إسرائيل فى هاوية دبلوماسية ونتنياهو أسير هوس البقاء - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأربعاء 21 مايو 2025 12:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إسرائيل فى هاوية دبلوماسية ونتنياهو أسير هوس البقاء

نشر فى : الثلاثاء 20 مايو 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 مايو 2025 - 6:55 م

فى الأسبوع الماضى، تلقّت إسرائيل الهزيمة السياسية الأكثر إذلالًا منذ تأسيسها. فبعد كارثة سمحات توراة، بدأت حرب ضارية منذ ما يقرب من عامين، حققت فيها إسرائيل إنجازات مهمة دفعت ثمنها الباهظ من الدماء، وأدّت إلى تهيئة ظروف قد تغيّر وجه المنطقة، لكن بدلًا من جنى الثمار، تدفع إسرائيل الثمن بسبب حكومة مشلولة هى الأضعف فى تاريخها.

فى أسبوع واحد فقط، غيّرت زيارة ترامب التوازن الجيو - استراتيجى الإقليمى بشكل دراماتيكى ضد مصلحة إسرائيل. على مستوى الصورة، فقدت إسرائيل مكانتها حين لم يُلقِ رئيس الولايات المتحدة حتى نظرة نحوها خلال زيارته للمنطقة، والتى غيّر خلالها موقفه من إسرائيل لمصلحة الدول العربية السُّنية، التى تعزّز موقعها كثيرًا.

• • •

على الصعيد الأمنى - الاستراتيجى، تلقّت إسرائيل ضربة أشد قسوةً، فمنذ حرب يوم الغفران [حرب أكتوبر 1973]، تحرص الولايات المتحدة، بما فى ذلك من خلال التشريع، على الحفاظ على تفوُّق إسرائيل، ولا تزوّد دول المنطقة بأسلحة مماثلة، من حيث الجودة، من أجل الحفاظ على هذا التفوق. هذا الأسبوع، تم كسر هذا الحرص أيضًا. لقد أُبرمت صفقات تتجاوز قيمتها التريليون دولار، ستزود دولًا عربية بالسلاح، وستضع السعودية وقطر وتركيا على قدم المساواة مع القدرة الإسرائيلية، والأسوأ من ذلك، أن معلومات سرية عن هذه القدرات الحيوية قد تتسرب إلى إيران، عبر قطر، ومن خلال علاقات تركيا بروسيا، إلى إيران، الأمر الذى يشكل ضررًا محتملًا بالغ الخطورة على دولة إسرائيل.

إنه فشل مُذلّ بمستوى كارثة وطنية هائلة، كان يجب أن يُحدث زلزالًا فى إسرائيل. لكن فقط عندما تنعدم التوقعات من الحكومة، يُبتلع هذا الفشل الهائل أيضًا.

الإهانة التى لحقت بنتنياهو نفسه هائلة. فترامب، الذى كان نتنياهو يعلّق آمالًا كبيرة على عودته إلى الحكم، ووضع أوراقه كلها أمامه؛ هذا الأسبوع، جعله يبدو صغيرًا إلى أقصى حد ممكن. كل ما تبقى لنتنياهو هو الظهور السخيف للكلام عن الهجوم على اليمن، وإصدار أوامر بمواصلة التورط فى غزة، الذى بات فى طريق مسدود.

لو تمكن نتنياهو من تنفيذ هجوم على إيران، لكان أقدم عليه بكل قوة. بحسب رؤيته، كان سيعيد له كرامته المفقودة، ويشعل من جديد حربًا إقليمية تمنحه وقتًا إضافيًا فى الائتلاف. الخيار الوحيد المتبقى أمام نتنياهو هو العودة إلى المستنقع المتمثل فى استمرار النزيف فى غزة، والذى سيتحول أيضًا إلى نزيف سياسى شخصى له.

• • •

هذا الأسبوع، "دُفن" محمد السنوار، الرابع من بين الخمسة الذين قرروا تنفيذ عملية 7 أكتوبر؛ قُتل فى غارة جوية، ولم يتبقَّ سوى خليل الحية. هذا الحدث نقل ثقل اتخاذ القرار من داخل "حماس" إلى الخارج، إلى آخر أفراد المجموعة. من وجهة نظر إسرائيل، هذه فرصة أُخرى من المؤكد أنها ستُهدَر، فالحية أقلّ عدوانيةً من السنوار فى الآونة الأخيرة، ويمكن التقدم معه نحو صفقة تبادُل أسرى، وأيضًا نحو نزع سلاح "حماس". نظريًا، لو أراد نتنياهو، لكان فى إمكانه أن يربح العالم بإعلان النصر هذا الأسبوع، وإنهاء الحرب. فى اللحظة الأخيرة. لو فعل ذلك، لكان حظيَ بخطوة برّاقة كانت ستحوّل صورته ووضع إسرائيل، إلى صورة إيجابية، بخطوة واحدة سريعة.

لكن، يبدو كأن هذا أصبح بعيدًا عن واقعه. إنه أسير هوس البقاء. لم يعد قادرًا على اتخاذ قرارات متّزنة فى ظل الواقع ومصلحة الدولة. إنه خاضع تمامًا للظروف الراهنة بسبب وضعه القانونى المعقد، ولسلطة الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذى، على الرغم من أنه لا يساوى مقعدًا واحدًا فى الكنيست اليوم، أصبح نتنياهو رهينة لديه. فى وضعه الحالى، لا يملك نتنياهو سوى طريق واحدة، مواصلة الحرب التى تمنحه حيوية فى الوضع الوحيد الذى يعمل فيه ضمن حكومته. فالحرب تمنحه قوة شخصية، وتوفّر له الذرائع للاستمرار فى البقاء.

من غير الممكن التجاهُل أن تجديد الحرب فى غزة أمر سياسى بحت، إذ كان فى إمكان إسرائيل إنهاء الحرب منذ وقت طويل، واستعادة جميع الأسرى، بل إبعاد «حماس» عن السلطة، لكن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب بأيّ شكل من الأشكال. المعنى: الاستمرار فى أطول حرب فى تاريخ إسرائيل، بهدف احتلال كامل للقطاع وفرض إدارة عسكرية.

معنى الاحتلال، لمن لم يستوعب ذلك تمامًا بعد، هو أولًا، وقبل كل شىء، التضحية بالمخطوفين وتركهم للموت. كل الادّعاءات أن هذه الحرب من أجل تحرير المخطوفين ما هى إلاّ كذبة ووقاحة. فى الإمكان إعادتهم ضمن صفقة فى هذه اللحظة بالذات، من دون أكاذيب بشأن ضرورة الحرب من أجل إعادتهم. فالحرب، بشكل قاطع، لن تؤدى إلّا إلى قتلهم. لا يوجد عنصر فى «حماس» غبى بما يكفى ليُفرج عن مخطوفين، بينما تقول له إسرائيل بصراحة: سنقتلك فورًا، بعد أن تعيدهم. المفاوضات الجارية، حاليًا، تعيدنا بالضبط إلى ما قبل ثلاثة أشهر، فقط مع ثلاثة أشخاص أحياء أقل. ينظر رئيس الحكومة إلى المخطوفين على أنهم قضية إحصائية يجب تقليص حجمها، وليس كمسئولية يتحملها لإعادة آخر مخطوف.

المعنى الثانى هو تحمُّل المسئولية عن 2.5 مليون إنسان، وتمويل عشرات المليارات من الدولارات التى ستقع على عاتقنا، فلا أحد سيموّل لنا احتلال غزة. وستشمل المسئولية عن السكان أيضًا المسئولية المباشرة عن جميع الكوارث المتوقعة لسكان يعانون أصلًا جرّاء أزمة حادة. فى الوقت الراهن، إسرائيل متورطة للغاية فى انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، وبغض النظر عن السؤال المتعلق بما سنصبح عليه كجيش، فإن هذا لن يؤدى إلّا إلى تفاقُم الوضع القانونى للضباط والجنود الذين ستُسلب منهم حرية التنقل فى العالم. الخطط المهووسة بخصوص الترانسفير ستتحقق، لكن بشكل عكسى. سموتريتش ورفاقه سيقيمون مستوطنات على ظهر جنود الجيش الإسرائيلى. إن خطوةً كهذه ستؤدى إلى مزيد من الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب أمام محكمة لاهاى.

لكى يتم تنفيذ هذا المسار، سيتطلب الأمر من الجيش الإسرائيلى، وفق تقدير متحفظ، إبقاء أكثر من عشرة آلاف جندى فى غزة ومحيطها، ومن غير الواضح إطلاقًا من أين سيتم توفير هذا العدد الكبير من الجنود فى ظل قانون الإعفاء من الخدمة. سيكون الجنود عرضةً لحرب عصابات طويلة الأمد، شبيهة بما جرى فى لبنان، لكن على أرض أكثر تعقيدًا، وسيدفعون، للأسف الشديد، ثمنًا باهظًا من حيث الإصابات والخسائر.

سموتريتش ليس لديه مشكلة مع هذا الوضع، لكن العديد من الأهالى والعائلات فى إسرائيل لديهم مشكلة كبيرة مع حرب عبثية، هدفها الحقيقى هو الاستيطان، وليس تحرير الأسرى، أو الدفاع عن الدولة.

• • •

إن حرب قيامة نتنياهو، التى يُطلق عليها تسمية عربات جدعون، هى حرب من دون إجماع وطنى. وتُطرح أسئلة قاسية جدًا بين جنود الاحتياط، والعديد من الأهالى، وعائلات المخطوفين، وعامة الجمهور، لا يوجد مَن يقدم أى إجابة عنها. منذ عدة أشهر، رئيس الحكومة منفصل تمامًا عن الجمهور، يختبئ خلف مقاطع فيديو، ولا يظهر فى وسائل الإعلام، ولا يجيب عن الأسئلة. هذا سلوك متهم، وليس سلوك رئيس حكومة إسرائيل.

الخطر الأكبر لا يكمن فى فقدان الثقة بحكومة إسرائيل، إذ إن الأغلبية الساحقة لا تثق بالحكومة أصلًا فى جميع القضايا الرئيسية. القلق الرئيسى هو من فقدان الثقة بالجيش، وبرئيس الأركان، الذى يسير مغمض العينين نحو حرب بلا أهداف حقيقية، بلا خطة واضحة لكيفية تحقيقها، بلا جدول زمنى، ولا حتى تعريف لكيفية انتهائها.

عندما خضنا حرب السيوف الحديدية، لم يكن هناك خيار، لقد فُرضت علينا حتى بغياب الإجابات عن كل الأسئلة، أمّا حرب قيامة نتنياهو، فهى حرب اختيارية، لا ضرورة لخوضها. فالنصر الذى تحقّق حتى الآن كافٍ، وظهرت خيارات أخرى واقعية وجديرة بالاهتمام، بدلًا من خسارة مزيد ومزيد من الجنود. إن غياب الخيار السياسى بسبب ضُعف رئيس الحكومة لا يُعد حربًا لا خيار فيها، بل العكس تمامًا، إنها حرب اختيارية بكل وضوح، ويُطلب من الجمهور دفع ثمنها الباهظ الذى ما زال الإسرائيليون يستهترون به.

يجب على رئيس هيئة الأركان أن يدرك أن الرسالة واضحة كالشمس: فالشجاعة لا تكمن فى إرسال الطائرات والجنود، بل فى تحمُّل المسئولية والتصرف بحكمة، وبمسئولية وطنية ودولاتية. وأن يكون الجمهور واثقًا بك.

يسرائيل زيف

قناة N12

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

 

التعليقات