الواقع.. الأمر الذى لم يكن ملائما للرواية «الأوتشرك»، الشديدة الواقعية.

مغامرة فتحى غانم فى فيلم «الجبل»، تذكرنا ببعض قصصه التجريبية، القصيرة، التى كتبها فى الأربعينيات، وجمعها بعنوان «سور حديد مدبب».. والمفارقة هنا، أن فتحى غانم فى رواياته، تحاشى تماما تلك النزعة التجريبية. فهل أراد الروائى أن يغامر فى السينما، مغامر، لم يجرؤ عليها فى رواياته

ربما، لكن على الأغلب أن الفشل النقدى والجماهيرى للفيل، جعله، فى سيناريوهاته اللاحقة، يعود إلى جادة طريق رواياته، خاصة أنه رأى مدى نجاح «الرجل الذى فقد ظله» لكمال الشيخ ١٩٦٨، المعتمد على سيناريو، كتبه الراسخ، على الزرقانى، ملتزما بروح الرواية، وشخصياتها المتدفقة بالحياة، التى يرتبط مصيرها الخاص بالمصير العام.

مرة ثانية، يكتب فتحى غانم سيناريو مأخوذ على إحدى رواياته الشهيرة: «زينب والعرش»، تحفة المسلسلات التليفزيونية. شارك فى الكتابة صاحب الاسم المهم، صلاح حافظ.. كلاهما من محترفى لعبة «الشطرنج» العقلية، وقد انعكس هذا الاحتراف على أسلوب السيناريو الذى بدا، فى كل موقف، كما أو أنه خطوة مدروسة، وفقا لخطة مرسمومة بدقة، لذا جاء العمل الذى أخرجه يحيى العلمى ١٩٧٩، متماسكا، مؤثرا، لايزال محتفظا بقوته.

منفردا، كتب فتحى غانم سيناريو روايته «الأفيال» كمسلسل قام بإخراجه إبراهيم الصحن ١٩٨٦.. العمل يتابع عدة أجيال متعاقبة، يكاد يغدو تأريخا دراميا، بشريا، فى نصف قرن.. لكن مقص الرقيب الغاشم هلهل العمل، حتى أن مخرجه، الصحن، المعروف بكياسته، هدد ـ حينما ـ بالاعتزال.

إلى جانب «الجبل» و«الرجل الذى فقد ظله»، تواجد فتحى غانم، على الشاشة الكبيرة، فى العديد من الأفلام، ربما أهمها «قليل من الحب كثير من العنف» لرأفت الميهى ١٩٩٥، بأسلوبه المدعم بقدر بالخيال الذى يصل لحد «الفاتنازيا».. و«تلك الأيام» لأحمد غانم ٢٠١٠، الذى يأتى كهجائية لها شأنها، ضد سطورة المال والسلطة.

«بنت من شبرا»، «والمطلقة»، أصلا، عملين أقرب للسيناريوهات، الأول حققه جمال عبدالحميد ٢٠٠٣ على الشاشة الصغيرة، والثانى لم يظهر فى عالم الأطياف بعد.. وثمة «الغبى» الذى أراه كمعالجات لعدة أفلام، سيأتى الوقت لاستكمالها.. فى جملة واحدة: فتحى غانم، عشق السينما، وجعلها، تسرى فى شرايين كتاباته.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات