موسم المهازل - ناعوم تشومسكي - بوابة الشروق
الأربعاء 21 مايو 2025 3:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

موسم المهازل

نشر فى : الجمعة 17 يوليه 2009 - 6:36 م | آخر تحديث : الجمعة 17 يوليه 2009 - 6:36 م

 لا تعد انتخابات لبنان وإيران وانقلاب هندوراس أحداثا مهمة فى حد ذاتها فحسب، ولكن أهميتها تنبع أيضا من ردود الأفعال الدولية عليها. وعلى هامش هذه الأحداث، نجد العالم يحجم عن اتخاذ أى رد فعل إزاء القرصنة الإسرائيلية الراهنة فى البحر المتوسط.

لبنان

لقد استقبلت انتخابات 7 يونيو فى لبنان بحالة من النشوة من جانب التيار السائد فى الصحافة الأمريكية.

فقد علق توماس فريدمان، كاتب العمود فى صحيفة نيويورك تايمز يوم 10 يونيو «أنا مهووس بالانتخابات الحرة والعادلة.. ما حدث فى لبنان كان صفقة حقيقة، وكانت النتائج رائعة، حيث هزم الرئيس أوباما رئيس إيران محمود أحمدى نجاد.. لقد صوتت أغلبية كبيرة من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين ودروزا لصالح تحالف الرابع عشر من آذار بقيادة سعد الحريرى» (المرشح المدعوم من الولايات المتحدة، ونجل رئيس الوزراء السابق المقتول رفيق الحريرى).

لكن يجب إعطاء كل ذى حق حقه بما فى ذلك من هم فى واشنطن فيما يتعلق بالنصر الذى تحقق من خلال هذه الانتخابات الحرة. لذلك يقول فريدمان إنه «لو لم يكن جورج بوش قد وقف فى مواجهة السوريين عام 2005، وأجبرهم على الرحيل من لبنان بعد مقتل الحريرى، ما كان لهذه الانتخابات الحرة أن تُجرى.. لقد خلق بوش المساحة. وقد ساعد أوباما ــ عبر خطابه من القاهرة ــ على بعث الأمل».

وبعد يومين من نشر هذا المقال، وجدت هذه الأفكار صداها فى افتتاحية التايمز حيث كتب أليوت أبرامز العضو رفيع المستوى فى مجلس العلاقات الخارجية والمسئول رفيع المستوى فى إدارتى ريجان وبوش الابن «لقد اجتاز اللبنانيون اختبارات الواقع كلها.. فقد وجد اللبنانيون فرصة للتصويت ضد حزب الله، فاستغلوا الفرصة». غير أن «اختبارات الواقع» هذه ربما تشمل التصويت الفعلى للناخبين. فقد حقق تحالف الثامن من آذار بقيادة حزب الله نتائج جيدة، حيث حصل على النسبة نفسها تقريبا التى حصل عليها أوباما فى مواجهة ماكين فى انتخابات الرئاسة فى نوفمبر، وهى 54% من إجمالى الأصوات، وفقا للنتائج التى أعلنها وزير الداخلية اللبنانى.

ومن ثم فإنه وفقا للرؤية التى طرحها فريدمان وأبرامز، يجب أن نأسف لهزيمة أوباما أمام أحمدى نجاد.

ويشير فريدمان وأبرامز ــ مثلهما مثل كتاب آخرين ــ إلى أعداد نواب البرلمان المنتخبين. غير أن هذه الأعداد تعبر عن نوع من التلاعب لأن نظام التصويت الطائفى فى لبنان يخفض بحدة من عدد المقاعد الممنوحة للشيعة، وهم أكبر مجموعة طائفية، وذلك بسبب دعمهم على نحو كبير حزب الله وحليفته حركة أمل.

غير أنه كما أشار المحللون الجادون، فإن القواعد «الطائفية» السائدة فى لبنان تقوض من «حرية وعدالة الانتخابات» إلى درجة كبيرة. ويلاحظ المعلق السياسى عساف كفورى أن القواعد الحاكمة للانتخابات لا تعطى مساحة للأحزاب غير الطائفية، وتبنى حاجزا أمام طرح سياسات اقتصادية واجتماعية وغيرها من القضايا الجوهرية فى النظام الانتخابى.

ويعتبر كفورى أن هذه القواعد تفتح الباب أمام «التدخل الخارجى المكثف» وانخفاض معدلات التصويت وشراء الأصوات وتزويرها، وهى كلها سمات قد ميزت انتخابات يونيو، ربما بدرجة أكبر مقارنة بالانتخابات السابقة.

ومن ثم فإنه فى بيروت التى يقطنها نصف سكان لبنان، كان بوسع أقل من ربع ممن يحق لهم التصويت فقط أن يصوتوا فى المدينة، وكان على الباقين العودة إلى مناطق مولدهم البعيدة. وكانت النتيجة أن العمال المهاجرين والطبقات الأفقر حرموا من حق التصويت «بطريقة تتميز بغش هائل على النمط اللبنانى»، على حد قول كفورى.

إيران

وكما هو الحال فى لبنان، ينتهك نظام الانتخاب فى إيران حقوق الإنسان الأساسية. ذلك أن الحكام من رجال الدين يجب أن يجيزوا المرشحين، وباستطاعتهم أن يمنعوا السياسات التى لا يريدونها وهم يقومون بذلك بالفعل.

وقد افتقرت النتائج التى أعلنها وزير الداخلية الإيرانى إلى المصداقية سواء فيما يتعلق بطريقة ظهور النتائج أو بالنتائج ذاتها. وقد أدى ذلك إلى احتجاج شعبى واسع، تم قمعه بقسوة من جانب القوات المسلحة التابعة للحكام من رجال الدين. وربما كان سيتضح أن أحمدى نجاد قد فاز بأغلبية الأصوات إذا جرى الفرز بطريقة نزيهة، لكن الحكام لم يرغبوا فى اغتنام الفرصة.

ويكتب المراسل ريز إرليك من شوارع طهران: «إنها حركة جماهيرية إيرانية حقيقية قوامها الطلبة والعمال والنساء والطبقة الوسطى» وربما العديد من سكان الريف.

ويشير أريك هوجلند، الباحث والخبير فى الريف الإيرانى إلى التأييد «الكاسح» من جانب سكان الأقاليم التى قام بدراستها لمرشح المعارضة مير حسين موسوى، والغضب الواسع إزاء ما يُعتقد أنه سرقة الانتخابات.

غالبا لن تؤدى الاحتجاجات إلى انهيار نظام الملالى العسكرى فى الأجل القصير، لكنها كما يلاحظ إرليك أنها «تزرع بذور الكفاح فى المستقبل».

إسرائيل فلسطين

يجب ألا ننسى واحدة من الانتخابات «الحرة العادلة» الحقيقية فى الشرق الأوسط وهى انتخابات يناير 2006 فى فلسطين التى ردت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها بمعاقبة الناخبين لأنهم صوتوا «بطريقة خاطئة».

وفرضت إسرائيل حصارا على غزة ثم هاجمتها بلا رحمة فى الشتاء الماضى.

وقامت إسرائيل مرة أخرى بتعزيز حصارها على غزة اعتمادا على أنها محمية من العقاب بصفتها عميلا أمريكيا عبر اختطاف قارب منظمة غزة الحرة «روح الإنسانية» من المياه الدولية وإجباره على الدخول إلى ميناء أشدود الإسرائيلى.

وكان القارب قد انطلق من قبرص، حيث جرى تفتيش الحمولة التى تتضمن أدوية ومواد لإعادة الإعمار ولعب أطفال. وكان على متن القارب موريد ماجوير الحاصلة على جائزة نوبل، وسينثيا ماكينى عضوة الكونجرس السابقة.

ولم تثر الجريمة أى رد فعل. وقد يقول المرء أن فى ذلك نوعا من العدالة، حيث إن إسرائيل ظلت لعقود تختطف القوارب بين قبرص ولبنان. لماذا إذن يجرى الاهتمام بعمل فاضح من هذا النوع تقوم به دولة مارقة ونصيرتها.

هندوراس

تشهد أمريكا الوسطى أيضا جريمة تتعلق بالانتخابات. فقد أطاح انقلاب عسكرى فى هندوراس بالرئيس مانويل سيلايا، ونفاه إلى كوستاريكا.

ويعيد الانقلاب عرض ما يسميه المحلل المتخصص فى شئون أمريكا اللاتينية مارك ويزبروت «القصة المتكررة فى أمريكا اللاتينية، حيث جرى «تأليب رئيس إصلاحى تسانده اتحادات العمال والمنظمات الاجتماعية ضد نخبة سياسية تشبه المافيا وتغرق فى المخدرات وقد اعتادت على ألا تختار أعضاء المحكمة العليا والكونجرس فحسب، ولكن أيضا الرئيس».

ويصف الاتجاه الغالب من المعلقين الانقلاب باعتباره عودة مؤسفة للماضى السيئ. غير أن هذا الطرح يعد خاطئا لأن الانقلاب الأخير هو الثالث من نوعه خلال العقد الماضى، وكلها انقلابات تؤكد «القصة المتكررة».

فقد وقع الانقلاب الأول فى فنزويلا عام 2002 بمساندة إدارة بوش، لكنها اضطرت إلى التراجع نتيجة الإدانة الحادة التى لاقتها فى أمريكا اللاتينية، والانتفاضة الشعبية التى أعادت الحكومة المنتخبة.

ووقع الانقلاب الثانى فى هاييتى سنة 2004 بواسطة فرنسا والولايات المتحدة، المسئولين التقليديين عن التعذيب فى هذا البلد. وجرى ترحيل الرئيس المنتخب جون برتراند أريستيد إلى أفريقيا الوسطى.. غير أن الأمر الجديد فى انقلاب هندوراس يتمثل فى عدم دعم واشنطن له، بل إنها انضمت إلى منظمة الدول الأمريكية الرافضة للانقلاب، وإن كانت قد أبدت إدانة أقل حدة للانقلاب مقارنة بباقى الدول الأعضاء فى المنظمة. كما أنها لم تتخذ أى رد فعل. فعلى خلاف الدول المجاورة، وكذلك فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، لم تسحب الولايات المتحدة سفيرها من هندوراس.

ولعله أمر يفوق الخيال أن نتصور أن واشنطن لم تكن تعرف مقدما ما يجرى الإعداد له فى هندوراس وهى دولة تعتمد بقوة على المساعدات الأمريكية، ويتلقى جيشها التدريب والتسليح والمشورة من الولايات المتحدة. ذلك أنه منذ الثمانينيات حينما كانت هندوراس قاعدة لحرب ريجان الإرهابية ضد نيكاراجوا تتمتع البلدان بعلاقات عسكرية قوية. ويعتمد حدوث «القصة المكررة» مرة أخرى إلى حد كبير على ردود الأفعال فى داخل الولايات المتحدة.

New York Times Syndication

ناعوم تشومسكي  مفكر وناشط سياسي أمريكي
التعليقات